و م أ / خصصت الجمعية الوطنية جلستها العلنية التي عقدتها اليوم الأربعاء، برئاسة النائب الأول لرئيس الجمعية السيد محمد يحيى ولد خرشي، للاستماع إلى ردود وزير الاقتصاد والمالية، السيد المختار ولد أجاي، على السؤال الشفهي الموجه إليه من طرف النائب المعلومة بنت بلال، والمتعلق بعمليات البيع والشراء في قطاع العقارات التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة.
وأبرزت النائب في سؤالها الدور المتميز للعقارات سواء من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية، مما جعلها أكثر ملاذات الادخار أمانا وأوسع الرهون انتشارا وأكبر مجالات التبادل نشاطا ومن أهم وجهات الاستثمار قصدا ومصداقية، مشيرة إلى أن هذه الوضعية جعلت لهذا القطاع عائدات لا يستهان بها على الفرد والخزينة العامة للدولة.
وأشارت النائب في سؤالها إلى "ظهور شخص مؤخرا استقطب معظم تداولات هذا القطاع عن طريق وسطاء ينتشرون في أنحاء الوطن يبيعون ويشترون بدون توثيق ولا ضمانات". مضيفة بأن "كل ذلك يتم في ظل تغاض من السلطات العمومية وتصامم عن النداءات المتكررة للجم هذه الظاهرة".
و قالت إن هذه الظاهرة شكلت "تهديدا للسلم الاجتماعي وتعريضا لممتلكات المواطن للضياع وعبثا بسوق العقارات وتفويتا لفرص الخزينة العامة في استيفاء حقوقها".
وتساءلت إن كان للحكومة تصور لحل المشاكل المترتبة على هذه المعاملات، مطالبة الوزير بتقديم ذلك التصور للرأي العام الوطني.
وذكر وزير الاقتصاد والمالية، في بداية رده على السؤال بوضعية قطاع العقارات في بلادنا والتطور الذي شهدته إجراءات تنظيمه، مشيرا إلى أن القضايا العقارية تتنزل اليوم في جميع بلدان العالم في صميم الرهانات الاقتصادية بالنظر إلى الطلب المتزايد على الأراضي والتوسع الحضاري وإلى حاجيات المستثمرين في كل القطاعات في المجال العقاري.
وقال إن العقار في بلادنا كما في كل بلدان العالم يمثل إحدى الثروات الرئيسية حيث يشكل توفر الأراضي والنفاذ إليها والأمن العقاري والحكامة العقارية الشفافة رافعات أساسية للنهوض بالتنمية.
وأشار إلى أن تسيير العقارات والأملاك العامة في ما قبل 2009، اتسم بالفوضوية المطلقة، حيث كان المنح العقاري موضع تزوير ممنهج وانتشر المنح المزدوج ولم تراعى طرق منح القطع الأرضية المخصصة أصلا للسكن أي معايير تنظيمية ولا أمنية، مشيرا إلى أن تغيير المخططات العمرانية كان يتم وفق الأهواء كما كان موقع القطع الأرضية يتحدد حسب العمولة المدفوعة مقابل الحصول عليها.
وأوضح أن السند العقاري باعتباره الشرط الأول للتأمين العقاري فقد كاد أن يفقد مهمته الأساسية المتعلقة بحفظ الحقوق العينية، وأصبح وسيلة لتحرير الاقتطاعات المزورة وتملك الساحات العمومية، مشيرا إلى أنه في وضعية كهذه ما كان للفقراء أي حظ للولوج للملكية العقارية وظلوا يتكدسون في أحياء الصفيح في حين يتم منح آلاف القطع الأرضية على مرمى ومسمع من الجميع لمضاربين عقاريين جمعوا ثروات هائلة على حساب المجموعات الوطنية.
وأوضح الوزير أنه ووعيا من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، بضرورة وضع حد لهذه الوضعية كانت زيارته للحي الساكن التي قام بها في الأيام الأولى من توليه للحكم، نقطة فاصلة، حيث تعهد بشكل صارم بحل مشكلة أحياء الصفيح وتنظيم القطاع العقاري، مشيرا إلى أن الخطوة الثانية في هذا الإطار كانت في مارس 2010 عندما اتخذت الحكومة قرارا بمركزة منح القطع الأرضية في مجلس الوزراء ووزارة المالية لوضع حدد للتسيب في المنح الذي عرفه التسيير العقاري خلال الفترات السابقة.
ونبه إلى أن الأملاك الثابتة للدولة التي كان يتم التنازل عنها في الخفاء أصبحت تباع بالمزاد العلني وبإشراف منفذين عدول، حيث وصل ثمن المتر المربع في هذه العمليات الشفافة مبلغ 125 ألف أوقية لصالح الخزينة العامة بعد أن كان لا يتجاوز 600 أوقية فيما سبق، مشيرا إلى أن إيرادات الخزينة العامة الناجمة عن هذه العمليات بلغت المليارات.
وقال إن عمليات إعادة تأهيل الأحياء العشوائية مثلت انفتاحا لعقارات الدولة على مواطنين ظلوا مكدسين في أحياء الصفيح، مشيرا إلى أن قطاع الترحيل والحي الساكن يمثلان نموذجا حيا لولوج الفئات الأكثر هشاشة للملكية العقارية.
وأشار وزير الاقتصاد والمالية إلى أن ما لديه من معلومات عن عمليات بيع وشراء العقارات التي وردت في سؤال النائب، أنها عمليات بيع وشراء بين أشخاص طبيعيين بالغين غير مكرهين، و أنها في ظاهرها على الأقل لا تتعارض مع القانون والنظم المعمول بها، ولم تقدم أي جهة مخولة أو معتمدة ما يفيد مخالفتها للشرع، مذكرا بأن التنازع في عمليات البيع والشراء من صلب صلاحيات القضاء الذي لن يسمح بسلب أملاك أي مواطن دون وجه حق.
وأضاف بان السلطات العمومية و القضائية لم تتلق شكوى بشأن هذه العمليات، ولم تبدي الأطراف انزعاجها من ظروف هذه العمليات، كما أن مهنيي القطاع لم يتقدموا بتظلم رسمي، مشيرا إلى الدولة وعلى هذا الأساس وعلى غرار كل المعاملات التي تحدث يوميا في كل أسواق البلد لا تتدخل في عمليات أبرمت بالتراضي بين أشخاص بالغين ما لم يكن هناك ضرر ويلفت عبر شكايات مؤصلة موضوعة أمام القضاء.
وذكر بأن الملك العقاري موضع هذا النوع من المعاملات يعد رأس مال وبالتالي غير خاضع للضريبة وفق القانون الموريتاني خلافا للمداخيل المتأتية من استغلاله التي تخضع للضرائب والاستاوات، منبها إلى إن الحقوق الوحيدة المستحقة للدولة في هذه الحالة هي حقوق التسجيل وهي زهيدة عموما.
وقال إن من مصلحة الأطراف المتعاقدة تسجيل عقود البيع لإعطائها القوة القانونية وما لم يتم هذا التسجيل فالقوة القانونية ستكون غائبة، مشيرا إلى إن الفكرة المؤسسة لإجراءات تسجيل العقود هي تأمين المعاملات عبر تفادي النزاعات العقارية.
وأكد وزير الاقتصاد والمالية، أن الحكومة اتخذت كل الإجراءات التنظيمية والقانونية لقطاع العقارات على أساس يسمح بضمان الحقوق واستفادة الضعيف قبل القوي وتعظيم العائد للخزينة العامة.
وأضاف أنه ولضمان بلوغ الأهداف المنشودة تبقى الحاجة ماسة إلى توعية الرأي العام من أجل احترام الإجراءات القانونية والتعود على السلوك المدني حفاظا على الحق الشخصي أولا وحق الغير ثانيا، مشيرا إلى الدور المنوط بالنخب من نواب وقادة رأي وصحافة في هذا الإطار.
وأشاد السادة النواب في مداخلاتهم بالانجازات الكبيرة التي شهدها القطاع العقاري سواء من حيث ولوج المواطنين وخاصة طبقات المجتمع الهشة إليه أو من حيث الإجراءات التي تم القيام بها لتنظيمه.
وأكدوا على ضرورة احترام المعايير القانونية في منح القطع الأرضية ذات الطابع التجاري، وأن يكون ذلك وفق منهج سليم وواضح.