قال ابن خلدون في مقدمته: "كان مشايخنا يقولون: شرح صحيح البخاري دَيْنٌ على هذه الأُمّة". وهذا تعبير بليغ عن عدم رضاهم عم شروح البخاري مع كثرتها وجلالتها، لكنها لا ترقى عندهم إلى مستوى ما تضمنه ذلك السفر العظيم من علوم ولطائف! 
وقد من الله على الأمة الإسلامية بإمام جليل من تلامذة ابن خلدون، تولى أداء هذا الدين على أكمل وجه وهو الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ للهجرة) مؤلف كتاب (فتح الباري على صحيح البخاري) ديوان السنة العظيم الذي لم يؤلف في الإسلام مثله حنى قال فيه الإمام الشوكاني قولته الشهيرة: "لا هجرة بعد الفتح" !
أقول: كان هناك دين عظيم على الأمة العربية والإسلامية ألا وهو  إعداد "معجم تاريخي للغة العربية" يعنى بالتأريخ لاستخدام الألفاظ العربية وتطور دلالتها في ضوء الموجود من النصوص المكتوبة، على غرار اللغات الغربية التي اهتمت بالموضوع لها معاجم تاريخية منذ قرون.
وقد كانت هناك عدة محاولات من طرف بعض المجامغ اللغوية العربية لإنجاز هذا المشروع لكنها لم تتقدم، ولم تنجح حتى وفق الله سبحانه وتعلى الأمة إلى إنجاز معجمين تاريخيين أحدهما معجم "معجم الدوحة التاريخيّ للغة العربية"  من إنجاز المركز العربي للأبحاث"  والثاني: "معجم الشارقة للغة العربية" وقد أنجزه مجمع اللغة العربية بالقاهرة بإشراف الشيخ القرآني الفاضل الدكتور محمد صافي المستغانمي حفظه الله، بتمويل ومتابعة من صاحب السمو سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وبمشاركة
 اتحاد المجامع العربية في القاهرة (ومن اعضائه مجمع اللسان العربي برئاسة الشيخ الخليل النحوي).
وقد صدرت الأجزاء الأخيرة من  معجم الشارقة العام الماضي، ويبلغ عدد مجلداته 130 مجلدا، ونال بذلك الرقم القياسي باعتباره أكبر معجم لغوي في التاريخ. واكتمل العمل في معجم الدوحة هذه الأيام.. 
والعملان بذل فيهما جهد عظيم، والعربية تستحق عدة معاجم، ومنهجهما مختلف نوعا ما.. فمعجم الشارقة يقتصر على التأريخ للأفعال والأسماء التي تمخضت للإسمية، ويذكر مع الأفعال مشتقاتها ومصادرها، باعتبارها فروعا منها، ويؤرخ للمصطلحات في جميع الفنون، ويتميز بالتوسع في المعاني المجازية والسياقية، ويؤرخ للمسكوكات والأمثال والمتلازمات اللغوية.. كما يرصد استعمال اللفظ في كل عصر (بدءا من الجاهلي فالإسلامي فالعباسي فعصر الدول فالعصر الحديث) ويستشهد بآية وحديث لكل لفظ ورد في الكتاب أو السنة.. كما يتتبع المعرب والدخيل والمولد والمحدث والعامي التراثي وما إلى ذلك. 
ويمتاز معجم الدوحة بالتأريخ  للمشتقات والمصادر وجموع التكسير… 
لكنه لا يهتم كثيرا بالمعاني المجازية والمسكوكات، ويقتصر على اول استعمال للمعنى.. ، وهو سهل للباحث فيمكنه من خلاله الوصول إلى مراده بسهولة،  وبذلك يكون بين المعجمين نوع تكامل وتعاضد..
لقد أصبح بإمكاننا الآن أن نعرف تاريخ استعمال الألفاظ العربية وتطور دلالاتها من المعاني الحسية الى المعاني العقلية المجردةفالمعاني الاصطلاحية الخ... وتطورها كذلك أن نرصد تطور المعني من الحقيقة إلى المجاز وما يتبعه من نقل وحقيقة عرفية.. وصار بإمكاننا معرفة لغة كل عصر، وذلك مما يساعد في التفريق بين الأحاديث الصحيحة وغيرها، ويمكننا من كشف الموضوع على العلماء  الأقدمين مما لا يتطابق مع لغة عصرهم، وهو أمر معروف في مناهج البحث، ومن خلاله تعرف الكتب المنحولة لأشخاص في غير عصر تأليفها..
وقد استدرك كلا المعجمين مئات المعاني والألفاظ على المعاجم العربية، وبعضها جاهلي، وتمكن العاملون فيهما من اكتشاف كثير من التصحيفات التي تتابع عليها أهل المعاجم..
وكان لمدونة الشعر الشنقيطي حضور لافت في مدونة معجم الشارقة؛ لأنه يشتشهد للمعاني في كل عصر، فكان لشعر ابن الطلبة ومولود ومحمد النانة وابن حنبل وابن أحمد دام وأمثالهم فيه حضور كبير، لكثرة استعمالهم للغريب، وتأثرهم بالشعر الجاهلي..
وقد تشرفت والحمد لله  بالعمل في المعجمين، فواكيت معجم الشارقة من بدايته إلى نهايته، كما شاركت قبل ذلك في المرحلة الاولى من معجم الدوحة..
جزى الله خيرا حكام قطر والشارقة على عنايتهم بهذا المشروع العلمي العظيم، وتنافسهم في خدمة اللغة العربية..