أحمد فضل-الخرطوم
عندما بدأت إرهاصات انفجار الشارع السوداني يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 مثلت أزمة المواصلات إحدى شرارات الثورة على نظام الرئيس المعزول عمر البشير، والآن تكابد الحكومة الجديدة لمعالجة الأزمة.
وبلا جدوى، أنزلت سلطات ولاية الخرطوم قبيل اندلاع الاحتجاجات حافلات وشاحنات القوات النظامية لتوصيل المواطنين المتكدسين وسط العاصمة نهاية كل يوم خوفا من التجمهر.
وحاليا في محطات المواصلات الرئيسية وسط الخرطوم في "جاكسون" و"الأستاد" و"شروني" يتكدس آلاف المواطنين كل مساء في انتظار حافلات تقلهم إلى أحيائهم ومساكنهم.
ولا يخفي غزالي عبد الرحيم استياءه من "تجاهل" الحكومة الجديدة لأزمة المواصلات، قائلا "حتى الآن لم أشاهد مسؤولا تجوّل بنفسه أثناء أوقات الذروة ليعايش المعاناة مع الناس".
حمدوك على الخط
وسارع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يوم الثلاثاء إلى التبشير عبر صفحته الرسمية بفيسبوك بحلول لأزمة المواصلات في الخرطوم.
وكتب حمدوك "اتخذ مجلس الوزراء في اجتماعه اليوم عدة تدابير لمقابلة المشكلات الضاغطة والمؤثرة على معاش الناس المتمثلة في أزمة المواصلات والمشتقات البترولية ونقص الدقيق والمشكلات التي تواجه بداية العام الدراسي".
وحظيت الحالة بتفاعل لافت، واضطر رئيس الوزراء للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالكيفية التي ستتم بها معالجة أزمة المواصلات، وأعلن عن تشكيل أربع لجان لتسريع حل الأزمة.
وعدّد حلولا للمشكلة تشمل زيادة أسطول النقل، ومعالجة توفر وتوزيع المشتقات البترولية، وتوجيه المرور بتسهيل حركة السير في الشوارع.
عجز النقل
وتجد حكومة حمدوك نفسها أمام تحد وهي ترث تركة مثقلة بالأزمات في قطاع المواصلات والنقل.
ويقول الأمين العام للنقابة العامة للنقل والمواصلات والطيران يوسف جماع إن إمكانيات النقل بالخرطوم تغطي 40% فقط من الحاجة الفعلية بولاية لا يقل عدد سكانها عن 8 ملايين نسمة وهم في تزايد مستمر.
وينتقد تهرّب السلطات منذ ما قبل الثورة عن تحديد سعر نقل مناسب للمواطنين ويعالج انخفاض قيمة العملة الوطنية المستمر.
ويعزو يوسف جماع مشكلة المواصلات إلى حزمة أسباب قديمة عانت منها الخرطوم مثل تردي شبكة الطرق، والازدحام المروري، وعدم التخطيط، فضلا عن الدوام الواحد السائد في جميع دواوين الدولة مما يخلق ذروتين، صباحية ومسائية.
ويقترح على مجلس الوزراء اتخاذ قرارات عاجلة بفتح استيراد مركبات النقل بإعفاءات جمركية، وفك الاختناق المروري، ودخول الدولة في قطاع النقل كما هو سائد في أغلب الدول، فضلا عن عقد ورشة بشأن الأزمة.
خطة معالجة
وحصلت الجزيرة نت على خطة لمعالجة أزمة المواصلات بالخرطوم كان ينتظر البدء فيها منذ يناير/كانون الثاني الماضي عن طريق لجنة يرأسها المدير السابق للحركة والتشغيل بشركة مواصلات الخرطوم طارق عبد الحميد.
وطبقا لعبد الحميد، فإن الخطة اقترحت تشغيل 1400 حافلة تستوعب الخطوط الطويلة والعابرة من أقصى شمال الولاية إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، فضلا عن خطوط سريعة تتوقف في محطات محدودة ومحددة.
ويرى عبد الحميد في حديث للجزيرة نت ضرورة تهيئة البنية التحتية بالخرطوم للحافلات الكبيرة من ناحية الطرق والمواقف والمحطات والجسور.
ويوضح أن شركة مواصلات الخرطوم إذا امتلكت ألف حالفة، وهو ما ليس متاحا الآن، فلن تنقل سوى 25% من حوالي 2.5 مليون شخص يتحركون يوميا بالمواصلات بولاية الخرطوم.
ويقول إن الولاية في حاجة إلى 3 آلاف حافلة، في حين أن كل ما لديها حتى نهاية العام الماضي 223 حافلة، فضلا عن حافلات وصلت من السعودية وقطر أخيرا.
القطار والقوارب
وقبل الثورة بدأت ولاية الخرطوم مشروعين للنقل النهري والسككي الداخلي لمعالجة شحّ وسائل النقل بالاستفادة من ثلاثة أنهر تطل مدن وأحياء الولاية على ضفافها.
ورغم إنشاء مرافئ ومحطات واستيراد قوارب وقطارات، فإن هذه الآليات لم تدخل الخدمة بعد، مما يتطلب من الحكومة الجديدة معالجة إخفاقات الحكومة السابقة.
ويقول المدير السابق للحركة والتشغيل بشركة مواصلات الخرطوم إن ثمة خلافا في السابق بين الشركة الصينية الموردة للقطارات وحكومة ولاية الخرطوم عطّل المشروع.
في المقابل يرى الأمين العام للنقابة العامة للنقل والمواصلات والطيران أن القطار والنقل النهري مجرد رفاهية، كما أن التنقل بالقوارب لن يخلو من مخاطر، ويقترح قطار الأنفاق بدلا من القطار.
تعرفة مضاعفة
ومع الهدر الذي يعاني منه مواطن ولاية الخرطوم في المال والجهد والزمن، تطالب جمعية حماية المستهلك بحل سريع وجذري يراعي مصلحة ملاك وسائقي المركبات العامة والمستهلكين.
ويدعو عضو الجمعية الطاهر بكري إلى جلوس كل الأطراف، ممثلة في الحكومة وجهات تمثل حقوق المواطنين ونقابة ملاك وسائقي الحافلات، على طاولة الحوار للوصول لتعرفة عادلة وملزمة بشكل صارم، ووضع عقوبات للمخالفين ومراقبين داخل المواقف.
ويشير بكري إلى أن التعرفة عمليا تضاعفت بشكل غير قانوني، إذ يعمد سائقو المركبات إلى تقسيم الخط الواحد إلى خطوط عدة تصل أحيانا إلى 4 خطوط فيضطر المواطن لدفع 3 إلى 4 أضعاف ما يدفعه قانونا.
ويحذر من أن الوضع خطير ويحتاج إلى تدخل عاجل وسريع، لأن معيل أسرة متوسطة سيكون مضطرا لدفع أكثر من راتبه لتغطية نفقات تنقله وأطفاله الطلاب، وهو وضع محفز للاحتجاج.
المصدر : الجزيرة