توضيح من النائب محمد غلام حول ما كتب عن البنك المركزي

سبت, 26/05/2018 - 13:38

" موضوع عام .. متاح للجميع " / وردتني من بعض الأحبّة انطباعاتٌ مشفقة عليّ ممّا اعتبرته "إشادة" ببعض ما رأيت  في البنك المركزي، أو رفع الجمركة عن الأعلاف، وهنا يسرّني أن أعرب لإخوتي عن بالغ السرور بحرصهم على النصح والتقويم لما يرونه خطأ وقعت فيه أو تجاوزا لا يليق، فلهم الشكر مني والمثوبة من الله.
ثمّ أقول إن التنويه ببعض المظاهر الإيجابية في بعض المؤسّسات العامّة لا يعني الرضى بالفساد والإفساد الواقع في مؤسسات كثيرة أخرى بل في تلك المؤسّسات نفسها إن كان، ولكنّه تشجيع وإنصاف مرغوب بمنطق العقل والعادة، ومأمور به بلسان الشرع.
وبما أننا هذه الأيامَ نعيش شهر القرآن فبودّي أن أذكّر الإخوة الكرام بآية من كتاب الله حاكمة علينا جميعا، هي قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} المائدة: 8

ولا بأس أن نتدارس بعض معانيها العظيمة وتوجيهاتها الحكيمة.
 وقد علّق أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن عليها، فقال: "والمعنى : أتممت عليكم نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي : لأجل ثواب الله ; فقوموا بحقه ، واشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم ، وحيف على أعدائكم، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق، وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدوّ على عدوه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه؛ لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه ، ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه [...] وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ; فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم" (الجامع لأحكام القرآن: 6/ 110).
كما علّق الزمخشري بقوله: "نهاهم أوّلا أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثمّ استأنف فصرّح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل، وهو قوله: {أقرب للتقوى} قال: وفيه تنبيه عظيم على أن وجودَ العدل مع الكفّار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوّة فما الظن بوجوبه مع المؤمنين"   (الكشاف: 1/613).
وبعد هذين العلَمين يأتي صاحب المنار فيقول: "ولا يحملنّكم بغض قوم وعداوتهم لكم.. على عدم العدل في أمرهم بالشهادة لهم بحقّهم إذا كانوا أصحاب الحقّ [...] فلا عذر لمؤمن في ترك العدل، وعدم إيثاره على الجور والمحاباة بل عليه جعله فوق الأهواء وحظوظ النفس وفوق المحبّة والعداوة مهما كان سببهما"(تفسير المنار: 6/ 227).
وقد تنبّه الشهيد سيّد قطب رحمه الله إلى أنّ هذه الوصايا القرآنيّة كانت في حياة الأمّة منهجا يُؤَدّى ببساطة، ويُتَمثّل مألوفا، "فما من عقيدة أو نظام في الأرض يكفلُ العدلَ المطلقَ للأعداء كما يكفلُه لهم هذا الدين حين ينادي المؤمنين به أن يقوموا لله في هذا الأمر، وأن يتعاملوا معه متجرّدين عن كلّ اعتبار".
ويلمح سيّد -طيّب الله تربته- إلى أنّ المنهجَ القرآنيّ التربويَّ لم يكتف بالنهي عن الاعتداء بل تجاوزه إلى إقامة العدل والقسط مع المشنوئين، "والقرآن يُقدّر ما في هذا المرتقى من صعوبة فيقدِّم له بما يعينُ عليه: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط.. الآية}" (الظلال).
محمد غلام الحاج الشيخ

تصفح أيضا...