لو كان لنا ذراع...!!
قرأت اليوم ردا على رأي كتبته قبل يومين تحت عنوان "انتهت المشكله !! " ولأن الرد من الأجناس التي يستهويني الحديث مع أصحابها، فقد كتبت بعض الأفكار للمساهمة في إيضاح أشياء يدور حولها لغط وشطط هذه الأيام، أشياء يحاول الإعلام الخارجي بإيعاز من جهات خارجية تهويلها وتدويلها، ونحاول في الميدان تصويرها على حقيقتها.
أخي محمدن الرباني من أقرب أفراد جماعة الإخوان إليّ لاعتبارات كثيرة من بينها تمكن الرجل من اللغة العربية وتعلقه بها وارتياده لحياضها وذوده عن حماها ومواجهته لأي مسيء إليها ولو كان تواصليا كأحمدو الوديعة الذي يعتبر أن الفرنسية أقرب إلى مكونة من هذا المجتمع من باقي مكوناته، وأن ترسيم اللغة العربية دون الفرنسية هو قضاءٌ على شرائح أخرى تكونت باللغة الفرنسية، وأنه قرار بالعودة إلى أيام التعريب والدم واللهيب !
لقد وقف الرباني وقفة المؤتمن على هذا اللسان عندما أخذ علينا الوديعة المطالبة بتحرير الألسنة والأقلام من الرّطانة، وأثبت الرباني من خلال ذلك الموقف أنه صاحب رأي وأن علاقته باللغة العربية أقوى من علاقته بأي فكر سياسي أو هكذا خُيّل إليّ في خضم ذلك الحراك الفكري الذي سببه انزعاج الوديعة من الشعار الذي اخترناه واستنطق أقلام بعض قادة التيار الإسلامي في البلاد، من بينهم جميل منصور وغيره واستدعى السجال تدخل بعض القوميين الآخرين...
نحن في المركز الموريتاني للغة العربية لم نتلق أي دعم من الحكومة إلاّ ما يقدمه القطاع الوصي للجمعيات المهتمة بالثقافة، ونحن في المركز نؤجر شقة متواضعة نوزع تكاليف تأجيرها على بعض أعضاء المركز، ونحن في المركز ليست لنا علاقات مع أي جهة سياسية ولا نتلقى الدعم من أي جهة خارجية، ونحن في المركز لا نَدْرسُ فكرا ولا علما ولا نُدرّسهما لأي أحد، ونحن في المركز لا نقدم أجورا، ونحن في المركز أصحاب توجهات سياسية متباينة فمنا الموالون ومنا المعارضون ومنا من اختاروا النأي عن السياسة، لأن هدفنا واحد هو الدعوة إلى التمكين للغة العربية، أما إخوتنا في مركز تكوين العلماء فإنهم من توجه واحد، لا مكان بينهم يسع الموالين للرئيس وحكومته، ولا رغبة لهم في أستاذ لا يؤمن بفكرهم ولا يرتاد مجالسهم، مهما كانت قدراته ومستواه العلمي...
صحيح - أخي محمدن - أنك نلت تكريما مستحقا من المركز، لأنك كتبتَ نشيدا رائعا ما زال وقع كلماته يدق في أذني، حصل ذلك النشيد بقرار من لجنة التقييم على المرتبة الأولى، وصحيح أيضا أنك كنت صاحب رأي تُستشار في أمور المركز، وتساهم ماديا ضمن قائمة من حماة لغة القرآن يجمعهم هم واحد هو حماية هذا اللسان العربي المبين في النشاطات التي يقوم بها المركز، وبالعودة إلى نماذج من التكريمات التي قام بها المركز فإني أذكرُ أسماءً لمكرمين معارضين من بينهم محمدن ولد باباه ومحمد ولد أخليل والشيخ ولد سيدي عبد الله وأعيان آخرين عُرفوا بدفاعهم عن اللغة العربية وسجلوا مواقف تستحق الإشادة والتقدير فنالوا تكريمهم من المركز بغض النظر عن ميولاتهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية.
أما ما أشرتم إليه من ضلوع الحكومة في الموضوع ووصفها بما وصفها به أخ آخر بأنها حكومة تأزيم، فهي إشارة؛ أحد أطرافها صادق تماما بل إنه في غاية الموضوعة، لأن إغلاق الحكومة للمؤسستين مسألة لا يختلف حولها اثنان، ولا رادّ لها من دون حكم قضائي يبرئ المؤسستين من التهم الموجة إليهما، أما الطرف الآخر المتعلق بالتّأزيم فهو رأي الأخ -أبو المعالي- الذي بدأ الرباني يستسيغه( يريانه كذلك ونراه عكس ذلك على طريقة سعد زغلول).
أعتقد أن أي محاولة تفريج المشكلة بإذاعة اعتذار الشيخ محمد الحسن ولد الددو وإفشاء كلامه، وإشاعة تسوية المشكلة وأشياء من هذا القبيل هي محاولة لتمييع القرار وتشخيصه كما لو كان قرارا ضد فضيلة الشيخ، وأن المشكلة انتهت بعد اعتذاره، كما يهدف أصحاب هذا التوجه إلى شق صفوف أقطاب الجبهة الإعلامية في الطرف الآخر الذين بدأوا يُطوّقون المشهد ويرسمون الرواية بأسلوب مجهري كاشف، وهذا تحديدا ما تحاول الآلة الإعلامية الإخوانية أن تحققه في إطار خطة التدرج والاستدراج التي تبناها حسن البنا وسار على نهجه أتباع فكره ومنهجه من بعد !
الأمر لا علاقة له بمحمد الحسن ولد الددو والشيخ نفسه بيّن من خلال تسجيل صوتي ألاّ علاقة إدارية تربطه بأي من المؤسستين، والناطق الرسمي باسم الحكومة لم يوجه بنت شفة إلى الشيخ، لأن المسألة مسألة هيئات علمية مرخصة، تنص النظم أنه يتم إغلاقها من قبل السلطات التي منحتهم حقّ ممارسة الأنشطة العلمية، إذا تبين وجود مخالفة من بين المخالفات التي تقتضي الإغلاق، وكل الدعايات الأخرى هي محاولات يائسة لوضع متاريس أمام تقنين العمل وممارسة الإشراف والمتابعة على الهيئات العاملة في ميادين التربية والتعليم.
لقد أثبت النزال الإعلامي الذي قاده الإخوان في الأيام الماضية أن القضية ذات صلة بجهة سياسية معينة تعتبر المسألة موجهة إليها، وأنها تدخل في إطار التصفيات السياسية التي يزعمون اتخاذها ضد حزب معينٍ، وهذا تحديدا ما يشي بعلاقة بين الحزب والفكر والمركز والجامعة، ويؤكد فرضية الأذرع التي يتهرب منها بعض المدافعين عن الإخوان.
محمد ولد سيدي عبد الله