الوزراء كائنات عجيبة ؛ فحين يعين ــ أستاذ جامعي او مهندس ري اوحتى مصفف شعر بارع ــ وزيرا تتغير ملامحه في أربع وعشرين ساعة، ويتحول الى شخص وديع وهادئ ومستمع جيد ، ويخيل إليك انه ليس الشخص الذي كان بالأمس القريب؛ يحاضر في مدرج "المعرفة" ، وينتعل حذاء من "الصماره" كل ماحل فصل الصيف على العاصمة في شهر فبراير .
في سنوات الجامعة البطيئة درستني قلة سيكتب لها في ما بعد أن تصبح وزراء، او امناء عامين لوزارات سيادة، ومنهم من لم يطل به المقام في خدمة الشعب فقرر العودة إلى أسئلة الطلاب ،و دفن رأسه في مقررات حفظناها طالبا عن طالب .
أهم ما ميز وزيرنا الأخير ــ الذي نما إلي سمعه خبر تعيينه وهو غارق في شرح نظرية عتيقة حول ضبط التضخم ـــ هو ردة فعله ، إذ رد الدكتور على هاتفه وابتسم فجأة ... كرر كلمتين ثم دخل في نوبة ضحك مكتوم تخللها تقسيم جماعي للنقاط لمحظوظين كانوا يجلسون في الصف الأمامي .
خرج "الأستاذ الوزير" من مدرج المعرفة كطائر نورس ثم اختفى لشهور؛ وحين اقترب موعد الامتحان مر "مرور الوزراء" على الجامعة قبيل المغرب ،وترك ظرفا أبيض كقلب وزير، به ورقة بيضاء كتبت عليها أسئلة صاغها صاحب مزاج يميل الى الاسترخاء .
في العام الموالي خرج الأستاذ الوزير من التشكيلة الحكومية وعاد الي مدرجه الذي عهده ، كان يحول حصصه الصباحية الى استذكار وجداني لدروس البروتوكول التي تعلمها في غيابه عن الجامعة ، وغدت محاضراته عزفا منفردا على إيقاع الحنين ، كانت تباغته لحظات شوق جارف فيسأل البواب عن أخبار "عريقات " و"توني بلير ثم يتدارك حنينه ويتوارى فى الممرات .
شيئا فشيئا أعادته جدية الواقع الى الحقيقة وترك استجداء ماضيه الوزاري أيام التحليق السندبادي و قصص المؤتمرات الدولية التى عاشها العام الماضي وعاد إلي لياقته الأكاديمية المعهودة "