التراويح "7"
نادى المنادي أن حي على القيام بصوت خاشع تلاه الإمام يرتل من كتاب الله "سورة الأنعام" والقلوب وجلة إلى ربها طامعة ومنه خائفة تتدبر وتتمعن كلام خالقها جل شأنه وتقدست أسماؤه؛غير أن كاتب الأسطر انتابه شعور بماض يتذكره عن السورة؛وحاضر يعيش أدق تفاصيله؛ كلما تقدمت الآيات وخشعت الأصوات للرحمن يزدادالشعور تحركا وهيمنة في اللاشعور من غير قصد فسبحان الذي يحيي ويميت وإليه ترجعون ....
الأمر الأول : الماضي؛هو أنى فتحت في طفولتي "كتابا" تميمة " بها فاتحة السورة كتبها أحدهم لمريض؛وحين سألته حينها قال إنها تشفي من كل داء؛وظلت الإجابة تدور في ذهنى حتى اللحظة؛كيف ابتعد الناس من كلام الله حتى جعلوه تمائم للإستشفاء والتبرك فقط ؟ وهو وأيم الله للشفاء وللحياة والمماة وسبلهما الكريمة...
الأمر الثاني : حالة المسلمين اليوم من ضعف وهوان على الأمم وتشابهها مع الأجواء المحيطة بنزول السورة "حيث العهد المكى وحصار الشعب والهجرة للحبشة وأنواع التعذيب والمضايقات المتلونة -حمرمختلف ألوانها وغرابيب سود - لتكون السورة مغايرة عن سابقاتها المدنيات بشكل ملحوظ وبين جلي؛من حيث زمن النزول وماقبلها من القرآن "الحجرات "ومابعدها "الصافات"وماهو في فترتها الزمنية "يونس ؛هود؛يوسف ؛ابراهيم " حيث نزلن كلهن في زمن "الكربة" أو "المقاومة " أو مناهضة الإستعمار " أو التحرر" مسميات عدة لحقبة حرجة بمكة المكرمة إبان تطور الدعوة وتبلور صدقها ومصداقيتها وإنها لكذلك ....
جاءت مغايرة لمابيناه في السور قبلها من الأحكام التنظيمية ومجادلة أهل الكتاب وقصص الأنبياء "سوى النزر القليل عن آزر (والد ابراهيم )" مبينة ومفصلة جل الأمور العقدية والإيمانية؛تخاطب العقول ترسخ فيها الرسالة التى يحملها الرسول "ص" والألوهية التى بعث لتلبيانها قبل كل شيئ وهي أساس الأساس؛لتقر السورة البعث والحساب وهو أمر في غاية الأهمية كسابقيه للحقبة الزمنية المذكورة ....
هكذا كانت سورة"الأنعام "تقرر أهم وآكد التصورات عند المسلم؛وتجيب على الإشكالات العالقة في الذهن عند الجدد على المشروع الإسلامي الوليد ؛طمأنة على نجاحه وعلو شأنه ؛دحضا لمزاعم قريش من إضمحلاله وبهوته؛تبيانا لفاسد سلوكهم ومعتقدهم التافه الرذيل سخرية منهم وتكذيبا لمسلماتهم؛وكأني بها وسيلة إعلاميةتلك الساعة تصوب سهامها للعدو فتهزمه اعلاميا وتلزمه الحجة ....
إن سورة الأنعام لترشد لنعم الإسلام والتوحيد الذي دعت إليه أول أمرها حيث أنها أول سورة افتتحت بالحمد "الحمد لله " لتأوي في بسطها للمواضيع التى تكلمت عنها بالحجج الدامغة والبراهين الساطعة تعليما للتعلق بالله ؛ولا نجد في الإسم التي تسمت به إلا خدمة لموضوعها ونهجها وحقبتها الزمنية "الأنعام " فقد ذكر الإسم ثلاث مرات في السورة كلها تبيانا للنوع وتحديدا له ..
كما يلحظ والأمر بمثيله يذكر ورود ضمير "هو " قرابة من الأربعين مرة مثال ذلك :وهو القاهر ؛وهو الذي يتوفاكم ....إلى آخره...وكأن الأمر مشاهد مصورة تنقل بوضوح وعلى الهواء مباشرة من غير لف ودوران بأسلوب تقريري تقريعي تفصيلي لاتناص له في البلاغة والحكمة نهائيا .
وليس للمتدبر للسورة إلا أن يصغى ويلحظ لتلقين الله رسوله لهذه الحجج الدامغة ترسيخا لها "قل من ينجيكم " قل الله ينجيكم " قل هو القادر " قل إن صلاتي .." والأمثلة تكررت كثيرا في الآيات الكريمات ...
إن تكرار ماتكرر في السور قبلها والذي يلحظ في نهاية السورة من حكمة الإستخلاف في الأرض وبعد الوصايا التى لامناص منها لأي دعوة وتربية وتأسيس إجتماعي لهو دروس وعظية لمراحل العمر والطموح؛والتخطيط.
وماذكر الأنعام الذي سبقت الإشارة إليه إلا يوحى بفن فيه نكات علمية جميلة به تسمت السورة لا لأنها الأنعام بل إن الزمن تطلب تلك التسمية فقريش تجعل عصب حياتها واقتصادها وحروبها وسلمها ومهورها وتفاخرها "الأنعام " فكان ذكرهم ضروري للفت النظر عنها لعبادة رب العباد ؛
وتقنينا لسلوكيات من سيأتى بعد قريش -حتى يأتي أمر الله -من أن يطابق معتقدهم تصرفهم وذاك والذي بعث محمد عين الحكمة والصواب وأنجع السبل لسلامة الدين والدنيا؛ومانزولها ليلا بمكة المكرمة تزفها الملائكة إلا لتكون ضياء ونبراسا لقوم يعقلون .
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك