
منذ لزم حمْلُ الهاتف في الجيب، استثقلتُ حمل شيء إضافي معه، خاصة محفظة الجيب، لذلك كنتُ لا أحمل بطاقة تعريفي في جيبي غالبا..
سافرتُ مرة سفرا عاجلا مع صديق ملاطف في سيارته إلى بتلميت لأجل تعزيةٍ، واقتضى وصولنا ليلا مَبِيتًا، بَكَّرْنا إثره قافلين، يرافقنا صديق ثالث..
في عَمَاية الصبح شرق نواكشوط، توقفنا لإحدى نقاط التفتيش (حَكْمَه)، طلب منا رجل الأمن الواقف الاستظهار ببطاقات تعريفنا، فَعَلَ صاحباي في الأمام، وتخلفتُ لأن بطاقة تعريفي بقيت حيث أسكن في نواكشوط..
خاطبني رجل الأمن بعبارة حسانية أصيلة بليغة: "أنْتَ مَا أتْنَوَّرْ"، ثم استجمع صرامته مضيفا: ستنزل ونَتَحَفَّظُ عليك لنحيلك إلى الجهة المختصة في نواكشوط، فخضعتُ لأمره..
رفض صاحباي المغادرة، ونزلا يراودانني أن أعَرِّف بنفسي وظيفيا، ورفضتُ لأسباب منها أن ذلك التعريف يحتاج بدوره إثباتا، ولأن الإجراء الذي أخضعتُ له سليم وطبيعي مع حالتي، فكان الحل الوحيد المتبادر لي أن أجد من يأخذ بطاقة تعريفي حيث هي ويأتيني بها حيث سأكون..
في انتظار الإحالة، وبعد وقت طَالَ على صاحبَيّ جدا: جاء ضابط صف يبدو من قادة نقطة التفتيش، يتسلم عمله في نوبة دوام جديدة له، حدَّق في جيدا، وسأل عن قضيتي فأوضحها له أحد عناصره، فأحَدَّ النظر إليَّ من جديد، وقال مستفهما: "أثري ما نعرفك؟"، أجبته: "ما نعرف"، جوابي زاحمه جواب سريع يستبطن ضجرا ويستعجل مخرجا من صديقي: "تعرْفُ حتّ" فأردف: ألست فلانا؟ وسمى اسما وظيفيا، فعاجله صديقي: هُوّ حَتّ، فانتهى الموقف بلباقة من عناصر الأمن، وخلَّلْتُ اعتذاراتهم بتصويب إجرائهم معي ودعمه..
في موقف سابق آخر، لا يخلو من دلالة عميقة، وشيء من طرافة: ركبتُ مع أحد الزملاء في سيارته الشخصية، وأنا وهو إذْ ذَاك في دهشة الدخول الوظيفي، وعلى أحد الشوارع الرئيسية بمقاطعة لكصر أوقفه شرطي من دورية نهارية على الطريق..
توقف الزميل توقفا غير مكتمل، وخاطبه منفعلا: "حُوزْ الْهِيهْ آن قاضي"، رَدّ الشرطي بهدوء وتحية مفسحا الطريق: "أتفضّلْ غِيرْ كِيفِنِّ اعْرَفْتهَ أمنين گلْتهَ"..
الدلالة في الموقفين واضحة، منطبقة على الحالات المشابهة: قبل أن تَتَحَدَّد الصفة أو الهوية، وعند عدم إبراز بطاقة التعريف أنت مجهول "مَاتْنَوَّرْ"، والإجراءات الاحترازية في هذه الحالة معك طبيعية وسليمة..