مهما كانت طبيعة النظام الذي يحكم البلد وتوجهاته، ومهما كانت إرادة بعض البرلمانيين، فلن يحصل أي تدافع حقيقي وضغط على السلطة التنفيذية ما لم يحصل اتزان جدي في مخرجات العملية الانتخابية تكون بموجبه المقاعد المؤيدة والمعارضة متقاربة عدديا، على الأقل بنسبة تسمح ببعض الإجراءات ولو شكليا مثل تشكيل لجان التحقيقات وضمان عدم عرقلتها، وتقديم ملتمسات حجب الثقة، والقدرة على المساءلة وغيرها، يعني وجود كتلة ضغط خارج الولاء للتنفيذي. ولن يحصل ذلك بأقل من ثلث الجمعية، أي حوالي 53 نائبا.
إن أمرا كهذا يحتاج عدة أمور من بينها زيادة منسوب الوعي بدرجة يتم التخلص من كثير من أسباب التصويت التلقائي لمرشحي "المخزن" انطلاقا من الولاء التلقائي غالبا وليس الكفاءة، حتى وإن كانت موجودة فعليا في بعضهم، ثم التخلص النهائي من التصويت التلقائي على أساس عصبوي قبَلي او جهوي أو عرقي دون مراعاة الكفاءة والمسؤولية بل الصلة الضيقة فقط.
إن تجذير الوعي مسؤولية السلطة والنخبة معا، ومن الصعب أن يغني أحدهما عن الآخر، فهل من الواقعي أن نطالب الأنظمة بتوعية الشعب ليصوت ضدها؟ نعم، إذا كانت الأنظمة تريد المصلحة العامة على المدى البعيد والمتوسط، فزيادة التوازن السياسي والتشريعي وحتى الوظيفي و"الريعي" بخصوص محاولة العدل في التعيينات والصفقات، يزيد الاستقرار أولا والانسجام ويحول الاختلاف من صراع حاد بين مقصيين مهمشين من جهة وقوى مهمينة على كل شيء، إلى تدافع سلمي ناضج مسؤول وهاديء. أما النخبة فتحتاج المزيد من الحيوية والتنظيم والفعالية، وتحتاج النخبة المعارضة منها والمستقلة تقديم آليات أكثر فعالية واقناعا وتجديدا، بدل الارتهان لنفس الآليات القديمة.
هل هذه دعوة لأن نصوّت للمعارضة من أجل المعارضة؟ نعم تقريبا، قد يرى البعض هذا طرحا ساذجا أو سطحيا، ربما يكون ذلك، لكن دون تصويت عقابي ضد الأنظمة والقوى التقليدية، أو تصويت تحفيزي تشجيعي للقوى الرافضة والداعية للتغيير _ ولو شعارا _ فإنه لن يحصل تغيير مقبول، أحرى تغيير جذري أو شامل، وما لم يحصل ضغط معين من طرف التشريعي _ محل التدوينة _ قلا تتوقعوا أن يقدم رقابة جادة أو تشريعا نافعا ما لم يأت ذلك اختيارا _ أو صدقة _ من الجهاز التنفيذي.
إن كثيرا من المصوتين للموالاة يريد من النواب المعارضين والمستقلين ما لا يريد من الموالين، وإن كان محقا في ذلك من حيث كون النائب حيث هو نائبا عن الجميع قانونا، ويفترض أن يكون كذلك واقعيا، ومن حيث إدراكه لمستوى استقلالية هؤلاء وقدرتهم على الضغط والنقد، فإنه يتجاهل حجم تأثيرهم واقعيا بسبب مخرجات العملية الانتخابية التي هو أحد أسبابها انطلاقا من تصويته أصلا.
إنّ القوى التقليدية لن تغير واقعكم تغييرا جذريا مهما كان رضاها عنكم ورضاكم عنها فهي مستفيدة من الواقع ومعنية بخلقه أصلا وبالمحافظة عليه، فتبنوا ولو في تجربة معينة أو فترة معينة خيار الوقوف ضدها، وعبئوا الناس على ذلك واشرحوا لهم الأسباب، واصنعوا الوعي بضرورة التغيير ولو جزئيا ونسبيا، وقبل ذلك لا تتوقعوا التغيير في أداء أي مؤسسة _ خاصة منتخبة _ إلا بقدر ما بذرتم من أسباب هذا التغيير في ولاءاتكم السياسية وخاصة في ترجمة ذلك تصويتا.
إن من يتابع كفتيْ البرلمان خاصة من حيث الكم والعدد يدرك ببساطة _ مقارنة مع أي بلد فيه وعي كبير وديموقراطية مقبولة _ مدى الخلل الحاصل، والذي أركانه: أنظمة تعرقل الوعي، ونخبة ضعيفة الأداء والتنظيم، وقوى تقليدية مهيمنة على كل شيء، ولا تريد تغير اي شيء إلا لضرورة الاستمرار والتجميل أو بسبب ضغط خارج إطارها، فزيدوا هذا الضغط!