تابعت كغيري ردود الفعل على الصورة التى تم تناولها على مواقع التواصل الاجتماعي، للرئيس الأسبق معاوية سيد احمد الطائع، و قد كانت في مجملها متباينة من النقد الجارح و المبالغة في ذلك، حتى لا أقول الشماتة أو الحملة المعادية، إلى النقد المنصف، و في جزء إلى حد ما خجول الشكر الذي يصل أحيانا درجة الحنين إلى عهده. بدوري لا أحبذ السكوت حين يكون الكلام صعب، و أمانة للتاريخ و تحملا للمسؤولية، لا أريد أن أغمط الرجل حقه في ملف يهمني، منذ كنت يافعة، و أتابعه أولا بأول، و هو قضية المرأة و حقوقها و مشاركتها في الشأن العام الوطني.
و في هذا المجال، أستطيع أن أقول أنه إذا كان هنالك نصير رسمي للمرأة و قضاياها فهو بحق الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع، فقد جعلها حجر الزاوية في الخطاب الرسمي و في الخطوات الإجرائية المجسدة لذلك التوجه، و دعونا نقف مع ذلك فعلا لا قولا:
لا زلت أذكر تصريحا له في الإذاعة الوطنية يتعلق بالنساء، على هامش زيارة تفقدية لسوق العاصمة،و هو حينها رئيس وزراء في فترة الرئيس هيداله، يذكر فيه صعوبة أوضاعهن و أنهن "عطشانات"، و تنقصهن الخدمات، و هو ما يعني حضور الاهتمام بهن من تلك الفترة.
وحين وصل للسلطة في انقلاب أبيض، تجسدت الإرادة و التوجه للإهتمام بالمرأة منذ السنوات الأولى لحكمه و قد كانت الإنطلاقة مع خطاب النعمة "التاريخي" في 5 مارس 1986، بعد سنة واحدة و شهرين من وصوله للسلطة، و قد شكل ذلك الخطاب الإنطلاقة الفعلية لمجموعة من الإجراءات التطبيقية تكرس ذلك الإهتمام:
- إنشاء وزارة للترقية النسوية و الصناعة التقليدية و السياحة،عينت عليها المرحومة خديجة بنت احمد
- تعيين مديرة مساعدة لديوان رئيس الدولة، لاله مريم بنت مولاي ادريس
- تعيين أمينة عامة لوزارة الصحة و الشؤون الإحتماعية، المرحومة، أندي تبارا افال
- توظيف عشرات النساء في مكاتب الوزارات في إطار العمال غير الدائمين عرفن لفترة ب"نساء معاوية"
- إنشاء قطاع خاص بالنساء في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية للخلاص الوطني، و هي الجهاز السياسي للسلطة و تم تعيين السيدة فاطمة بنت الشيخ سيديا، تلتها عليه مريم بنت احمد عيشه، التي توسع في فترتها ليصبح أمانة تنفيذية تتكون من عدة قطاعات كلها خاصة بالمرأة لتتحول في العهد الديمقراطي، بعد إقرار دستور 20 يوليو 1991، و بعد الانتخابات الرئاسية يناير 1992، إلى كتابة دولة للترقية النسوية، تم تكليف مريم بنت احمد عيشه بها كأول وزيرة في العهد الديمقراطي، تلتها عليها على التوالي كل من السنيه بنت سيدي هيبه، عيشة بنت امحيحم، منتاتة بنت حديد ثم زينب بنت النهاه حتى انقلاب 3 أغشت 2005
- دخلت النساء في عهده و لأول مرة القطاعات العسكرية و شبه العسكرية، و قد كانت حكرا على الرجال، و هنا تكمن نظرته غير النمطية التي تنم عن عمق و بعد نظر لانعتاق المرأة، فدخلت النساء الشرطة في التسعينات و تعزز الحضور مع بداية الألفين في قطاعي الدرك و الحرس.
- و في بداية العهد الديمقراطي، تشكلت أول قيادة مؤقتة للحزب الجمهوري من 15 عضوا من بينها 3 نساء هُن مريم احمد عيشه، ديا با، السنية سيدي هيب. تعزز دور النساء من خلال الخطاب السياسي للحزب و من خلال التمثيل في هيئاته القيادية، المجلس الوطني، المكتب التنفيذي، إلى جانب لجنة وطنية خاصة بالنساء، قادتها خدي بنت شيخنا ولد محمد الأغظف عند إنشائها، تلتها بالترتيب عليها امات بنت اونن ثم سلمى بنت تكدي حتى الانقلاب عليه
- و في خطوة استثنائية، غير نمطية و غير مسبوقة، تم ترشيح سيدة من وسط الحراطين و هي فاطمة الزهراء بنت اسباغو كعمدة لبوصطيله و كنائبة عن مقاطعة تمبدغه، مما شكل هزة قوية للمجتمع التقليدي الأرستقراطي، الذي كان يحتكر تلك المناصب و يعتبرها خاصية ل"علية القوم"، كما دخلت لمينه بنت محمد بويه ولد اممه كنائبة عن مقاطعة لكصر، و قد كانت خلفا للسيد محمد ولد أعمر بعد أن فسح لها المجال بتعيينه وزيرا، ثم دخلت المرحومة عيشة بنت عبد الحي مجلس الشيوخ كشيخة عن مقاطعة بير أم اكرين. و في انتخابات 2001 تعزز حضور النساء نسبيا على مستوى الجمعية الوطنية و خاصة من الحزب الجمهوري و التجمع من اجل الديمقراطية و الوحدة فدخلت كل من امات بنت اونن، مدام كوليبالي و النمه بنت مكيه. و على مستوى المجالس البلدية تعزز الحضور نسبيا كذلك فتم انتخاب فاطمة بنت عبد المالك عمدة لتفرغ زينه (عاصمة العاصمة)، مع مجموعة من النساء و شكلن العمود الفقري للمجلس البلدي لتلك المقاطعة.
- و دخلت في عهده النساء مجال الدبلوماسية فعينت مهله بنت احمد مديرة لأحد القطاعات الهامة في وزارة الخارجية برتبة سفيرة و كذا مستشارات و إن بنسبة محدودة في بعض السفارات في الخارج.
- شكل استحداث كتابة دولة خاصة بالتقنيات الحديثة رابطا للترقية النسوية و ظلت قيادته عند النساء فكانت فاطمة بنت محمد المصطفى ولد محمد السالك أول كاتبة دولة لذلك القطاع ثم خلفتها البطريقه بنت كابر حتى الانقلاب على معاويه.
- ازداد عدد النساء كذلك على مستوى الإدارات المركزيه و كذا المصالح المختلفة في الوزارات.
- في نهاية حكمه كانت حكومته تضم ثلاث وزيرات، خديجة بنت بوبو، زينب بنت النهاه، البطريقه بنت كابر، إلى جانب عدد من المستشارات في رئاسة الجمهورية هُن: الناها بنت مكناس، مريم بنت عبد المالك، با كمبا إلى جانب مديرة مساعدة لديوان رئيس الجمهورية، العالية بنت منكوس، و مديرة مساعدة لتشريفات الدولة خديجة بنت عابدين. و قبل ذلك شغلت كل من السيدتين ديا با و السالكه بنت يمر منصب وزيرة للصحة.
- و في عهد ولد الطائع فتح المجال امام المجتمع المدني و كان فرصة لتعزيز حضور النساء في المجال العام فشكلن منظمات و شبكات و اتحادات في المجالات المختلفة و استفدن من التكوين و من بعض المشاريع و القروض المدرة للدخل و تم تشجيع أنشطتهن من خلال الدعم و الرعاية و من الامثلة التي لا تزال قائمة، شاهدة على ذلك، سوق النساء، الحي السكني أتواه ATOIT...
- و في مجال العناية بالحقوق و القوانين التي تحمي المرأة، تعزز ذلك من خلال الترسانة القانونية بدأ بالدستور الصادر 1991، الذي يكرس المساواة و يضمنها في مادته الأولى، التوقيع على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء 1999، المصادقة على أهداف الألفية سنة 2000 التي تقر وصول النساء لنسبة 33% قبل 2015، قانون إلزامية التعليم 2001، إصدار مدونة الأحوال الشخصية 2001.
- تم رصد جوائز للمتفوقات في شهادة البكالوريا و في سنة التخرج على مستوى التعليم العالي و في كل التخصصات.
هذا جزء من تاريخ الرئيس معاوية مع قضية المرأة، ما كان لنا أن نتنكر له او لا نعطيه حقه من الإعتراف. و أودّ بالمناسبة أن أؤكد للرئيس محمد ولد عبد العزيز أنني على المستوى الشخصي لن أتنكر لما عمل للمرأة الموريتانية و هو بالفعل موجود و سأذكر به، بعد ان يخرج من السلطة، لأنه جزء من تاريخ هذا البلد و كذا غيره ممن اعترف للمرأة بمكانتها و بحقوقها و شجعها كالمرحومين الرئيس المختار ولد داداه و الرئيس اعل ولد محمد فال، و كذا الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله أطال الله عمره في الصحة و العافية.