إفريقيا.. التجنيس بين الحقائق والادعاءات

اثنين, 17/03/2025 - 00:34

 ظل النقاش المستمر حول الهجرة والجنسية في المنطقة، يثار موضوع حساس يتعلق بمنح بعض الدول الإفريقية جنسيتها لأشخاص يعتبرهم البعض "أجانب". لكن الواقع أكثر تعقيدًا من هذه الادعاءات، وهو مرتبط بالسياق التاريخي والجغرافي والاجتماعي للمنطقة، حيث تمتد القبائل والمجتمعات عبر الحدود السياسية التي رسمها الاستعمار دون مراعاة هذه الامتدادات الطبيعية.  

 

لا يمكن لأي متابع مُطّلع إنكار أن العديد من شعوب الدول المجاورة يحملون أكثر من جنسية، وهذا ليس استثناءً بل هو القاعدة في كثير من دول القارة. فالكثير من الصحراويين، والماليين، والسنغاليين يحملون الجنسية الموريتانية جنبًا إلى جنب مع جنسياتهم الأصلية، تمامًا كما يحمل العديد من الموريتانيين، والجزائريين، والبوركينابيين، والسنغاليين، والتوغوليين، والنيجريين الجنسية المالية. كذلك يحمل عدد كبير من الماليين والتونسيين والموريتانيين الجنسية الجزائرية، وهو أمر شائع في دول أخرى مثل غينيا، وغينيا بيساو، وبوركينا فاسو، والتوغو، وساحل العاج، و النيجر و نيجيريا. هذا الامتداد السكاني ليس جديدًا، بل هو واقع راسخ منذ قرون، قبل نشوء الحدود الحديثة.  

 

ودول المنطقة تدرك هذا الواقع جيدًا، ولا يمكن حرمان هؤلاء المواطنين من حقوقهم لمجرد امتلاكهم جنسية ثانية. تمامًا كما لا يُجرد الأفارقة الذين حصلوا على جنسيات أمريكية أو فرنسية من حقوقهم في بلدانهم الأصلية، فالجنسية الثانية لا تلغي حقوق الجنسية الأولى، إلا في حالات قانونية استثنائية لا تمثل القاعدة العامة. وهذا مبدأ أساسي تكرسه الاتفاقيات الدولية ونصوص الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان.

 

وهذا الامتداد بين دول مجاورة لا يختصر على افريقيا فحسب، بل شبه عالمي، فمثلا في الخليج العربي: "السعودية والكويت والبحرين وقطر و الإمارات وعمان"، العديد من العائلات تمتد عبر هذه الدول ماجعل بعض الأفراد يحملون جنسيات مزدوجة نتيجة هذا الامتداد العائلي، رغم أن بعض الدول الخليجية لا تعترف بازدواج الجنسية رسميًا.

وفي أوروبا على سبيل المثال، "فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ"- العديد من العائلات البلجيكية تمتد إلى فرنسا ولوكسمبورغ والعكس، مما يسهل حصول الأفراد على جنسية مزدوجة بسبب العلاقات العائلية.

 

لكن في الوقت ذاته، فإن تنظيم قوانين الجنسية وضمان تطبيقها العادل هو أمر سيادي مشروع، من حق الدول وضع آليات قانونية لمنع حصول غير المؤهلين على الجنسية بطرق غير مشروعة، مع الحفاظ على حقوق المواطنين الذين تربطهم بجنسياتهم امتدادات تاريخية واجتماعية طبيعية، فالمسألة ليست مجرد أوراق ثبوتية، بل تتعلق بنسيج اجتماعي معقد يجب التعامل معه بحكمة، بعيدًا عن التفسيرات السطحية أو النظرات الضيقة التي تتجاهل حقائق الجغرافيا والتاريخ.

 

الحسين آغ عيسى

 

تصفح أيضا...