"تكلم تُعرف".. هكذا قدم ولد الغزواني نفسه للموريتانيين كمرشح قوي، قادر على إحداث التغيير المنشود خلال فترة قياسية قصيرة، رغم أنه لم يكن معروفا كسياسي يحاور الناس، ويصبر على أذاهم، وإنما كان قائدا ناجحا في محيطه العسكري، ذلك المحيط الذي يقوم عادة على الطاعة والانضباط، وفق المقولة طبق أولا ثم ناقش ثانيا.
لقد كان خطاب إعلان الترشح، وما تلاه من خطابات ومقابلات صحفية، إيذانا بتأسيس مرحلة جديدة تقوم في شكلها على الابتعاد عن الرسميات البروتوكولية، حيث كان يبدأ خطاباتِه دون مقدمات مديحية، ويجري زياراته ومهرجاناته دون تكاليف مادية باهظة بالمقارنة مع مثيلاتها في الانتخابات السابقة.
إن المتغيرات في نسق خطاب المترشح محمد ولد الغزواني ليست كثيرة، فهي تنحصر غالبا في مكان وزمان الحدث، مما يجعل منها أمراً ثانويا. أما النسق الثابت في خطاباته فهو أمر جوهري يستحق من الدارس التوقف عنده بعناية؛ لأنه يسير وفق منهجية مدروسة، ويتجلى ذلك في مظاهر مختلفة، نذكر منها للتمثيل لا للحصر ما يلي:
- طغى الشكر وتقدير الجهود والعرفان بالجميل على كلماته، سواء في خطاب إعلان الترشح، أو في خطابات المقاطعات أو الخرجات الإعلامية، مما يوحى بتواضعه وتقديره لجهود الآخر، وكأنه يستحضر (لئن شكرتم لأزيدنكم)، ويتأمل "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، وكان الشكر عنده مفتاح الزيادة والنماء.
- شكل الصدق في اللهجة عُنْوانا في جولته، فلم يتعهد بأمور خيالية كعادة المترشحين في مثل هذه المناسبات، وإنما كانت وعوده الانتخابية واقعية، فهو القائل: "أتعهد وللعهد عندي معناه"... فلم يسجل على المرشح تناقض في كلامه في أي محطة من محطات جولته الداخلية أو في أي خرجة من خرجاته الإعلامية، وهو أمر نادر في الحملات فذاكرة أهل السياسة ضعيفة في العادة، مما يوحى بتماسك خطابه وقوته.
- مثّل احترام الآخر عند المرشح تدشين ميثاق شرفٍ في البلد، حيث أوصى باحترام جميع المترشحين والمواطنين بشكل عام، وأكد على السِّلْم والسكينة أملا في ترسيخ الممارسة الديمقراطية. لقد ركز المرشح على شرح برنامجه دون نقد أو تجريح لأي احد أثناء جولته في 36 مقاطعة، فلم يُسْمع عنه تعريضٌ بمترشح، ولا إساءة لأي مواطن، لأنه لا يؤمن بمقولة: "من ليس معي فهو عدوي"، وإنما يؤمن بالحوار الهادئ المنضبط.
- غابت الانتقائية في مقابلاته؛ حيث رحب بالوفود من مهاجرين وأنصار على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والعرقية، واعتبرهم إضافة نوعية لحملته، فكان حقا بذلك مرشح إجماع وطني، معتبرا أن أي سلوك يخالف تلك المنظومة الأخلاقية هو بمثابة اجتهاد فردي، يتحمل صاحبه مسؤوليته .
أكد في مناسبات عديدة على ضرورة العمل على إقامة دولة القانون، القائمة على العدل وتدعيم الحريات السياسية والمدنية في البلد، فدعا إلى حياد الإدارة وشفافية الانتخابات في مناسبات عديدة، مذكرا أنه سيكون أول المستفيدين من ذلك، مما يوحي بثقته بمشروعه وناخبيه.
- أثبت المرشح في جولته ومقابلاته للمواطنين مؤخرا أنه مستمع جيد، يصغى لمحدثه بأدب جم، فهو قليل الكلام لإيمانه العميق بأن خير الكلام "ما قل ودل"، وكأنه يستحضر مقولة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما وجه خطابا قصيرا إلى رعيته قائلا: "إن الأمة بحاجة إلى إمام فعال أكثر منها إلى إمام قوال".
- احترم أهل العلم وقدرهم في كل المناطق التي زارها، حيث زار معلمه في إحدى المحطات التي مر بها؛ ليشير إلى أهمية التعليم في برنامجه الانتخابي، وليرد الجميل إلى من علّمه. هذا إضافة إلى استقباله للكثير من العلماء والقراء في جولته الداخلية وفي مقر حملته.
وصفوة القول أن هناك أموراً شكلت نسقا ثابتا في كل زيارات المرشح وخرجاته الإعلامية، من أبرزها الشكر والعرفان بالجميل، واحترام الآخر وتقدير جهوده، وقلة الكلام والاستماع بدون مقاطعة لمحدثه، والعمل بجدية وانضباط لإقامة دولة المواطنة، التي يرى كل أحد ذاته فيها، بعيدا عن الشعور بالغبن و الإقصاء.
* رئيس مبادرة المهجر لدعم المرشح غزواني - كندا.