منذ أداء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، القسم رئيسا للجمهورية في المأمورية الأولى في أغسطس عام 2019، وضع نصب عينيه تصفير المشاكل مع جميع الدول، وحرص على التوازن في العلاقات الخارجية؛ وتجنب الانخراط في المحاور.
وهكذا وفي ظرف وجيز بدا أن موريتانيا في عهد غزواني تحتفظ في علاقاتها الخارجية بمبدأ تصفير المشاكل مع الدول، والتوازن في سياسة المحاور، فاحتفظت بعلاقات جيدة مع أوروبا وخاصة فرنسا، مع استمرار التعاون الجيد مع الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت حرصت على أن لا يؤثر ذلك على العلاقة بروسيا الطامحة بقوة آنئذ لحلفاء في إفريقيا، وهو نفس المسار الذي اتخذته مع روسيا.
هذا النهج سارت عليه الدبلوماسية الموريتانية في علاقاتها مع العالم العربي، فأعادت العلاقات الدبلوماسية تدريجيا مع الدوحة الذي قاطعتها نواكشوط عام 2017، في حين حافظت على علاقاتها الوطيدة مع الإمارات والسعودية وباقي دول الخليج، وعلى المستوى الإقليمي التزمت موريتانيا حيادها في ملف الصحراء المزمن، مع علاقات متوازنة مع المغرب والجزائر، وتغلبت على مطبات دبلوماسية وأمنية عانت منها في سبيل ذلك.
وفي المحيط الإفريقي؛ حرص غزواني على العلاقات الممتازة مع دول الجوار؛ خاصة السنغال ومالي، ورغم التطورات الدراماتيكية في دول الساحل، وتغيّر هرم السلطة في دول منظمة G5 حافظ الرئيس الموريتاني على هدوء الدبلوماسية الموريتانية، وكانت إدارته في التعامل مع الوضع في مالي وباقي دول الساحل حكيمة.
على هذا ظل الوضع في الدبلوماسية الموريتانية؛ هدوء تتطلبه بعض الملفات، لكن هذا الهدوء تحول على مستوى وزارة الخارجية إلى صمت؛ وبين الصمت والهدوء بون ضيق
ويؤخذ على وزارة الخارجية الموريتانية صمتها حيال الكثير من الأمور؛ التي تتطلب رفع الصوت، والديناميكية الإعلامية، ومن ذلك رئاسة موريتانيا للاتحاد الإفريقي، وأحداث إقليمية ودولية لا ينبغي الصمت حيالها.
ورغم تفهم المراقبين للصمتِ حفاظا على بعض العلاقات الخارجية كما في ملف المغرب والجزائر الذي يتسم بطابع الحساسية؛ وعدم الردّ على "ترهات" بعض وسائل الإعلام غير الرسمية، إلا أن أحداثا جساما عبرت دون تسجيل موريتانيا أي موقف، آخر ذلك مثلا التغيير الذي حدث في سوريا، وتولي الجزائر للرئاسة الدورية لمجلس الأمن لأول مرة.
غير أن هذا الصمت يبدو خيارا لدى وزارة الخارجية، التي يلاحظ أنها لا تملك منبرا رسميا على مواقع التواصل -على غرار باقي الوزارات- للتعبير عن مواقف موريتانيا من الأحداث الدولية المستمرة.
كما أن اللقاءات الإعلامية التي يشارك فيها دبلوماسيون مهنيون من وزارة الخارجية محدودة، على عكس المطلوب من الدبلوماسية الفاعلة، خصوصا مع تولي موريتانيا رئاسة الاتحاد الإفريقي، وإقبال دول العالم على التنسيق معها في ملفات الأمن والاقتصاد والهجرة.
أخيرا؛ ينبغي أن لا تكون الدبلوماسية الموريتانية هادئة في صمت، بل يجب أن تعتمد ديناميكية أكثر فاعلية في مجال الاتصال؛ فليست الحصافة في العلاقات الخارجية رهينة بتجاهل الأحداث، وتِبيان مواقف الدولة من وقائع مِفصلية؛ إذ يجب أن يواكب هذا القطاع الهام تطلعات المواطن المتابع، ويقطع دائما خطوة نحو الأمام، كما يجدر به أن يتبع ردة الفعل بدل المبادرة المحسوبة؛ فهو يملك الخبرات والكفاءات ليستثمر السمعة الجيدة لرئيس الجمهورية، ويبني على أمجاد دبلوماسية موريتانيا منذ الستينات، وتراكماتها إلى يومنا هذا.
*عبدالرحمن المقري/ إعلامي مهتم بالشؤون الدبلوماسية*