غزواني وتقريب المساكين من الرئاسة / عبد الله سيداتي

ثلاثاء, 18/03/2025 - 03:30

 

في بادرة غير مسبوقة يجلس رئيس الجمهورية وسط الحمالة في عقر دارهم (ميناء نواكشوط المستقل) ليتناول معهم طعام الإفطار، في خطوة أخرى تعكس بجلاء طبيعة نهج الحكم الذي اختاره منذ وصوله إلى السلطة. نفس الحمالة الذين طالما اعتبرت السلطات أي تجمع لهم بمثابة قنبلة موقوتة يتم حشد قوات مكافحة الشغب من أجل التعامل معها كواحد من أخطر التهديدات، يحتشدون هذه المرة لاستقبال رئيس الجمهورية الذي جاء ليتقاسم معهم طعام الإفطار مساء السابع عشر من رمضان.

في العام 2019، وفي خضم حملة انتخابية شرسة، تداولت المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي صورا لغزواني في إحدى قرى الضفة جالسا بين افراد أسرة فقيرة تحت شجرة في فناء منزل متواضع جدا أثناء تقديمه العزاء لذوي عسكري تعرف عليه خلال سنوات الخدمة. 
بالغ أنصار الرجل في الترويج للصورة معتبرين الأمر ثورة في سلوك رؤساء البلاد، بينما قلل معارضوه من شأنها معتبرين الترويج للصورة مظهرا من مظاهر الشعبوية.  

كشفت الأيام لاحقا أن ذلك التصرف لم يكن عملا معزولا، بل هو تجسيد لقناعة راسخة وسلوك أصيل لا تكلف فيه، ولا أدل على ذلك أنه لم يدخل القصر الرئاسي على امتداد تاريخ الدولة من الفقراء مثل من دخلوه خلال سنوات حكم غزواني الذي كسر الصورة النمطية عن إفطارات رمضان التي كانت مجرد صورة أخرى من كرنفالات استعراض المسؤولين وأطر الدولة وكبار الوجها. 

 بدأ غزواني إفطاراته في القصر  في أول موسم رمضاني بعد انحسار وباء كوفيد بدعوة عمال  القصر البسطاء إلى الإفطار معه، حيث جلس معه على نفس المائدة، جنبا إلى جنب مع حرمه وبعض أعوانه المقربين، النادل وعاملة النظافة وقربهما كثير من عمال القصر البسطاء الذين طالما انشغلوا بتجهيز الموائد الرئاسية الفاخرة وتنظيف بقاياها دون لفتة من أحد. لكنهم كانوا هناك هذه المرة ضيوف شرف في مشهد عظيم الدلالة على تقدير الرئيس الجديد للمواطن، كل مواطن بغض النظر عن مركزه المهني ووضعه الاقتصادي، في تجسيد عملي لواحد من أهم خيارات الرئيس هو الاهتمام بالمواطن والقرب منه، والاهتمام بالمواطن الأكثر حاجة بالذات. وهكذا 
دخل القصر الرئاسي خلال ست سنوات أزيد من 500 مدعو لمائدة الإفطار الرئاسي التي تشرئب أعناق كبار المسؤولين والوجهاء إليها، لكن هذه الخمسمائة كانت هذه المرة من المواطنين المتعففين ومن أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة من مختلف مناطق موريتانيا.
 
وفي سياق نفس النهج المختلف عن جميع من سبقوه من الرؤساء، وفي خطوة ذاتمغزى عميق بما ترمي إليه من رفع معنويات الجنود والتعبير عن تقدير الخدمة التي يقدمونها للوطن، قرر غزواني التنقل للإفطار مع الجنود في الميدان حيث يرابطون على الثغور في انبيكت لحواش وبير أم اكرين. هناك ظهر إلى جانبهم يشاركهم إفطارهم ويفترش فراشهم ويصلي خلف إمامهم الجندي.  

في الحقيقة، يندرج هذا النهج ضمن تصور اجتماعي متكامل جوهره الاهتمام بالمواطنين المتعففين وغيرهم من أبناء الوطن الذين طالما كانوا أقل حظوة ونصيبا في خيرات الوطن، والسعي إلى تغطية احتياجاتهم الأساسية وتمكينهم من فرص أفضل لتحسين أوضاعهم وأوضاع من يعتمد عليهم. وفي هذا الإطار استفادت مائة ألف أسرة متعففة من التأمين الصحي، ورفعت مخصصات المتقاعدين،  وخصصت تعويضات لأبناء شهداء الجيش وقوات الأمن تمت مضاعفاتها لاحقا لتصل مبلغ ستين ألف أوقية شهريا. كما استفاد نصف السكان وجميع المواطنين المتعففين في 8400 تجمع قروي، على امتداد البلاد طولا وعرضا، من تحويلات نقدية أو تدخلات للمندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء (تآزر). وقبل ذلك تم التكفل بمرضى الحالات المستعجلة والنساء الحوامل،  وتقرر اعتماد تمييز إيجابي لصالح أبناء الأسر المدرجة على السجل الاجتماعي لتمكينهم من الولوج لمدارس وثانويات الامتياز مع الاستفادة من منح مجزية. 

 أهم ما في هذه السمة الاجتماعية غير المسبوقة، التي ميزت نظام غزواني عن غيره من الرؤساء، أنها تجسدت في سياسات عملية حققت نتائج ملموسة تمت دون بهرجات إعلامية ودون على المستحقين ولا امتهان لكرامتهم، بل إن هذه السياسات تميزت حتى في طرق تنفيذها واللغة المستخدمة للتعبير عنها. فقد برزت، ولأول مرة، مصطلحات رسمية تحمل دلالات إيجابية وأنيقة مثل وصف الأسر المتعففة الذي ظهر مع تدخلات تآزر في استيحاء موفق للمعنى القرآني: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف.

تصفح أيضا...