الإسلام دين السَّعَةِ والمرونة، يشرعُ الرُّخَصَ عند المشقَّاتِ، ويحافظ على الأنفس حتى ولو على حساب العبادات، تأكيدا لقيمة الحياة وخطورة التفريط في النفس البشرية بأي صفة كانت؛ لذا شرعَ القصرَ في السفر تخفيفا على المسلمين، وأباح الفطر في الصوم، وشرع صلاة الخوف احتياطا وتقنينا لخطة دفاعية حالة الحرب والخوف؛ ذلك ما نتطرق له ليلتنا هذه في إحدى سنابل السنة النبوية من كتاب البخاري، "أبواب صلاة الخوف " وسنبلتنا الليلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مالا يعلمه إلا الله من الخير والعلم والتربية والإرشاد، تفتتح الأبواب بقول الحق جل جلاله : "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا وإذا كنتَ فيهم فأقمتَ لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم...." وهي آية من سورة النساء المدنية بها حكم قصر الصلاة في السفر الذي نزل قبل صلاة الخوف بسنة، يليه حكم صلاة الخوف معللا مبينا مبسطا وفي ذلكم تخفيف من ربكم ورحمة.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه المبين المفصل لصفة صلاة الخوف تبيان لشرح لمعانيها وأحكامها، حيث تبين أن أهل الخوف يصلون "ركبانا ورجالا"، وتكرار الحديث الذي ورد في الافتتاح في باب الحراسة تدل على تأكيد صفة صلاة الخوف، وتبيين أنها بتلك الصفة سنة نبوية لا شية فيه.
أما إذا كان العدو متحصنا بحصون أو على أهبة القتال، فتتغير الصفة كلها بزوال الخطر نفسه؛ كما حدث للصحابة في صلاة الصبح ضحى مع أبي موسى يوم فتحهم لحصن (تستر).
وما قصة الصلاة يوم بني قريظة داخلة في حكم الخوف؛ إذ المسلمون في قوة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم كان واضحا جليا، ولذلك فهمه بعض الصحابة على حقيقته وبعضهم على تأويله، ولم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم منهم أحدا، ولا أنكر عليه ولقد بوبه المؤلف تحت رسم (صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء)
ولما كانت الحرب بالنسبة إلى المسلمين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه تمثل قنطرة يعبر منها إلى الآخرة، كان الاستعداد لها يقتضي الغسل، وكان تعجيل صلاة الصبح للمسافر إليها سنة؛ مثلها مثل التكبير عند لقاء العدو ،تذكيرا بقدرة الخالق وإخلاص العبادة له جل شأنه؛ كل ذلك توضحه أحاديث الأبواب الأخيرة التي بها إرشادات حربية وليست داخلة في تفصيل وبيان "صلاة الخوف"، إذ هي تتحدث عن غزاة خيبر، وكيف ذهب إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.
تبين الأبواب مجملة قيمة الفرد والجماعة في الرؤية الإسلامية، حيث يتجلى في الأحاديث مبدأ الحفاظ على الأنفس، وأخذ الحذر من الهزيمة للوقاية قبل العلاج، ولئلا يستغل العدو انشغال المسلمين بطقوسهم الدينية فيميل عليهم ميلة واحدة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
وصدق الله ورسوله
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك