
يشهد وطنُنا العزيز في السنوات الأخيرة موجة متزايدة من الهجرة غير النظامية القادمة من دول الجوار الإفريقي، تتخذ في الغالب من موريتانيا نقطة عبور نحو الضفة الأوروبية، غير أن أعداداً كبيرة من هؤلاء المهاجرين تستقر داخل البلاد، مما يُلقي بظلاله على البنية التحتية والخدمات الأساسية، ويثير تحديات ذات طابع إنساني، اقتصادي وأمني.
وقد نتج عن هذا الوضع توترات اجتماعية غير مسبوقة، أبرزها تصاعد خطاب الكراهية والشوفينية ضد الأجانب، وهو ما يمثل تحولاً خطيراً على صعيد النسيج الوطني ويهدد صورة موريتانيا كمجتمع منفتح ومتسامح. كما أن ذلك قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على مئات الآلاف من الموريتانيين المقيمين في دول إفريقية شقيقة.
أرى أن الوقت قد حان لاعتماد مقاربة وطنية شاملة تنظم هذا الملف الحيوي وتُفعّل آليات التوازن بين السيادة والمصلحة الوطنية من جهة، والبعد الإنساني والاقتصادي من جهة أخرى، وفق المحاور التالية:
1. صياغة سياسة وطنية للهجرة تُميز بين فئات الوافدين (لاجئين، عمال، عابرين)، وتحدد آليات التعامل معهم بشكل قانوني ومنظم.
2. إدماج اليد العاملة المؤهلة ضمن قطاعات تحتاجها البلاد، خاصة الزراعة والبناء، من خلال تصاريح عمل قانونية ومؤقتة، تساهم في تحريك الاقتصاد دون الإضرار بمصالح المواطنين.
3. تعزيز الخطاب الوطني الرافض للكراهية والتفرقة، عبر حملات توعية وطنية تشارك فيها مختلف الفاعليات الرسمية والمجتمعية والدينية، مع التأكيد على حماية النسيج الاجتماعي من التسييس أو التمييز على أساس العرق أو الأصل.
4. دعم المناطق المتأثرة عبر مشاريع خدمية وصحية وتعليمية بتمويل وطني ودولي، حمايةً للسكان وتخفيفاً من حدة التوتر.
5. تعزيز التنسيق الإقليمي والدولي مع دول المصدر والمقصد، والسعي للحصول على دعم لوجستي ومالي من الشركاء الأوروبيين، بحكم مسؤوليتهم المباشرة في ضبط هذه الهجرة العابرة.
6. تعزيز القدرات الأمنية الوطنية، عبر دعم قوات الأمن والرقابة الحدودية بالمعدات والموارد البشرية اللازمة، وتكثيف الجهود لإغلاق معابر التهريب غير القانونية، بما يبعث رسالة واضحة بأن موريتانيا لن تكون بوابة مفتوحة للهجرة غير الشرعية، ويُساهم في تقليص أعداد المهاجرين العابرين منذ البداية.
7. ضمان المعاملة الإنسانية والمسؤولة للمهاجرين غير النظاميين الذين يتم ترحيلهم أو إعادتهم إلى بلدانهم، بما يراعي كرامتهم وحقوقهم الأساسية، مع التمييز الصارم بين الأجانب والمواطنين الموريتانيين الذين قد يتقاطعون معهم إثنياً أو لغوياً، تفادياً لأي خلط يُضعف من حقوق المواطنين أو يُبرر المساس بكرامتهم.
وختاماً، فهذه الأفكار لا تسعى فقط لتنظيم الظاهرة، بل أيضاً لتفادي تبعاتها السلبية على اللحمة الاجتماعية ومصالح الجاليات الموريتانية بالخارج، خصوصاً في القارة الإفريقية.
النائب يحيى ولد اللود