لقد اطلعت مثل غيري من المتتبعين للشأن الموريتاني علي نبأقطع قناة “الموريتانية” للفقرة الواردة على لسان الناطق باسم الحكومة السيد الوزير سيدي ولد سالم والتي جاء فيها أن الحكومة الحالية امتداد للحكومة السابقة ولنظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، كما تابعت ردود الفعل المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي بين مستنكر، وناقد لتصريح السيد الوزير معبر عن أمله في قطيعة تامة مع النظام السابق، وبين منتقد لقطع السلطات الإعلامية للفقرة الخاصة بهذا التصريح.
وفي تقديري ووجهة نظري المتواضعة فإن ماصرح به معالي السيد الوزير سيدي ولد سالم بهذا الشأن لايعد خطأ على الإطلاق في نظر القانون والنظم السياسية
وبالتالي فإن تصريح السيد الوزير بهذا الشأن يتطابق تماما مع الحقيقة والواقع وعلى سند صحيح من حيث الواقع والقانون وماجرى به العرف وأقرته النظم السياسية في العديد من الدول، واقتضته ضرورات المحافظة علي استمرارية المرافق العمومية وفق الأنظمة الجاري بها العمل قصد تحقيق المصلحة العامة؛
ذالك أن كل الدول و الحكومات في العالم منذ عهد قديم وعلى مر العصور وطبقا للواقع والقانون، بمثابة الوارث الشرعي تحل محل الدول والحكومات السابقة لها، في كل تعهداتها والتزاماتها، والعمل بأنظمتها وقوانينها، وحتي في أساليب ممارستها، وهي بذلك تظل حقيقة وحكما امتدادا لسابقاتها وإن تغير حكامها وأعضاء حكوماتها، وحتى إن تبدلت برامجها وأهدافها، فإن الأمر في نظر القانون لايغير من طبيعتها القانونية، ولامن مسؤولية الدول الموريتانية وحكوماتها عن أعمال وتعهدات الحكومة السابقة؛ لكونها مسؤولية قائمة أصلا على نظرية الاستخلاف والمسؤولية التبعية، وتطبيقا لهذه النظرية ظلت الدولة الموريتانية العصرية امتدادات للدولة الفرنسية للفترة من ١٩٦٠ إلى وقت قريب، ماضية في
تطبيق قوانينها والالتزام بتعهداتها، واتباع سياساتها وبرامجها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وتطبيقها على متداد الترب الموريتاني من من انواكشوط غربا إلى فصالة شرقا.
ونستطيع أن نجزم بأن الدولة الموريتانية ظلت امتدادا وظلا ظليلا للحكومات الفرنسية في أغلب القطاعات منذ الاستقلال الي غاية ١٩٨٣ حيث جرى تعديل جزئي لبعض القوانين المتعلقة بقطاع وزارة العدل والداخلية،
فعلى سبيل المثال ظلت المحاكم الموريتانية تطبق القانون المدني الفرنسي والقانون التجاري الفرنسي وقانون الأحوال الشخصية للأجانب، كماتطبق أحكام معاهدة فرصوفيا لمسؤولية الناقل الجوي الصادرة سنة ١٩٢٩، واتفاقية ابروكسل لمسؤولية الناقل البحري الصادرةسنة ١٩٢٤ أمام المحاكم الموريتانية، وتنفذ الأحكام الصادرة عنها في هذا الشأن، علي الرغم من أن أيا من الحكومات الوطنية الموريتانية لم تصدق على المعاهدتين المذكورتين، ولايزال قضاة المحاكم الجزائية الموريتانية ووكلاء الجمهورية إلى اليوم يستندون في الأوامر المتعلقة بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي على قرار الوالي العام للمستعمرات الفرنسية في افريقيا الغربية، وعلى أحكام مداولات المجلس الأعلى للمستعمرات الفرنسية في افريقيا الغربية (de délibération d'haute conseil de l'AOF ) وهذا هو المعني القانوني لنظرية الاستخلاف والتبعية التي عبر عنها معالي الوزير سيدي ولد سالم في تصريحه بأن الحكومة الحالية امتداد للحكومة السابقة، وقد أصاب وجه الحق والقانون فيماصرح به بهذا الشأن.
ومن ثم فليس في الأمر مايستحق هذه الضجة الإعلامية التي تبنتها مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها فالسيد الوزير تكلم انطلاقا من وجهة نظره كرجل دولة وقانون
لا كرجل سياسة يحرف الكلم عن مواضعه.
ومن هنا فإنني أسجل بكامل الاستغراب ماعبر عنه الأستاذ الدكتور ولد اصنيبه من رأي مناهض لتصريح السيد الوزير المشار إليه أعلاه علي غير سند من القانون، داعيا إياه وغيره من أصحاب الرأي أن يراجعوا مواقفهم واراءهم القانونية السابقة بهذا الشأن، اقتداء بهدي الصحابة والخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم فقد جاء في رسالة عمر المشهورة
ولايمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه الرشد أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم لايبطله باطل والرجوع الي الحق خير من التمادي في الباطل.
غير أن هذه النظرية وتطبيقاتها ليس فيها مايمنع حكومتنا الرشيدة بقيادة السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من أن تصدر قوانين وبرامج طموحة تشكل قفزة نوعية تصحح ما أخلت به الحكومات السابقة تدريجيا من برامج أو قوانين في إطار القانون، وفي إطار السلطة التقديرية المطلقة للسيد الرئيس محمد والد الشيخ الغزواني وحكومته الرشيدة.
ونحن علي ثقة كاملة بأن فخامة السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وطبقا لبرنامجه الانتخابي على دراية كاملة وكفاءة عالية لتقدير ما تتطلبه المراحل القادمة من برامج التجديد والبناء والإصلاح، سائلين الله تعالى أن يطيل عمره ويوفقه لمافيه مصلحة العباد والبلاد.
والسلام عليكم ورحمه الله تعالى وبركاته.