تحديت الإعاقة بـ (مذاق الصبر ( وتحديت قدرتي على مواصلة الكتابة بـ (حز القيد).
بما أن اللغة التي أكتب بها تحقق الغاية، فليس هناك ضرورة للبحث عن لغة أخرى.
لا أكتب من أجل الكتابة فقط، والنص إذا لم يعالج قضية معينة أو يثير الأسئلة فهو (كلام ليس إلا).
دكاكين ( الطباعة والنشر في وطننا العربي تفتقر إلى الحد الأدنى من المهنية.
الإساءة التي تعرضت لها (مزرعة الحيوان) هي ما دفعتني إلى ترجمتها
عدم انتشار النص العماني خارجًا قضية سببها غياب آلية لصنع الأديب العماني وتسويق إبداعه.
اسألوا المؤسسات المعنية بالإنتاج الدرامي عن تأخر ظهور (مذاق الصبر) في فيلم روائي.
حين تحاور الروائي محمد عيد العريمي فأنت أمام ذاكرة مليئة بالنجاحات والألق.. ذاكرة استطاعت بتوهجها أن تضيء أركان الفكر، وأن تطير بالمتلقي إلى سماوات من الجمال والعزيمة رغم مفاجآت الحياة الكثيرة التي قد تباغتك على حين غرة.
لمحمد عيد شخصية رائعة تشبه كتابته تماماً.. تلك الشخصية البسيطة العميقة في آن، يقابلها لغة سلسة بعيدة المعنى والمغزى تغذي الروح بالتفاؤل وتمنحه الرقيّ عن الماديات.
حين أطلق رائعته (مذاق الصبر) استطاع أن يلفت أنظار الجميع وأن يستحوذ على الأضواء بسرده الجميل وتفاصيله الرائعة.. ورغم هذا قال أنها تجربة تمسه شخصياً، لهذا استطاع سردها بكل هذا الجمالية.. ولكن موهبته وتمكنه من أدوات الكتابة أثبتت أن كلامه ليس إلا تواضعاً جماً منه فقد أحرزت روايته (حز القيد ( ما أحرزته سابقتها من نجاح ليتبعها بترجمة رائعة لـ (مزرعة الحيوان) للروائي جورج اوريل ثم رواية (بين الصحراء والماء).
في السطور التالية نقف مع محمد عيد الذي أطلقنا عليه سرب أسئلتنا فأطلق علينا فراشات أجوبته..
بداية مختلفة
س: سنبدأ بداية مختلفة.. لماذا اعتذر محمد عيد عن قبول الدعوة للمشاركة في مهرجان صنعاء الرابع للرواية، مع العلم انه كان فرصة للالتقاء بأدباء ونقاد من الوطن العربي.
فعلا كان المهرجان فرصة للتعرف على مثقفين كثر لاسيما الإخوة اليمنيين، الذين تبين لي أنهم متابعون للحركة الثقافية العمانية. وشخصيا حظيت بحوار طويل نشر في جريدة الثورة اليمنية، وهي جريدة واسعة الانتشار.. الأمر الذي أتاح لي التواصل فيما بعد مع عدد من كتاب القصة والرواية في اليمن. أما اعتذاري عن حضور مهرجان الرواية فهو يندرج تحت المثل العربي القائل (مكره أخاك لا بطل)، فظروفي الصحية تجعل من السفر بالطائرة معضلة لا أجد في نفسي قدرة على تحملها. وما زاد من حرج موقفي أن الأصدقاء في صنعاء عاودوا الاتصال بي بعد اعتذاري وأبدوا استعدادهم لاستضافة مرافق لي ظنا منهم أن ذلك ربما هو سبب اعتذاري.
س: بعد العملين الروائيين (مذاق الصبر) و (حز القيد) والترجمة الرائعة لـ (مزرعة الحيوان)، وعدنا محمد عيد بمجموعة قصصية جديدة.. ولكنا لم نشاهدها حتى الآن؟
كتبت قصص مخطوطة مجموعة (قوس قزح) خلال السنوات العشر الأخيرة، وهي متفاوتة في مستواها الفني وإن غلب على معظمها الشكل التقليدي للقص، ولا أظن أنها ستضيف جديدا على ما كتبت. ومقارنة قصص هذه المجموعة ببعض ما صدر مؤخرا من مجموعات قصصية عمانية من حيث أشكال القص وابتكار أساليب وأنماط جديدة للسرد، لن تكون لصالحي. لذلك ما زلت متردداً في نشرها، ويبقى أن معظمها يتميز بالسرد الطويل.. أي يمكن اعتبارها مشاريع روايات على غرار ما فعلته مع رواية (حز القيد)، فهي كانت قصة طويلة، أغرتني فيما بعد على الاشتغال عليها وتحويلها إلى رواية تجاوزت صفحاتها 250 من القطع المتوسط.
مسكّنٌ للألم
س: تتحدث دائماً عن تأخرك في الدخول إلى عالم الأدب، فهل يعني هذا أن هناك نية كانت مبيتة للدخول ولكنها تأخرت؟.. بمعنى آخر هل الكتابة قدر نبحث عنه، أم قدر ينزل علينا؟
حين قررت عرض تجربتي مع الإعاقة.. أي كتابة (مذاق الصبر)، وهو نصي السردي الطويل الأول، لم أفكر في الكتابة من أجل الكتابة نفسها، وإنما كان خوفي من أن تواضع خبرتي في الكتابة لن يتيح لي التعبير عن التجربة بما يناسب أهميتها، وتجسيدها في قالب أدبي يجد له مكانا في المشهد الإبداعي.
وإذا أردت الصدق، لم أكن مقتنعا أن النص يستحق النشر، ولولا تشجيع الأصدقاء وإصرارهم لما رأت (مذاق الصبر) النور.
س: هل الكتابة قدر نبحث عنه، أم قدر ينزل علينا؟
في الحقيقة أنا لم أبحث عن الكتابة، فلقد لعبت المصادفة دورا، وإن تأخرت المصادفة كثيرا إلا أنني سعيد أنها حدثت. وعلى الرغم أن الكتابة تستنفد الكثير من الجهد والوقت، إلا أنها أصبحت بالنسبة لي مسكنا جيدا للآلام، بل أنها إدمان يصعب التخلص منه حتى ولو بالكتابة لنفسي.
س: يتحدث البعض عن أن محمد عيد كاتب جماهيري، ويملك شريحة واسعة من القراء.. فلماذا برأيك يوجد كاتب لا جماهيري ولا يستطيع أن يحقق ما يحققه الآخر من شهرة؟
هذه شهادة اعتز بها، واشكر (البعض) على هذا الإطراء. لا أظن أن هناك عائقا يحول دون ظهور وتقدير النصوص المتميزة وحتى المتواضعة منها على مستوى المشهد الأدبي العماني، فالملاحق الأدبية تعاني من غياب الكاتب العماني. وإذا كان هناك مأخذا فالأدباء والكتاب والمثقفون أنفسهم مسئولون عنه. ولو لاحظت في السنوات الأخيرة سترى أن أسرة القصة في النادي الثقافي وجمعية الكتاب والأدباء يبذلون كل ما في وسعهم للاحتفاء بالإصدارات الجديدة بغض النظر عن مستوياتها، لكن للأسف يواجه هذا الجهد بحضور متواضع اغلبهم أصدقاء ومعارف المحتفى به وكتاب الملاحق الأدبية. أما انتشار النص العماني خارج السلطنة فهذه قضية أخرى سببها غياب آلية لصنع الأديب العماني وتسويق أدبه. لا شك أن النص السردي العماني ما زال في مرحلة المهد وبحاجة إلى الرعاية والدعم ماديا ومعنويا، ولا أظن أن الأفراد أو حتى دور النشر المحلية قادرة على ذلك. هذا الجهد يستدعي تضافر جهات عدة أهمها وزارة التراث والثقافة التي لها مبادرات طيبة لجهة دعم الكتاب العماني، وبإمكانها تسويقه في معارض الكتب التي تشارك فيها.. وهي كثيرة. ولعل مبادرة النادي الثقافي خلال عام مسقط عاصمة للثقافة العربية حيث تولى إصدار عدد من المجموعات القصصية والدواوين الشعرية بالتعاون مع دار نشر عربية كبيرة خطوة مهمة في نشر الكتاب العماني في الوطن العربي، على أن يلتزم الناشر فعلا بتوفير الكتاب العماني في كافة المعارض التي يشارك فيها ولا يقتصر ذلك على معرض مسقط الدولي للكتاب لذر الرماد في العيون ليس إلا.
أصداء تكتبني
س: ذكرت في أحد حواراتك أن نجاح (مذاق الصبر) و (حز القيد) جعلتك مطالباً بالكتابة.. فكيف توضح لنا هذه العبارة؟
قلت أن (مذاق الصبر) كتبتني، أما (حز القيد) فأنا الذي كتبتها. كنت في الشارقة عندما وزعت دار النشر كتاب (مذاق الصبر) في معرض الشارقة الدولي، الذي يحضره كثير من المثقفين والأدباء العمانيين. وقد وجد الكتاب تجاوباً من قبل من حضروا المعرض وتلقيت الكثير من المكالمات التي تثني على العمل وفجأة وجدت نفسي كاتباً، أو مطلوب مني أن أكون كاتبا؛ فهذا العمل كتبني من خلال الأصداء الطيبة التي حظي بها على المستوى العماني أو الخليجي أو العربي، فقد كُتب الكثير من الدراسات والقراءات حول هذا العمل، ودعيت للحديث عن هذه التجربة في مؤسسات عديدة داخل السلطنة وخارجها، كما طبع جزء من هذا الكتاب في منهاج اللغة العربية في الشهادة العامة، كنموذج للسير الذاتية، وصدرت منه ثلاث طبعات في غضون خمس سنوات.
أما (حز القيد) فقد كانت تحديا. فمثلما كان (مذاق الصبر) وسيلتي لتحدي الإعاقة من خلال كشف تداعياتها المختلفة على جوانب كثيرة من حياتي، كانت (حز القيد) تحديا لقدرتي على كتابة نص طويل يحقق بعض ما حققه (مذاق الصبر). فالتصدي لهذا المستوى من الكتابة يتطلب مُقَوِّماتٍ كنت أفتقد الكثيرَ منها، فكما هو معروف، (الرواية هي الأدب الصعب)، واشتغال أدبي عصي المنال. كتبت في مذاق الصبر عن نفسي، ومن السهل أن يقول الإنسان من هو، بغض النظر عن صدق رواية المرء عن نفسه، ولكن أن تتحدث عن الآخر ـ أو بالأحرى تصنعه وتخلق عوالم من الخيال وفي الخيال ـ فهذه مهمة تتطلب الكثير من التجارب وقدرة على التخيل بلا ضوابط. ولكن عندما شعرت أنني فعلاً يجب أن أكتب شيئا، سخرت جزءاً كبيراً من وقتي للقراءة، وخصوصا تجربة السجون ومذكرات وملفات السجناء، فتكونت عندي الشكل العام للرواية، واشتغلت فيما بعد على اللغة. ورغم أن مادة النص كانت الفعل المحرك للكتابة وعززت قناعتي بجدوى المضي فيها، إلا أني حَرِصتُ طوال اشتغالي على النص أن أضع عبارة (مشروع رواية) تحت العنوان إلى أن تأكد لي ـ بشهادة خبير ـ أن النص يستحق فعلا أن يُدعى (رواية).
س: هناك بعض الترجمات التي سبقتك إلى تقديم (مزرعة الحيوان ( لجورج اوريل.. فلماذا قررت أن تترجم رواية تُرجمت من قبل ، بدلاً من البحث عن رواية لم يسبقك إلى ترجمتها أحد؟
لم أزعم أن ترجمتي لرواية (مزرعة الحيوان ( أفضل أو تختلف عن سواها من ترجمات سابقة للرواية، بيد أن ما دفعني إلى الاضطلاع بهذه المهمة هو الإساءة التي تعرضت لها هذه الرواية التي استطاع كاتبها بمهارة فائقة أن يجمع فيها بين قوة الموضوع وجمال الصياغة. فـ (دكاكين ( النشر والطباعة في عالمنا العربي تفتقر إلى الحد الأدنى من المهنية ولا تلتزم بتقاليد النشر ولا تقيم وزنا للنصوص ما دامت تدر المال، فقد طُبعت الرواية في (كتاب) لا يختلف كثيرا في الطباعة وشكل الغلاف والورق عن كراس مدرسي زهيد الثمن. إن اشتغالي على ترجمة هذه الرواية، واختيار جهة النشر وشكل الكتاب، جاء انطلاقا من تقديري الجم لجورج أورويل الروائي والإنسان، وأقول بفخر أني أعدت لهذه الرواية الرائعة حقها من خلال ظهورها في طبعة (أنيقة) تليق بها، بل أني حرصت على المشاركة في تصميم الغلاف وكتابة العناوين، واختيار لوحة الغلاف التي أهداني أيها الفنان التشكيلي الجميل حسين عبيد.
حذلقة وتغريب
س: بعد النجاح الذي حققته (مذاق الصبر)، ألم تخش من تأثيرها اللاحق على أعمالك القادمة؟
على العكس، نجاح (مذاق الصبر) عزز لدي الثقة أنني قادر على كتابة نص طويل يرقى إلى مستوى (مذاق الصبر)، وهذا ما تحقق في رواية (حز القيد)، وبشكل أقل في السيرة الروائية (بين الصحراء والماء). هذا الهاجس لم يكن يؤرقني، فمنذ البداية لم أتوقع لـ (مذاق الصبر) هذا النجاح، ولعل هذا الاعتراف ساعدني على قبول النقد الذي كتب عن (حز القيد).
س: يرى البعض أن في روايتك (حز القيد ( لغة بسيطة سهلة للقارئ، وتكاد تكون موجودة ـ أي اللغة ـ في معظم أعمالك.. فلماذا تتخير هذه اللغة دائما؟
ما دامت اللغة التي اكتب بها تحقق الغاية من فعل الكتابة، بشهادة (البعض) الذي ذكرتهم في سؤال سابق، لا أجد ضرورة في البحث عن لغة أخرى قد يطول بحثي عنها. وأعتقد أن الإبداع في الكتابة لا يتحقق فقط من خلال الحذلقة والتغريب اللغوي، وإنما من خلال طرح فكرة ذات بعد إنساني تمس الناس وتلامس أحاسيسهم.. تلك التي تأتي من القلب لتصل إلى القلب، وإلا لكان كل من حصل على شهادة في اللغة هو مبدع.
وهذا ما تعاني منه بعض النصوص الحديثة حيث أصبح النص القصصي خاليا من الحدث، ويعتمد على المتن اللغوي فقط. أنا لا أؤمن بقضية الفن من أجل الفن وأن تكتب من أجل الكتابة فقط. إذا كان النص لا يعالج قضية معينة ولا يثير الأسئلة ولا يقول شيئا فهو (كلام ليس إلا).. وكما يقال هناك رواية قوية، وهناك رواية جميلة، الرواية الجميلة التي يستمتع بها الإنسان، من خلال الزخرفة اللغوية العالية.. إلخ، لكنها لا تعالج قضية معينة. أعتقد أن المثقف له دور في المجتمع، إذا لم يكن ملتزماً بقضية معينة، وإذا لم يثر الأسئلة، فهو يكتب من أجل الكتابة نفسها.
فيلمٌ تأجل
س: تُرجمت روايتك (مذاق الصبر) إلى الانجليزية، وتدرس حالياً كمقرر لمادة اللغة الانجليزية في كلية عمان الطبية.. حبذا لو تحدثنا عن تجربة هذه الترجمة.
تولى الترجمة الكاتب المبدع صالح عبدالله الخمياسي العريمي، والذي لم يكتفِ بنقل كلماتي العربية إلى اللغة الانجليزية وحسب وإنما عاشها معي خلال جلسات نقاش طويلة بهدف إعادة كتابة النصوص بالإنجليزية وبأسلوبه المتميز بدلا من ترجمتها حرفيا. وقد تكفلت شركة تنمية نفط عمان بطبع الترجمة، ونظمت حفل تدشين تحت رعاية معالي الدكتور محمد بن حمد الرمحي وزير النفط والغاز، وبحضور أعضاء مجلس إدارة الشركة وشركائها الأوروبيين.
س: يشتكي المبدع العماني من أن أعماله لا تجد طريقها إلى الترجمة إلى لغات أخرى.. هل تعتقد أن الإشكالية في النتاج العماني أم في عدم وجود الاهتمام الكافي من المترجمين للالتفات لهذه التجارب؟
دعنا الآن نتحدث عن الترجمة إلى اللغة الانجليزية قبل أي لغة أخرى. لدينا مترجمون شباب يترجمون من الانجليزية إلى العربية، وقد برزوا من خلال ترجماتهم النصوص الأدبية التي نشرت في ملحق (الجسر) من جريدة عمان، لكن ترجمة نصوص أدبية عربية إلى لغة أخرى تستدعي أن يكون المترجم ضليعا في اللغة وعلى اطلاع ومتابعة واسعة للأدب الانجليزي الحديث. أضف إلى ذلك أن الترجمة تتطلب تفرغا ودعما ماديا، للأسف الشديد نحن نفتقره. وعلينا أن نتذكر أن الكتابة (لا تطعم خبزاً) فما بالك بالترجمة!
س: كان من المؤمل أن تتحول (مذاق الصبر) إلى فيلم.. ولكن التجربة لم يكتب لها الخروج إلى الضوء حتى الآن.. فمتى يمكننا أن نرى ذلك؟
هذا السؤال يجب أن يوجه إلى المؤسسات المعنية بالإنتاج الدرامي.. الرسمية والأهلية على حد سواء. بالنسبة لمحاولة إنتاج (مذاق الصبر) وتحويله إلى عمل درامي (فيلم)، فقد تعثرت جهود إحدى مؤسسات الإنتاج الفني المحلية بسبب غياب التمويل، ثم تبنى الفكرة المخرج التونسي الطيب لوحيشي، الذي فاجأني بالاتصال من فرنسا وأبدى استعداده للبحث عن شركة إنتاج، وفعلا عرض الفكرة على شركة مغربية التي أيضا أبدت حماساً لتمويل الفيلم، لكن شاءت الأقدار أن يتعرض المخرج لحادث سير خطير أثناء وجوده في الإمارات وقبل وصوله إلى السلطنة ببضعة أيام.
س: أخيراً.. (صور).. مدينة قُـدّْت من حلم، فكيف كان تأثيرها على مشوار محمد عيد الإبداعي؟
يصعب الكتابة عن صور في سطور. وقد سبقني إلى الكتابة عنها أستاذنا الفاضل الأديب سالم بن محمد بن جمعه الغيلاني، وشاعرها والباحث في تاريخها الصديق والأخ المرحوم ناصر البلال. لقد احتلت صور في السيرة الذاتية الروائية (بين الصحراء والماء)، جزءا كبير من النص حيث سجلت في هذا الجزء تجربة صبي بدوي يلتقي بالمدينة والبحر لأول مرة ومفارقات تعرفه على مفردات المدينة.. شخوصها، سوقها، والأهم خورها الذي يلتحم بها كالتحام اللحم بالعظم.
كما كتبت عن المدينة دراسة تاريخية طويلة بعنوان (مدينة صور العمانية الدلالة اللغوية والبعد الزمني) نشرت في مجلة نزوى. ولعل ما أضفته إلى تاريخ صور في هذه الدراسة هو العلاقة بين كتابة اسم المدينة باللغة اللاتينية والطبيعة الجغرافية للمدينة، والتي هي عبارة عن جزيرة رملية يحيطها البحر من كل الجهات تقريبا. ففي الخرائط الجغرافية القديمة التي يأتي اسم المدينة مكتوبا على الشكل التالي SUR وصوت هذه الكلمة باللغات اللاتينية لا يعطي الصوت المكتوب بالحروف العربية (صور)، فهي، أي SUR تنطق على وزن صنSUN أو (رن (RUN وبالتالي فإن صور العمانية ربما كان يطلق عليها في يوم ما (صر (SUR أي جزيرة رملية، كما أن كلمة SUR وردت في شروح المؤرخين للدلالة على اسم (صر) الذي وجدوه في ألواح ومسلات الكتابات الفينيقية والأشورية وهو الاسم القديم لمدينة صور اللبنانية.