لا أعرف إن كان لائقا تماما وصف كتابات المؤرخ محمد يحظيه ولد ابريد الليل بأنها إِبَرٌ واخزة تحرك من وقت لآخر منظومة العصب الحسي ـ علي الأقل ـ في جسم أمسَي مَخشيا عليه من الصرع بفعل غلبة القيم المادية في مجتمع رأسماله مَجْد خامدٌ في قلوب و أذهان أبنائه بتعبير الكاتب ..
وظيفة مثل هذا المقال إثارة الشهية للقراءة المُغرية بالكتابة في محاكمة أنصاف الحقائق التي نمَّطها التدافعُ الاجتماعي و صَنَّمها تعطيلُ العقل الناقد و تعتيم الرؤية المستشرفة ..
"غَزِّي"ولد ابريد الليل أغار علي مكامن التحنيط التاريخي و اهتم مشكورا بالإِنصاف للأَنصاف الضائعة من بعض الحقائق تلميحا و تصريحا أشير هنا إلي مترابطات منها متساوقة :
* يعتبر الكاتب محقا أن المرابطين أقاموا كيانين : دولة الرباط و المتاب هنا في الصحراء قامت علي الدعوة و الإصلاح و الأخري كانت امبراطورية بن تاشفين في الشمال .. و كني الكاتب عن أثر دولة آزوگي بالتركيز علي لازمتها التي كانت الهم الناصب لدولة الرباط و هي بناء الإنسان و الحضارة الذي عبر عنه الكاتب في قرارة مقاله بالبناء المعنوي الذي يثوي في القلوب و الأذهان و هو المجد الذي لا يضاهيه بناء أو خلود..
* في مباينة متصلة يري الكاتب أن الذي انتصر في "شر ببه" ليس السيف بل القلم و "المهزومون في تنيفظاظ صاروا ستراتيجيا هم المنتصرين" فرغم استعمال العنف إلا أن ميزان القوة وتراتب السيف و القلم تحول لصالح المعرفة و هذا يرجح مسكوتا عنه و هو أن حركة ناصر الدين كانت بعثا مرابطيا بامتياز ..
*لا يبتعد "غزي الاركاب" في مساق آخر عن هذا الإيحاء التاريخي حين يري بأن مثابة "اصماره" التي أسسها أسد الصحراء الشيخ ماء العينين كانت تجليا مرابطيا متقدما في مقصده العميق و في قدرته علي توحيد المجال الديمغرافي من اندر إلي اصماره و من تنبكتو إلي المحيط بما في ذلك أهلنا في أزواد .. و قد قتل ولد ابريد الليل بهذا الحجر عصفور آخر هو نظرية التشكيك في حصول مقاومة وطنية للاستعمار الفرنسي عند المحتجين بغياب لواء موحد و كأنه أراد دفع حجة متولدة فذكّر بمؤتمر تندوجه الذي جمع فيه الشيخ سيديا أربعة أمراء في سبيل توحيد و توطيد رؤية وطنية إزاء ذلك الخطر الداهم ..
* يستمر "غزي الاركاب" في هذا التحليل العميق و المتساوق ليؤكد من خلال الوقائع و الأسماء أن مؤتمري اصماره 1806- 1807 كانا ساحة لجلاء الحقيقة القائلة بأن الموريتانيين جميعا هبوا لدفع خطر الاستعمار أمراء و شيوخا و علماء و فقهاء و وجهاء و أشخاص عاديين .. فلا احتكار بعد ذلك للمجد الأثيل الذي تحمله القلوب و الأذهان و لا يضاهيه بقاء و لا خلود .. لكن أين قراء هذا الإيحاء المتجردون من القَبْليات المنمَّطة و العناد الأيديولوجي الذين سيعطون مثل هذا المقال "ماءه" ؟!
محمد الأمين ولد مني