الساعات الأولى
في يوم 31 دجمبر 2018، حاولت المحكمة الجزائية في ولاية نواكشوط الجنوبية مقاضاة النائب بيرام الداه اعبيد ورفيقه في الأصفاد عبد الله حسين مسعود بحضور جمهور غفير مكون بالأساس من مناضلي ومناصري المنظمة المناهضة للرق. ثلاثون من المحامين المتطوعين، من ضمنهم نقيب هيئة المحامين الموريتانيين، شكلوا لفيف المدافعين عن المعتقليْن.
عند انطلاق الجلسة، سأل بيرام الداه اعبيد رئيس المحكمة: "هل لك علم بأنني نائب في البرلمان الوطني الموريتاني؟". فأجابه النائب: "لا أحد يجهل أنك نائب موقر". فرد بيرام: "إذن، السيد القاضي، ليس من حقكم محاكمتي ما دمت أتمتع بالحصانة". من ثم قدم المحامون، واحدا تلو الآخر، حججهم المتمثلة في أن وجود نائب منتخب، في معمعان مأموريته، داخل قفص الاتهام، قبل رفع حصانته، يعدّ سابقة مشينة. فالمادة 50 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية لا لبس فيها بهذا الخصوص. وبالرغم من الحجج الدامغة التي تقدم بها المحامون، على مدى أربع ساعات، امتثل رئيس المحكمة لأوامر ممثل وزارة العدل الذي أخذ الوقت الكافي لتبرير شرعية إمكانية الاستماع إلى نائب برلماني دون اللجوء إلى انتزاع حصانته قبل ذلك.
الحجج
لقد انسحب النائب بيرام الداه اعبيد ورفيقه في الاعتقال عبد الله حسين مسعود رفقة المحامين للتشاور. عند عودتهم إلى القاعة، أخذ بيرام الكلام، شاكرا الجمهور والمدافعين، وقائلا: "السيد الرئيس، السيد وكيل الجمهورية، السادة المحامون، إنني، أنا بيرام الداه اعبيد، منتخب الشعب الموريتاني تحت ألوان اللائحة الوطنية لحزب الصواب، أعلن أن:
-الدافع وراء اعتقالي، من بين أهداف أخرى، هو تصميم قطب الهيمنة، الحاكم في البلاد، على منعي من القيام بحملتي ومن ثم انتخابي نائبا،
-الجهاز القضائي الموريتاني كان خاضعا تماما لإرادة ونزوات رئيس الدولة محمد ولد عبد العزيز الذي يتلاعب به دون حياء، مستغلا إياه ضد منافسيه السياسيين كما وقع ما رجلي الأعمال محمد بوعماتو ومحمد الدباغ، والمواطن مصطفى الإمام الشافي، والشيخ محمد ولد غده ورفاقه، والصحفيين المستقلين، وأنا شخصيا والحقوقيين الأعضاء في منظمتنا،
-القاضي عبّر، أمام الملإ، عن نيته الواضحة الفاضحة في تجاهل المبدأ العالمي للحصانة البرلمانية في سبيل الخنوع لإكراهات أجندة تصفية الحسابات مع المعارضين،
-مأموريتي الشخصية التي منحني الناخبون تكتسي شرعية خاصة متعلقة بالتصويت لصالح مرشح قابع في زنزانة، غير قادر على التصويت هو نفسه،
-انطلاقا من كل ذلك، أعلن رفضي دستورية وصلاحية هذه المحكمة في فرضي على أن أخضع لاختصاصها،
-وبالتالي فإن أعضاء المحكمة الحاضرين هنا لن يروا، من الآن فصاعدا، إلا ظهري. هذا ما سأقوم به للدفاع عن قداسة خيار الشعب وحصانة زملائي النواب الموجودة في خطر.
المعضل
أخيرا، فإن بيرام الداه اعبيد يطلب من محامي الدفاع والجماهير أن ينسحبوا، فهذا المكان لم يعد فسحة لتطبيق العدالة، لكنه، عكسا لذلك، فرصة لانتهاكها والدوس عليها أكثر.
خلتْ القاعة من الجمهور وانعزل المعتقل في مكتب مجاور. ومن ثم رفع رئيس المحكمة الجلسة وبعث بمنتخبيْن إلى النائب بغية إقناعه بالرجوع إلى القاعة مقابل تنازلات من المحكمة خاصة على مستوى بعض ادعاءات الطرف المدني المزعوم.
رفض النائب صيغ التسوية وطالب برفع حصانته البرلمانية قبل أن يمثل، بكل تواضع، أمام المحكمة الموقرة، بصفته مواطنا عاديا. بعيد ذلك رفض رئيس المحكمة ووكيل الجمهورية هذا الطلب رغم أنه منصوص في الدستور. وعلى وجه السرعة تصادمت المقاربتان:
1: دعا وكيل الجمهورية إلى إحضار النائب بالقوة إلى القاعة، أي استعمال الإكراه البدني في حقه، وإبقائه فيها إلى نهاية المحاكمة.
2: رفض رئيس المحكمة بسبب عمل سابق وقع في أغشت 2015 عندما استدعي بيرام الداه اعبيد للمثول لحضور الاستئناف في محكمة ألاك طاعنا في عدم الاختصاص الإقليمي، وبالتالي رفض مغادرة السجن. فأدانه القضاء بالرغم من غيابه دون أن يرغمه على الحضور...
النظام يتراجع
أمام الانسداد، حدث تحول مفاجئ، لا نعرف من أي بصيرة استوحاه الصويحفي دداه عبد الله الذي سحب شكواه.
عادت المحكمة إلى مونولوجها، وسط قاعة خالية، وأصدرت "حكما" "يدين" بيرام الداه اعبيد وعبد الله حسين مسعود بـ 6 أشهر من السجن بينهما 2 نافذين. في نفس المساء استعاد السجينان حريتها.
ملاحظات:
1: فضلا عن السجن وتشقلبات عدالة خاضعة للأوامر، فمن البديهي أن النظام القائم يهيئ الرأي العام لإمكانية الصدام بين الطرفين الذين يتعلق بهما الرق تاريخيا أي البيظان ولحراطين. فثمة وكلاء يقومون بإخصاب بذور الكراهية من خلال رسائل يبثونها عبر تطبيقات وشبكات التواصل. إن "مسيرة مناهضة العنصرية" التي سينظمها، خلال الأيام القادمة، الاتحاد من أجل الجمهورية والأغلبية الحاكمة، تعطي إشارة بدء الانتقام.
2: يبحث نظام الهيمنة، في مواجهة تراكم واكتظاظ المطالب بالمساواة وحق المواطنة، عن فرصة سانحة للقيام بضربة بارعة تبرر إقامة نظام استثنائي وتأخير التناوب على هرم الدولة. تلك هي الحسابات التي تتوجب هزيمتها وتثبيطها وتدميرها ما دامت هناك إمكانية للحدس الواضح. إن إيرا تدعو الموريتانيين، من كل المشارب، إلى تفكيك الفخ بالتوحد والمطالب السلمية والانفتاح على الآخر من أجل بروز موريتانيا قائمة على القانون، والتحرر، في النهاية، من الانفلات من العقوبة. لا يوجد سلام قابل للبقاء في ظل الظلم، ولا يوجد تحرر في ظل إنكار الواقع.
نواكشوط بتاريخ 5 يناير 2019
اللجنة الإعلامية