عمران عبد الله
في يوم الرؤساء الأميركيين 2019، دُعيت الناشطة الأميركية والمدافعة عن الحريات الدينية أسماء الدين للتحدث في متحف الكتاب المقدس في واشنطن العاصمة حول التزام الآباء المؤسسين بالحرية الدينية للجميع مع متحدثين من خلفيات دينية مختلفة.
وروت الكاتبة في كتابها "عندما لا يكون الإسلام دينًا: داخل الكفاح الأميركي من أجل الحرية الدينية" تعرضها في هذا اللقاء لأسئلة نمطية مثل الشريعة واضطهاد النساء والأقليات الدينية، وخوف الأميركيين -غير المبرر- من انتهاك الإسلام الدستور الأميركي، واستخدام الحريات الدينية من قبل المسلمين للاستيلاء على أميركا.
هوية الأمة الأميركية
وتقول أسماء في مقدمة كتابها -الصادر حديثاً عن دار بيجاسوس للنشر- إن هناك مفهومين متنافسين عن هوية الأمة الأميركية ظهرا عند تأسيس الولايات المتحدة؛ أولهما الحفاظ على الوضع البروتستانتي القائم، أو ضمان الحقوق الفردية بغض النظر عن الدين، والمفهوم الثاني هو الذي اختاره الآباء المؤسسون للولايات المتحدة.
وأراد رئيس الولايات المتحدة في بداية القرن 19 توماس جيفرسون -على وجه الخصوص- دراسة الثقافات الأخرى والتعلم من نجاحاتها وإخفاقاتها، واقتنى نسخة من المصحف ليساعده في الدفاع عن المسلمين المحرومين في أميركا الناشئة.
ورغم أن جيفرسون لم يكن على علم بأي مسلمين بأميركا خلال فترة حكمه (تكشف الدراسات الحديثة أن نحو 20٪ من العبيد في أميركا كانوا مسلمين)، فإنه كان يأخذ بعين الاعتبار حقوق السكان المسلمين المحتملين ضمن الأمة الأميركية.
واعتبر النقاش عن المسلمين في الولايات المتحدة بين الآباء المؤسسين نوعًا من الاختبار أو المؤشر المبكر على ما كان من المفترض أن تكون عليه أميركا، بحسب ملاحظة الباحثة في التاريخ الإسلامي دنيز سبيلبرغ.
ورغم أن الصور النمطية المعادية للمسلمين في ذلك الوقت كانت راسخة ومنتشرة على نطاق واسع؛ فقد تمكن جيفرسون وآخرون من تجاوزها وتخيلوا يومًا لن يكون فيه المسلمون موضع ترحيب في أميركا فحسب، بل أيضًا لهم حقوق كاملة ومتساوية كمواطنين أميركيين.
الدستور لا يحمي المسلمين
وينقسم هذا الكتاب إلى جزأين؛ يتناول أولهما تزايد عدد الأميركيين البارزين الذين يتحدون الممارسات الدينية الإسلامية، ويجادل هؤلاء بأن "الإسلام ليس ديانة"، وبالتالي فإن "التعديل الأول لدستورنا لا يحمي المسلمين".
وفي الجزء الثاني من الكتاب تتناول المؤلفة رغبة أميركيين بارزين آخرين في حماية المسلمين بشكل انتقائي فقط، وتعامل هذه المجموعة بعض المسلمين بشكل إيجابي، في حين تعامل الآخرين بشكل سلبي، وترى الكاتبة أن تهديد الحريات الدينية الذي يمس المسلمين اليوم بشكل خاص يتزايد بشكل عام بالنسبة لعموم الأميركيين.
وفي الفصل الثاني للكتاب تناقش المؤلفة حجج الخطاب المعادي للمسلمين، وتكشف الخطابات والإجراءات العدائية التي تحرم المسلمين من الأمان النفسي والبدني وتهدد حقوقهم الإنسانية، وتقارنها مع حالات أخرى في تاريخ الولايات المتحدة.
وفي الفصل الثالث تناقش الحرية الدينية وتعاريفها ومعاييرها ونظرياتها القانونية التي تقول الكاتبة إن كثيرا من الأميركيين يتكلمون عنها من دون معرفة حقيقية بها، وتستشهد الكاتبة بما تسميه أدلة حديثة حول التحيزات في القرارات القضائية.
هل الإسلام دين؟
ويبحث الفصل الرابع الكيفية التي تظهر بها الحجة القائلة إن "الإسلام ليس دينًا"، خاصة عندما يحاول المسلمون بناء مساجد ومقابر إسلامية. وفي الفصل الخامس تلقي نظرة على ما تسمى قوانين رفض الشريعة التي تم اقتراحها في 43 دولة حتى الآن، وتعتبر المؤلفة أن الشريعة لا تنطبق على غير المسلمين ولا تستخدم لإجبار أي شخص على اعتناق الإسلام ولا تهدد القيم الأميركية.
ويبحث الفصل السادس تجريم سياسات الأمن القومي للممارسة الدينية للمسلمين وإجبار العديد من المسلمين على التخلي عن مظاهر دينهم والتعبير العلني عن معتقداتهم، وتناقش أيضًا كيف تقوي حماية حقوق الإنسان والحريات الدينية الأمن القومي بدل أن تضعفه.
ويتناول الفصل السابع كيف تواجه النساء المسلمات أعباء فريدة من نوعها، ويتحول الكتاب بعد ذلك لمناقشة الهجوم الأكثر وضوحًا على الإسلام الذي يأتي غالبًا من قبل اليمين السياسي، وما تسميه اتجاهات أكثر دهاءً تهدد بتآكل الهوية الدينية الإسلامية في أميركا وتأتي في الغالب من قبل اليسار.
المسلم المقبول
كما يناقش هذا الفصل كيفية ترويج قطاعات السياسة والإعلام والجمال والأزياء والترفيه صورة معينة عن مسلم "مقبول"، وتدعم هذه الاتجاهات بطرق مختلفة ما تعتبره الكاتبة علمنة الهوية الإسلامية، وجعل الإسلام "ليس دينًا". ويدرس الفصل الثامن تأثير "الإسلام المعلمن" على نقاشات الحاضر الرئيسية حول الحرية الدينية وحقوق الشواذ.
وتؤكد الكاتبة أنه بالطبع يعد الإسلام دينًا، وأن المسلمين لهم الحق في التمتع بحقوق حماية الحريات الدينية في أميركا، وأن الإسلام يفي بكل تعريف للدين توصل إليه العلماء واللغويون على مر السنين.
وتعتبر الكاتبة أن تعاليم الإسلام أو أركانه الخمسة لا تمنع المشاركة السياسية، وتشير إلى أن العديد من الديانات لها ما يسمى "اللاهوت السياسي" أو العلاقات المتغيرة باستمرار بين المجتمع السياسي والنظام الديني.
وتؤكد الكاتبة أنه سواء بالنسبة للمسيحية أو أي دين آخر، فإن الفرد المؤمن حر في تنفيذ المعتقدات بما فيها الأبعاد السياسية، ويمكن تنظيم تصرفاته بطريقة تناسب السياق الدستوري للولايات المتحدة، وفي كل الأحوال يظل الدين دينًا حتى ولو تضمن أبعادا سياسية.
المصدر: الجزيرة.نت