ألقى الأستاذ الدكتور عبد الله ولد السيد مدير بيت الشعر، محاضرة مساء اليوم في جامعة شنقيط العصرية تناولت بالتحليل والدراسة "مدونة الشعر والشعراء للدكتور محمد المختار ولد اباه" بدأ الدكتور المحاضر عرضه بذكر لقاء جمع بين الدكتور محمد المختار ولد اباه والعلامة محمد الأمين الشنقيطي (آب ولد اخطور) في مدينة النعمة أثناء رحلة الأخير للديار المقدسة، فقرأ النص الذي احتفظت به ذاكرة آب بن اخطور كما أروده "في رحلته" ومفاده أن الأديب محمد المختار بن اباه ذاكره في أيام العرب وأشعارها وملح الأدباء ونوادرهم، وبعد استعراض نص ما جرى بين العالمين الأديبين في النعمة قال المحاضر إن كتاب الشعر والشعراء "موضوع المحاضرة" صدر لأول مرة سنة 1987 أي بعد تسع وثلاثين سنة من الاهتمام الذي بينه العلامة آب ولد اخطور من مدينة النعمة عند قوله يعني المؤلف (وأكثر من سؤالنا عن أيام العرب وأشعارها) وبعد ست عشرة سنة من نقاش أصله عملا جامعيا، ونشر خلاصة تقديمه النظري مقالا في مجلة عملية معروفة، الأمر الذي يعني أن المؤلف الدكتور محمد المختار ولد اباه قد أحاط كتابه هذا بالعناية والتحري اللازمين قبل أن يصدر للقراء، وأضاف المحاضر أن المؤلف كان رائدا في مجالات عديدة؛ ليس البحث العملي في التراث الشنقيطي عموما، والأدب منه خصوصا إلا واحدا منها.
وقد أثار المحاضر الدكتور ابن السيد الحديث في القضايا المرتبطة بكتاب "الشعر والشعراء في موريتانيا" من خلال ثلاث نقاط هي: مؤلف الكتاب، والكتاب، ثم ملاحظات عامة. في النقطة الأولى تناول المحاضر شخصية الدكتور محمد المختار ولد اباه العلمية من خلال نشأته ومؤهلاته ومحيطه العلمي والوظائف السامية التي شغل في السياسة والتربية وإدارة المؤسسات ذات الاهتمامات المختلفة على مستوى الداخل والخارج، مستعرضا الأوسمة العلمية التي حصل عليها في الأردن وفرنسا ومصر، بالإضافة إلى مؤلفاته القيمة في مختلف مجالات الثقافة ثم كتابته لعشرات البحوث والمحاضرات والمقالات في المجلات المتخصصة، وكذلك حصوله على عضوية المجامع اللغوية والمراكز العلمية في القاهرة والخرطوم والمغرب والأردن.
ثم تناول المحاضر في النقطة الثانية " كتاب الشعر والشعراء" وقال إنه صدرت منه طبعتان، الأولى في تونس والثانية صدرت في المغرب وهي تقع في 445 صفحة، متتبعا مفاصل الكتاب بدءً بمقدمات الطبعة الأولى والثانية، ومرورا بالدراسة التي تتعلق ب:(الإسلام والعرب في الصحراء، ومظاهر الثقافة الشعبية، واتجاهات الشعر في موريتانيا...الخ) وانتهاءً بتراجم الشعراء وبالمدونة الشعرية الموزعة على سبعة أغراض، وهذه المدونة -يقول المحاضر- تمثل ثلاثة أرباع الكتاب من حيث الحجم وقد استعرضها في جدول بيّن فيه عدد الشعراء في كل قرن إضافة إلى مجموع القصائد، كما أبرز أيضا اشتمال الكتاب على تراجم لثلاثة وتسعين شاعرا لم يسبق أن ترجم لأغلبهم ولم يصدر لأي منهم ديوان، مضيفا أن التراجم تميزت بالدقة والإيجاز، كما استعرض أيضا في جداول أخرى مجمل الأشعار الواردة في الشعر والشعراء حسب الأغراض والبحور، مؤكدا أن هذه النصوص كانت المتكأ الذي اعتمده الباحثون في قراءة الدواوين المخطوطة حين تستغلق عليهم قراءة كلمة أو جملة طمست بعض معالم خطها فإنهم لا يجدون إلا الشعر والشعراء، فيرجعون إليه لعل النص مضمن فيه.
كما ذكر المحاضر ما أثاره الشعر الموريتاني حول جملة من القضايا كنشأة الشعر الشنقيطي وتدوينه ونقده واتجاهاته موجزا رأي الدكتور محمد المختار ولد اباه حول هذه القضايا، مؤكدا أن المؤلف ظل ينأى بنفسه عن الجدل والنقاش الذي أثارته آراؤه في تلك القضايا من 1971 إلى 2003 تاريخ صدور الطبعة الثانية من الكتاب حيث ضمن هذه الطبعة ردودا مركزة تطرقت إلى إشكالية "النشأة والبداية المكتملة" من زاويتن فصّلهما المحاضر قبل أن يختم محاضراته بالتطرق إلى تصنيف الدكتور محمد المختار ولد اباه للشعر الموريتاني حيث ذكر الاتجاهات الشعرية الثلاثة التي استعرضها المؤلف في كتابه الشعر والشعراء ذاكرا أهم أعلام كل اتجاه ورموزه الأدبية.
وفي الختام ذكر الدكتور عبد الله ولد السيد أن كتاب الشعر والشعر بلا منازع هو منطلق الدراسات الأدبية النقدية والعلمية في هذه الربوع، لأنه أسس للبحث العلمي وأثار ما لم يثره أي كتاب، مضيفا أنه ليس الكتاب الوحيد الذي خصصه الدكتور محمد المختار للشعر والشعراء في موريتانيا؛ فمن ضمن ما كتب :(رحلة مع الشعر العربي) ونماذج من الشعر الشنقيطي القديم، و"متخبات من الشعر الموريتاني المعاصر" وهي كتب تضمنت نصوصا جميلة وتراجم مفيدة، وآراء ثاقبة، لكن كتاب الشعراء والشعراء -يضيف المحاضر- تضمن صورة وآراء سدت فراغا في المكتبة العربية؛ لذلك تلقفه الباحثون فوجههم إلى تراث تكاد تعصف به عاديات الزمان.
وقد علق على المحاضرة الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله والدكتور محمدو ولد اميّ، والدكتور أحمد ولد امبيريك رئيس كرسي البابطين للثقافة العربية في جامعة شنقيط العصرية الذي ينظم هذه المحاضرة ضمن سلسلة محاضرات سلطت الضوء على العديد من المدونات الشعرية العربية.