المصطفى ولد الشيخ محمد فاضل يكتب : فتح المأموريات الرئاسية… خيار من أجل الاستقرار لا الأشخاص( رأي)

اثنين, 06/10/2025 - 13:31

قراءة تحليلية في التجارب الإفريقية والعالمية

 

مقدمة

في عالمٍ تتسارع فيه التحولات السياسية والاقتصادية، أصبحت الدساتير وثائق حية تتفاعل مع الواقع ولا تجمده. فالدول لا تُبنى على الجمود، بل على المرونة السياسية التي تتيح استدامة المشاريع الكبرى وحماية المسارات الوطنية من الانقطاعات المتكررة.
ومن هنا، لم يعد فتح المأموريات الرئاسية (أي رفع أو تعديل القيود الزمنية على فترات الحكم) مجرّد خيار سياسي، بل أصبح في عدد من الدول ضرورة وطنية لتحقيق الاستقرار والتنمية، عندما يُمارس في إطار من الشرعية والمؤسساتية والمساءلة الشعبية.

 

أولًا: التجارب الإفريقية — من التقييد إلى الانفتاح الواقعي

 

تشاد: في أكتوبر 2025، صادق البرلمان التشادي على تعديل دستوري ألغى تقييد المأموريات الرئاسية، فاتحًا الباب أمام الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو لمواصلة قيادة مرحلة ما بعد الانتقال. القرار جاء بعد مشاورات وطنية، واعتُبر خطوة لترسيخ الاستقرار السياسي والأمني بعد سنوات من التحديات، ولبناء دولة مؤسسات قوية قادرة على تنفيذ مشاريع تنموية كبرى في الزراعة والطاقة والبنى التحتية.

 

ساحل العاج: بعد إقرار دستور جديد سنة 2016، تم تفسير النصوص على أنها إعادة ضبط للعداد الرئاسي، مما سمح للرئيس ألاسّان واتارا بالترشح مجددًا. النتائج كانت لافتة: نمو اقتصادي تجاوز 7% سنويًا؛ استقرار سياسي بعد عقد من الحروب؛ تعزيز ثقة المستثمرين في سياسات طويلة المدى. إنها تجربة تُبرهن أن الاستمرارية السياسية شرط أساسي للنهضة الاقتصادية.

 

بوروندي: عدّل الدستور سنة 2018 ليمدّد الولاية الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات، ما سمح بإعادة ترشح القيادة القائمة، في خطوة متوازنة بين التجديد والاستمرارية. بهذا التعديل، نجحت بوروندي في تحقيق تماسك سياسي داخلي في بيئة إقليمية صعبة.

 

الكاميرون: منذ تعديل 2008، ألغت الكاميرون كليًا الحد الأقصى للمأموريات. النتيجة كانت استقرارًا سياسيًا وأمنيًا نادرًا في وسط إفريقيا، رغم التحديات الإقليمية المعقدة.

 

أوغندا: رفعت أوغندا سنة 2005 الحدّ الزمني للمأموريات، ثم ألغت شرط السن القصوى عام 2017. وقد ساهم ذلك في استقرار النظام السياسي واستمرار برامج التنمية والبنية التحتية، رغم اختلاف المواقف السياسية حول هذا الخيار.

 

رواندا: في 2015، صوّت الشعب لصالح تعديل دستوري يسمح للرئيس بول كاغامي بالترشح مجددًا. واليوم، تُعتبر رواندا واحدة من أنجح النماذج الإفريقية في الأمن والتنمية ومحاربة الفساد، مما جعل فتح المأموريات فيها قرارًا مؤسسًا على الثقة الشعبية والإنجاز الواقعي.

 

جيبوتي وإريتريا وجنوب السودان: تُصنّف ضمن الدول التي لا تضع قيودًا دستورية على عدد المأموريات، ما سمح لها بالحفاظ على قيادة مستقرة نسبيًا في مراحل بناء الدولة.

 

ثانيًا: تجارب آسيوية وأوروبية مشابهة

 

الصين: في 2018، ألغت الصين القيود الدستورية على عدد الولايات الرئاسية، معتبرة أن الاستقرار القيادي شرط لإنجاز رؤية الصين 2049 الهادفة إلى جعلها القوة الاقتصادية الأولى عالميًا. القرار جاء كترجمة لفلسفة سياسية ترى أن “التداول في الأهداف أهم من التداول في الأشخاص”.

 

روسيا: في 2020، أقرّ البرلمان تعديلات دستورية تُعيد ضبط المأموريات الرئاسية، ما سمح للرئيس فلاديمير بوتين بإمكانية الترشح مجددًا. الهدف المُعلن كان ضمان استقرار النظام السياسي الروسي في مواجهة تحديات خارجية كبرى وحصار اقتصادي متصاعد.

 

كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان: أعادت هذه الدول النظر في أنظمتها الدستورية للسماح باستمرار القيادة التنفيذية خلال مراحل التحول الاقتصادي الكبرى، معتبرة أن الاستقرار أهم من المدة.

 

ثالثًا: التجارب في أمريكا اللاتينية

 

فنزويلا: عام 2009، أجري استفتاء ألغى القيود على إعادة انتخاب الرئيس، مما أتاح للرئيس الراحل هوغو تشافيز مواصلة تنفيذ برنامجه الاجتماعي الطموح.
القرار جاء استجابة لمطلب شعبي يرى أن “القيود الزمانية لا يجب أن تقيد الإرادة الشعبية”.

 

نيكاراغوا: في 2014 تم إلغاء الحدود الزمنية للولايات، ثم في 2025 أُعيد التأكيد على حق إعادة الانتخاب المفتوحة، وهو ما اعتبرته الحكومة خطوة لترسيخ الاستقرار المؤسساتي.

 

 

السلفادور: في 2025، صادقت المحكمة العليا على تعديل دستوري يُتيح إعادة انتخاب غير محدودة، فاتحة الباب أمام الرئيس نجيب بوكيلة لمواصلة سياساته الأمنية والاقتصادية. وقد رُحب بالقرار شعبيًا بعد انخفاض الجريمة بنسبة تجاوزت 80% في عهده.

 

رابعًا: لماذا فتح المأموريات ليس خطرًا بل فرصة؟

 

- الاستمرارية التنموية: المشاريع الكبرى تحتاج قيادة مستمرة لإنجازها. فكل تغيير متعجل يُعيد التخطيط من نقطة الصفر.

 

- الاستقرار السياسي والإداري: حين تُبنى مؤسسات الدولة تدريجيًا، يصبح الحفاظ على قيادة ذات تجربة شرطًا لبقائها قوية وفاعلة.

 

- تجسيد الإرادة الشعبية: إذا أراد المواطنون استمرار قيادة ناجحة، فلا يحق للدستور أن يمنعهم من اختيارها مجددًا.

 

- المرونة الوطنية: ليست كل الدول في مرحلة نضج مؤسسي واحدة؛ ففتح المأموريات يُعد أداة وطنية لتكييف الدستور مع خصوصية المجتمع.

 

- ضمان استقرار الاستثمارات والعلاقات الخارجية: في زمن الاقتصاد المعولم، تبحث الشركات والدول عن شريك مستقر، وفتح المأموريات يُحقق وضوحًا في السياسات بعيدة المدى.

 

خامسًا: التوازن بين الانفتاح والرقابة

فتح المأموريات لا يعني إطلاق السلطة من دون قيود، بل يتطلب توافر مؤسسات رقابية قوية، وفصل حقيقي للسلطات، وانتخابات نزيهة، ومجتمع مدني نشط يضمن بقاء السلطة في خدمة الشعب لا العكس.

 

حين تتوافر هذه الضوابط، يصبح فتح المأموريات رافعة ديمقراطية وتنموية لا خطراً سياسياً.

 

خاتمة

 

فتح المأموريات ليس خروجًا عن الديمقراطية، بل إعادة تعريف لها في سياق وطني وسيادي. فالديمقراطية لا تُختصر في تداول الوجوه، بل في دوام التنمية، والأمن، والكرامة، والعدالة الاجتماعية.

 

إن تجارب تشاد، رواندا، ساحل العاج، والصين، وروسيا، والسلفادور، تؤكد أن استقرار القيادة الرشيدة هو أساس النهضة، وأن تقييد الزمن لا ينبغي أن يقيّد الإرادة الشعبية أو يقطع الطريق على المسارات الإصلاحية الكبرى.

 

 

المصطفى الشيخ محمد فاضل

تصفح أيضا...