" بين وهمين "
أخطر ما يواجه فريقا سياسيا حاكما أن تتحول رغباته وأماني صانعي قراره إلى واقع منجز يسعون لترويجه في خطابهم العام، مُستغلين مؤسسات الدولة التي تعتبر مرجعية لكل مواطنيها، من أجل إثبات تمَثُّلٍ ذهني صنعوه على هواهم، سيؤدي الانقياد لنفيره الصاخب وسط الأجواء الكرنفالية للحديثَ عن سماء صحوٍ وسط عاصفة هوجاء في قلب ظلمة ليل حالك، لا يضيء وميضه إلا مشاهد المجاعة وجيفُ النفوق الجماعي في الريف، مع لكاك الأيادي العطاش تلوح بقنان لبلاستيك الصفراء، والغلاء المطرد في أسعار المواد الأساسية، بل انقراض بعضها في السوق، والأدوية الفاسدة، وطوابير المرضى المسافرين للخارج.. معززة بالاضطرابات الاجتماعية في كافة قطاعات الحياة الوطنية، وما يصاحبها من مشاهد يومية لعنف التنكيل في الوسط الجامعي، وغياب الأمن في الشارع والبيت، ومناخ سياسي متوتر كلما لاحت فيه بارقة قول أو تصريح طمسها غيمُ أُخريات ومحا أثرها في النفوس، وزاد من اليأس في انفراج سياسي يناسب آمال وتطلعات هذا الشعب المسكين.
ما الثمن الذي ستدفعه بلادنا وتجربتنا السياسية المتعثرة واستقرارنا الاجتماعي المهدد، ومستقبل كياننا الوطني اذا استمر اصحاب هذا الوهم في الدفاع عنه داخل مجتمع أكثر من ثلثي مواطنيه شباب ينتمون لأجيال نحتتها ثورة المعارف خلال مرحلة زمنية لا تعترف فيها المواصلات المتطورة بالحدود فيما يتعلق بجمع معلومات عن أقاصي بلدان العالم، فكيف بمعلومات وطنهم ومشاهده الكالحة التي تفقأ عيونهم يوميا ويقرؤون تفاصيلها على مدار الساعة من شاشات جيوبهم الصغيرة؟
إن وهما بهذا الحجم يمكن أن يصبح إيجابيا في حالة واحدة، حين يتحول بقوة الخيال السياسي الواقعي الخلاق إلى طموح وبرنامج سياسي للسنوات الممتدة القادمة، لكن على أرضية شجاعة أساسها الاعتراف بالواقع كما هو، بدل دعمه بوهم آخر يقود للافتراء على ماضي الآخرين، والشروع موازاة مع ذلك في البحث العاجل عن تلبية حاجيات المواطن الملحة في ظرف حرج، تكون أولى خطواته وقف تبذير المال العام في برنامج حزبي ضيق، لصالح ( سد الرمق) اليومي للمواطنين وعدم التمادي في التعامل مع المحتجين والغاضبين منهم بأدوات السحل والاعتقال ومؤلم السياط، لأن ذلك شبيه باعتماد سياسة قطع الرؤوس علاجا للمصابين بالصداع.
حزب الصواب
مواضيع ذات علاقة بالخبر :