تعليق على جزء التراويح "21" / الدكتور إفاه ولد الشيخ ولد مخلوك ـ المدينة المنورة

ثلاثاء, 05/06/2018 - 22:11

التروايح "21"
سورة "لقمان " 
يرتل الإمام حصتنا لليتنا هذه من سور في القرآن المجيد مكيات؛تهتم الأولى بقصة حكمة "لقمان" وبها تسمت؛لتناسب التنزيل الذي قبلها في الوحي وهو "الصافات " وتناسب أكثرالذي قبلها في المصحف "الروم " لتداخل الحديث عن ضرب الأمثال ففي الروم قال تعالى "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن ..." وافتتحت السورة هنا بمايناسب ذلك كثيرا ؛وفي الاستدلال على البعث مشترك بينهما حيث في الأولى"وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده " وفي الثانية "ماخلقكم ولا بعثكم ..." والأمثلة كثيرة متنوعة ...
وتلفت سورة لقمان المفتتحة بحرف الهجاء "الم " في بدايتها للحكمة والزمن الذي كانت فيه أيام داوود عليه السلام " قال تعالى:
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ " لأننا ونحن نستمع لحكم لقمان نسأل من هو لقمان ؟ إنه إسم لأحد الصالحين في غابر الزمن خلد القرآن ذكره؛اتصف بالحكمة ؛كان في زمن نبي الله داوود ؛وكان أهون مملوك على سيده فغدا أكرمهم عنده وأفضلهم فماهي حكمه ؟
جاء وصف السورة للكتاب بأنه حكيم ؛وأنه هدى ورحمة للمحسنين؛ثم وصف المحسنين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة واليقين بالآخرة؛ذاكرا حالة بعض الناس زمن نزول السورة "ومن الناس من يشتري لهو الحديث " وهو النضر بن الحارث أحد رجالات مكة وقف في وجه الدعوة والرسالة كثيرا؛حتى قتل ببدر بعد المعركة لسوء فعاله وأقواله قبلها ...
ثم جاء جزاء أهل الإيمان"لهم جنات النعيم"
وبعدها جاء ذكر السورة لخلق الله الذي لا شبيه له ولا أحد يقدر عليه
 "خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى ..."
"ولقد آتينا لقمان الحكمة " ومنها يكون شكر الله على مننه وفضائله شكرا للنفس ومصلحة للشاكر نفسه لأن الله غني حميد ؛ومنها يؤخذ القرب من الأبناء ومجالستهم والحديث معهم نصحا وتوجيها
 "وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه " كما تدل لفظة "يعظه" إلى أنه أحيانا يقول له بدون وعظ والله أعلم ...
وأرى في لفظ يعظه تفسيرا آخر فقوله يعظه يوحي بما في القول من جد كما يوحي بقدرته  على التأثير ؛ولذلك آثر لقمان أسلوب الوعظ في خطاب ابنه...
والوعظ أساسه ورأسه "عدم الشرك بالله " ليكون الحديث عن البرور مناسبا لذكر الولد للقمان وتحديد زمن الفصال ب(عامين) أمور تحض على برور الوالدين في كل حالة إلا"في حالة الشرك بالله " فلا تطعهما" لكن " وصاحبهما في الدنيا معروفا " معروفا بالقول والفعل والنظر والترضية والفعال الحسنة في نفسك يفرحون بها ويستبشرون؛ ونحو ذلك ....
ليعلم لقمان ابنه علم الله وقدرته "إنها إن تك مثقال حبة ..."ليقيم لله عز وجل الصلاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصبر على المصيبة فتلك أمور من عزم الأمور ....
ثم تأتى إرشادات السلوك والحركات والتعاملات البشرية "ولا تصعر خدك للناس ؛ولا تمش في الأرض .." واقصد في مشيك؛ واغضض من صوتك .." ويلحظ من ذكر "صوت الحمير " أن الفطرة السليمة للبشرية تهذب الصوت والحركة والفعلة والجلوس والقيام؛وإلا لكان البشر مثل الدواب !!!
ثم ينقلنا سبحانه إلى بديع صنعه بعبارة "ألم تروا " والرؤية تعرفون أنها نوعان :بصرية وقلبية؛وتشتركان هنا في تسخير مافي السماوات والأرض  ونعم الله ظاهرة وباطنة ؛لتكون "باطنة "  لا نحس بها له الحمد والشكر عليها ...
كما أن اتباع الآباء ومن في منزلتهم من مشايخ ومشاهير على الباطل هو الشنار بعينه والسفه لاشية عليه "قالوا بل نتبع ماوجدنا عليه آباءنا " ...
وتختم السورة بأن كلمات الله لا تنفد ؛ذكرا لجملة من أساسيات الذوق والأدب العام ؛ربطا بأهداف الحياة وخططها العملية والتكتيكية -إن صح التعبير - تكرارا لكلمة "ألم تر " لأن الرؤية أبلغ تعبير وأحسن تنبيه؛وفي ذكر الليل والنهار  والبحر والسفن؛تشجيعاعلى الحركة الدائمة للإنتاج والفائدة "وماتردي نفس ماذا تكسب غدا وماتدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " 

سورة "السجدة " 
هي السورة التي بعد "لقمان " بالمصحف مرتبطة بها كثيرا ؛شرحت مفاتح الغيب وأكلمت عدة مواضع فيها؛ تثبت السورة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ؛وكذلك البعث والنشور "ألف سنة مما تعدون " تصف مراحل نشأة وتطور الإنسان ؛تفصل وتعظ وتخوف وتبشر؛ ذاكرة أحوال المؤمنين ؛مشنعة مصير المجرمين وذلتهم وطلبهم الرجوع للدنيا...
تبين "قل يتوفاكم ملك الموت " لخصلة حميدة هي الإيمان بمايترتب على ذلك ؛وأيضا تعطي درسا في الاستعداد الدائم للمصير الحتمي والرجوع  إلى رب الكون جل جلاله.
"تتجافى جنوبهم " ترشد للطموح والهمة العالية؛وسعي الإنسان لمصلحته خفية وجهرا ..وكذلك ترشد الآية "أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز" إلى الزراعة لتأكل منها الدواب وينتفع الملاك والله تعالى أعلم .
وتلك تعاليم قيمة وتنبيهات كريمة من انتفع بها  نجح وفاز ومن أعرض "فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون "
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك 

تصفح أيضا...