(موريتانيا الآمنة ):
الفرق بين النخب الأصيلة وتلك " المهترئة " ليس فقط في القدرة على التصور والاستشراف بل وفي وضع التصورات موضع التطبيق والاستعداد لتحمل ما يترتب عليها من نتائج وما قد يصاحبها من تداعيات ، فالنخبة الأصيلة تستطيع -كلما تطلبت اللحظة التاريخية ذلك - تقديم التضحيات فتسمو على جراحاتها وتتكتم على مراراتها لأن واجب الاستجابة لنداء الوطن والتاريخ يستدعي ذلك بل ويفرضه أحيانا ، وكلما استطاعت نخب ما قياس الذاتي بالموضوعي والخاص بالعام ، والمنفعي بالقيمي كلما استحقت بجدارة حيازة لقبها فأنتجت فعلا مؤثرا وباقيا في ذاكرة الأجيال ، ولا يقاس الفعل المؤثر بنتائجه المرئية للعموم فقط ، بل بتلك التي يدركها أهل الرأي والبصيرة ممن يزنون الأفعال بالعقل لا بالعاطفة فيكتشفون أبعاد مدياتها الرحبة وانعطافاتها الممكنة ، وبقدرما يتضمن الفعل من مغالبة التيار ومناهضة المألوف والعادي في الحياة السهلة لأصحاب الذاكرة الرخوة بقدرما يترجم قيم الثورية والانحياز إلى صف الضعفاء والمهمشين الذين لا يجدون في حياتهم أخطر من المألوف وإن كانوا دائما أول السائرين في ركاب دعاته ، لا لشيء إلا لأن الحياة هكذا كما يتوهمون ....
لقد حاربت كل رسالات السماء المألوف وجابهت السهل واستحسنت للصادقين السير منفردين بصدقهم حتى لا يركنوا للمألوف فيضيع الحق وتختلط أوراق أصحابه ، سواء أكان المألوف اختلاقا أو فهما وتفسيرأ ، فلا يستحسن السهل إلا ذوو الهمم الضعيفة ، ذلك ما ينبغي أن يتذكره "الجيل العربي الجديد" في هذا الركن القصي وقد اختارته الظروف لتحمل رسالة نبيلة هي رسالة موريتانيا الآمنة في لحظة حاسمة من التاريخ تداخلت فيها الخنادق وصدع بالرأي أدعياؤه ، فامتلكوا وسائل تزيين الباطل وتزييف الحق : لا شيء أثمن في نظرنا من أن يشهد التاريخ بأننا في لحظة فارقة اخترنا الانحياز لوحدة شعبنا بكل مكوناته وشرائحه ورفضنا منطق النمطية والأحكام المسبقة الجاهزة ، وباشرنا بكل جرأة وتروي في وضع لبنة أولى لموريتانيا موحدة وآمنة ، ولا شيء أثمن في نظرنا ، مما سيتداوله رفاق المستقبل من ماضي أسلافهم ، من كوننا قد أزلنا بصدق المواقف ونفاذ البصيرة ما أحاط رؤيتنا وفكرنا من أدران تهم العنصرية الباطلة التي روج لها من يتململون اليوم ناقمين لكوننا نجحنا في إزالة واجهة سياج أريد لنا أن نقبع فيه أمد الدهر ، سياج حصر قيم فكرنا الإنسانية الرحبة في أيدي فيئة من الموريدين الذين ينسون غالبا أوقات الأذكار أو يأتونها خائفين ....
غدا نعلن من دار الشباب القديمة الوجه الجديد لموريتانيا الآمنة كما آمنا بها دائما ، وكما سعينا إليها وتحملنا في سبيلها ، منذ سبعينيات القرن المنصرم ، أذى القريب قبل البعيد ، وهو الأذى الذي نستعد في كل مرة لتحمله كلما كان الوطن في فوهة الإعصار .
30/05/2/ 3018