موقف الشريعة من الغناء و المعازف و المزامير / الفقيه محمد الأمين الشاه

جمعة, 14/07/2017 - 22:53

بسم الله الر حمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبيه الكريم

وبعد فيقول العبد الفقير إلى رحمة مولاه، محمد الأمين الشاه، إمام مسجد الخيف بمقاطعة تيارت في نواكشوط، عفا الله عنه و عافاه: لقد سألني بعض الأصدقاء عن حكم الغناء و المعازف و المزامير و هل تحريمها على إطلاقه؟ أم أنه يفصل فيه؟ و ما صحة النصوص الواردة في تحريم السماع؟ و هل للملومانيين (عشاق الموسيقى) من رخصة في الاستماع إلى الغناء؟ إلى غير ذلك من الأسئلة المهمة و التساؤلات. و معلوم أنها قضية أثارت كثيرا من الجدل و النقاش عبر الأزمنة و العصور فمن قائل بالتحريم مطلقا دون تفصيل و من قائل بالإباحة مطلقا دون تفصيل. و ها أنا أقدم إليهم نقولا و تحقيقات في الباب، معتمدا بشكل أساسي على ما نقله عدد من كبار الأئمة من أمثال ابن حزم وابن العربي والغزالي و الفاكهاني و الشوكاني والقرضاوي...

 

و ما كنت لأعتمد آراءهم و أقوالهم حاشى و كلا، فأقوال العلماء يحتج لها و لا يحتج بها يستدل لها و لا يستدل بها في الدين،

فالدليل إنما هو نص قطعي الدلالة والثبوت أو إجماع متيقن. و أعود لأكرر إنها (نقول) و أهل العلم يدركون معنى و أبعاد كلمة نقول. أو بمعنى آخر أني لم آت بشيء من عندي جديد، و كيف يكون ذلك و نحن من أهل الأثر؟ فأقول و بالله التوفيق: إن العلماء قد اتفقوا على تحريم كل غناء يشتمل على فحش و فسق أو تحريض على معصية. ك

ما اتفقوا على إباحة ما خلا من ذلك مثل الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في المناسبات السارة، كالعرس وقدوم الغائب وأيام الأعياد وغيرها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها. و لكن العلماء قد اختلفوا فيما عدا ذلك اختلافا بينا. و لأن العبرة بالدليل فتعالوا بنا ننظر بداية في أدلة المحرمين للغناء. استدل المحرمون للغناء بما روي عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين من أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالى من سورة لقمان: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ) الآية 6

وفسروا (لهو الحديث) بالغناء. و بقوله تعالى من سورة الإسراء (و استفزز من استطعت منهم بصوتك) الآية 64و بقوله تعالى من سورة النجم (و أنتم سامدون) الآية 61

قال الإمام ابن حزم في المحلى ولا حجة في هذا لوجوه: أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين. والثالث: أن نص الآية من سورة لقمان يبطل احتجاجهم لأن الآية فيها (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا) وهذه صفة من فعلها كان كافرا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوا. ولو أن امرؤا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرا! فهذا هو الذي ذم الله تعالى وما ذم قط عز وجل من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويروح نفسه وكذلك من اشتغل عامدا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن أو بحديث يتحدث به، أو ينظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك فهو فاسق عاص لله تعالى ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن.

 

و استدلوا بقول تعالى من القصص (و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) الآية 55 و لا حجة فيه لأن ظاهر الآية أن اللغو سفه القول من السب و الشتم و كلمة اللغو تعني ما لا فائدة فيه. و قد روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتى به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات؛ بأنه شبيه باللغو، قال تعالى: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) قال الإمام الغزالي: ( إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم؛ والمخالفة فيه ؛ مع أنه لا فائدة فيه ؛ لا يؤاخذ به ؛ فكيف يواخذ بالشعر والرقص؟ )

 

و يقول ابن حزم في المحلى ردا على الذين يمنعون الغناء: (احتجوا فقالوا : من الحق الغناء أم من غير الحق؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث ؛ وقد قال الله تعالى ( فماذا بعد الحق إلا الضلال) فجوابنا وبالله التوفيق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله فهو فاسق وكذلك كل شيء غير الغناء؛ ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل؛ وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه؛ كخروج الإنسان إلى بستانه وقعوده عند باب داره متفرجا؛ وصبغه ثوبه لا زورديا أو أخضر أو غير ذلك ) واستدلوا بحديث: ( كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه )

 

و هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة؛ وفيه اضطراب فهو ضعيف لا حجة فيه. ثم إن قوله (فهو باطل) يقول الشيخ يوسف القرضاوي: لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة، فقد ورد عن أبي الدرداء قوله: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق . و استدلوا بما أخرجه الإمام أحمد و الترمذي عن أبي أمامة يرفعه (لا تبيعوا القينات و لا تشتروهن و لا تعلموهن و ثمنهن حرام) و زاد الثعلبي و الواحدي و الطبراني (و ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب و الآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت). و لا صحة لهذا الحديث فجميع طرقه واهية. و استدلوا بما عند البزار و الطيالسيي مرفوعا (صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما صوت مزمار و رنة شيطان عند نغمة و مرح و رنة عند مصيبة لطم خدود و شق جيوب) و هذا حديث غير صحيح فلا يصلح للاحتجاج. و استدلوا بما عند الترمذي مرفوعا(إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء...) و ذكر القينات و المعازف. و هو حديث لا صحة له.

 

و من أدلتهم ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق مرفوعا (من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنه الآنك – الرصاص المذاب – يوم القيامة) و هو حديث باطل موضوع. و من أدلتهم حديث مكحول عن عائشة مرفوعا(من مات و عنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه). و هو حديث غير صحيح إذ لا رواية لمكحول عن عائشة رضي الله عنها. واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري ـ معلقا ـ عن أبي مالك أوأبي عامر الأشعري ـ شك من الراوي ـ عن النبي عليه الصلاة و السلام قال: ( ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر ، والحرير والخمر والمعازف ) وهذا الحديث وإن كان في صحيح البخاري إلا أنه من (المعلقات) لا من (المسندات المتصلة) ولذلك رده ابن حزم و غيره لانقطاع سنده. ومع التعليق فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور على هشام ابن عمار وقد ضعفه الكثيرون كما في الميزان و تهذيب التهذيب. فهو حديث – يقول المخالف – منقطع ما بين البخاري و هشام، ثم في إسناده صدقة بن خالد و قد حكا ابن الجنيد عن يحيى ابن معين أنه ليس بشيء، و روى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم. فالحديث مضطرب سندا و متنا: أما الإسناد فللتردد في اسم الصحابي كما تقدم، و من جهة المتن فإن في بعض |ألفاظ الحديث (يستحلون) و في بعضها بدونه. و في بعض روايات الحديث (الخز) بدل (الحر) ثم إن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود. ثم يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي تلك المقترنة بشرب الخمر. وهو غير صريح في إفادة حرمة ( المعازف) فكلمة (يستحلون ) ـ كما ذكر ابن العربي ـ لها معنيان: أحدهما: يعتقدون أن ذلك حلال ؛ والثاني أن يكون مجازا على الاسترسال في استعمال تلك الأمور إذ لو كان المقصود بالاستحلال المعنى الحقيقي؛ لكان كفرا . و قد روى هذا الحديث ابن حبان في صحيحه و كذلك ابن ماجه عن أبي مالك الأشعري بلفظ: ( ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير ) واستدلوا بحديث: ( إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها ) وهو حديث ضعيف لا حجة فيه. واستدلوا بما روى نافع (أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول: يا نافع أتسمع ؟ فأقول: نعم فيمضي حتى قلت: لا. فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا ) و قد أخرج الحديث الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه،

 

و هو كما قال عنه أبو داود حديث منكر. ولو صح - يقول الشيخ القرضاوي - لكان حجة على المحرمين لا لهم،إذ لو كان سماع المزمار حراما ما أباح النبي عليه الصلاة والسلام لابن عمر سماعه؛ ولو كان عند ابن عمر حراما ما أباح لنافع سماعه ؛ ولأمر عليه الصلاة و السلام بمنع وتغيير هذا المنكر، فإقرار النبي عليه الصلاة والسلام لابن عمر دليل على أنه حلال، وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباحات من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئا وأن يبيت عنده دينار أو درهم .. الخ. واستدلوا أيضا بما روى أبو داود و البيهقي ( إن الغناء ينبت النفاق في القلب ) ولم يثبت هذا حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام وإنما هو من كلام ابن مسعود، فهو يقول المحققون: رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره. واستدلوا على تحريم غناء المرأة خاصة بما شاع عند بعض الناس من أن (صوت المرأة عورة) و هو كلام باطل. وقد كان النساء يسألن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ملأ من أصحابه وكان الصحابة يذهبون إلى أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهن ويحدثنهن، ولم يقل أحد إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستتر . فإن قالوا: هذا في الحديث العادي لا في الغناء قلنا: روى الشيخان أن النبي سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما، وقال لأبي بكر: دعهما. وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين . و بالجملة فإنه لم يسلم حديث واحد مرفوع إلى رسول الله يصلح دليلا للتحريم، وكل أحاديثهم ضعفها أجلاء الأئمة و المحققون من العلماء. قال القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابه الأحكام: هذه الأحاديث – يعني أحاديث التحريم – لا يصح منها شيء بحال .وكذا قال الغزالي.وابن النحوي في العمدة.وقال ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد.وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل وموضوع.وقال الفاكهاني: لم أعلم في كتاب الله و لا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي (الأغاني)

 

و إنما هي ظواهر و عمومات يستأنس بها لا أدلة قطعية.وقال الشوكاني في نيل الأوطار (و في الباب أحاديث كثيرة و قد وضع جماعة من أهل العلم في ذلك مصنفات و لكنه ضعفها جميعا بعض أهل العلم) وله رسالة قيمة عنوانها يبين عن محتواها (إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع) وقال الشيخ القرضاوي: أدلة التحريم كلها واهية: إما صحيح غير صريح أو صريح غير صحيح. و إذ قد رأيت أدلة المحرمين بإطلاق و بانت لك عللها إليك أدلة القائلين بالإباحة فمنها مثلا: حديث غناء الجاريتين في بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة، وانتهار أبي بكر لهما، وقول أبي بكر( مزمور الشياطين في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.) والمعول عليه هنا هو رد النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه وتعليله: أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة. وقد روى البخاري عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا عائشة، ما كان معهم من لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو ) .وروى ابن ماجه عن ابن عباس قال: ( أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديتم الفتاة؟ قالوا: نعم قال: أرسلتم معهما من يغني ؟ قالت: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم...)و عند الترمذي و ابن حبان و البيهقي من حديث بريدة أن النبي صلوات الله و سلامه عليه رجع من بعض غزواته فجاءت جارية و قالت: إني نذرت إن ردك الله صالحا (سالما) أن أضرب بين يديك بالدف و أتغنى فأذن لها. قال الشوكاني: و قد دلت الأدلة أنه لا نذر في معصية الله, فإذنه لها دليل على الإباحة إذ لو كان معصية لما أذن لها صلوات الله و سلامه عليه. وروى النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال:(دخلت على قرظة ابن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، فإذا جوار يغنين. فقلت: أي صحابي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم؟ فقالا: إجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس) .

 

وروى ابن حزم بسنده عن ابن سيرين: أن رجلا قدم المدينة بجوار فأتى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فغنت، وابن عمر يسمع، فاشتراها جعفر بعد مساومة. قال ابن حزم: فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية وهذا إسناد صحيح لا تلك الأسانيد الملفقة الموضوعة. واستدلوا بقوله تعالى ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين). فقرن اللهو بالتجارة، ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وتركه قائما. واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه وهم القوم يقتدى بهم فيهتدى .و استدلوا بما أخرجه مسلم و غيره من قول النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة حين ظن نفسه قد نافق بمداعبته زوجه وولده وتغير حاله في بيته عن حاله مع رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: ( يا حنظلة، ساعة وساعة)و روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: روحوا القلوب، فإنها إذا أكرهت عميت و تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة.وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لها على الحق. وقد أجاب الإمام الغزالي في كتاب الإحياء عمن قال: إن الغناء لهو ولعب بقوله: هو كذلك، ولكن الدنيا كلها لهو ولعب ... هذه هي أدلة المبيحين للغناء و قد قال بها العديد من الصحابة و التابعين و كبار الأئمة. قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: ذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر، وجماعة الصوفية، إلى الترخيص في الغناء، ولو مع العود واليراع. وحكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع: أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا، ويصوغ الألحان لجواريه، ويسمعها منهن على أوتاره. وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه . وحكى الأستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والشعبي )

 

وقال إمام الحرمين في النهاية، وابن أبي الدنيا: (نقل الأثبات من المؤرخين: أن عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات، وأن ابن عمر دخل عليه وإلى جنبه عود، فقال ما هذا يا صاحب رسول الله ؟فناوله إياه فتأمله ابن عمر فقال: هذا من ميزان شامي ؟ قال ابن الزبير: يوزن به العقول ؟ )وحكى الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص: أنهما سمعا العود عند ابن جعفر.وروى أبو الفرج الأصبهاني أن حسان بن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك, والمزهر و كما هو معلوم عند أهل اللغة هو العود .وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة.ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاووس.ونقله ابن قتيبة وصاحب الإمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين.ونقله أبو يعلى الخليلي في الإرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة.وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورا في بيت المنهال بن عمرو المحدث المشهور .وحكى أبو الفضل بن الطاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود .وحكى الماوردي إباحة العود عن بعض الشافعية.وحكاه أبو الفضل بن الطاهر عن أبي إسحاق الشيرازي.وحكاه الإسنوي في (المهمات) عن الروياني والماوردي.ورواه بن النحوي عن الأستاذ أبي منصور.وحكاه ابن الملقم في العمدة عن ابن طاهر.وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام.وحكاه صاحب الإمتاع عن أبي بكر بن العربي. هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة ـ أي آلات الموسيقى. قال ابن النحوي في العمدة: وقد روي الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمر ـ كما رواه بن عبد البر وغيره وعثمان ـ كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي وعبد الرحمن بن عوف ـ كما رواه بن أبي شيبة ـ وأبو عبيدة بن الجراح ـ كما أخرجه البيهقي ـ وسعد بن أبي وقاص ـ كما أخرجه ابن قتيبة ـ وأبو مسعود الأنصاري ـ كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد الله بن الأرقم وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي ـ وحمزة كما في الصحيح ـ وابن عمر ـ كما أخرجه ابن الطاهر ـ والبراء بن مالك ـ كما أخرجه أبو نعيم ـ وعبد الله بن جعفر ـ كما رواه ابن عبد البر ـ وعبد الله بن الزبير ـ كما نقل أبو الطالب المكي ـ وحسان ـ كما رواه أبو الفرج الأصبهاني ـ وعبد الله بن عمر ـ كما رواه الزبير بن بكار ـ وقرظة بن كعب ـ كما رواه ابن قتيبة ـ وخوات بن جبير ـ كما أخرجه صاحب الأغاني ـ والمغيرة بن شعبة ـ كما حكاه أبو طالب المكي ـ وعمرو بن العاص ـ كما حكاه الماوردي ـ وعائشة والربيع ـ كما في صحيح البخاري وغيره. وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر وابن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري . وأما تابعوهم فخلق لا يحصى منهم ابن عيينة وجمهور الشافعية. انتهى كلام ابن النحوي وهو أيضا عند الشوكاني في نيل الأوطار والشيخ يوسف القرضاوي في فتاوى معاصرة. قال محمد الأمين الشاه: هذا ما انتهينا إليه في هذا البحث، و نعود فنذكر بما كنا قدمنا في البداية و نقول: إن الاستماع إلى الغناء ليس واجبا و لا مندوبا! و ليس كل غناء مباحا، فلابد أن يكون موضوعه متفقا مع أدب الإسلام وأخلاق الإسلام وتعاليمه و قيمه النبيلة. ثم إن طريقة الأداء لها اعتبارها، فتعمد الإثارة و التغنج، والإغراء و كما يقول الشيخ القرضاوي: ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلى دائرة الحرمة، لأن الوسيلة تأخذ حكم المقصد. و عليه، فإنه إذا اقترن الغناء بشيء محرم، أو أدى إليه كشرب الخمر أو تعاطي المخدرات أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، أو إحياء النعرات القبلية أو مدح الظلمة والفساق... أو أدى إلى تفويت الواجبات الدينية... اجتث من أصله و ألقي في سلة المحرمات. أما إطلاق التحريم تعميما بغير دليل، و الأخذ بفروع مذهب معين لحاجة في نفس زيد أو جيبه أو حسابه المصرفي! أو حفاظا على (إقامة) أو تأشيرات عمرو أو مساعدات خالد... فهو شيء نأباه إذ لا تحريم إلا بنص قطعي الدلالة و الثبوت أو إجماع متيقن، فأقوال الفقهاء يستدل لها و لا يستدل بها و يحتج لها و لا يحتج بها، وهذا لعمري من أبجديات العلم و بديهيات الفهم. زد على ذلك خصوصية الغناء في المجتمع الموريتاني تاريخا ووظيفة وتلقينا وأداء، فالوسط الفني عندنا في موريتانيا مختلف تمام الاختلاف، متميز أشد ما يكون التميز، فقياسه و الحالة هذه على بيئات أو مجتمعات أخرى قياس غير صحيح، بل هو قياس باطل و فاسد، فالمغني عندنا قد يكون فقيها أو أديبا نحويا أو شاعرا، و قد يكون ممن يطعم الطعام و يفشي السلام، و هو في جميع الحالات قد نشأ في وسط اجتماعي محافظ، متشبع بالقيم الفاضلة من كرم و صدق و التزام فلا قياس إذا مع وجود الفارق. كتبه في نواكشوط محمد الأمين الشاه بتاريخ 30/06/2017 واتساب 36304623

تصفح أيضا...