شهدت مدينة غاو بشمال مالي خلال الأيام الماضية توترات عرقية تهدد بانزلاق الوضع نحو الانفجار هناك، بعد تصاعد حدة التوتر بين المكونات العرقية في المدينة (السونغاي والعرب والطوارق).
وقد بدأت هذه الأحداث عندما أوقفت دورية من مليشيات تابعة للحكومة المالية، شابين عربيين على الطريق الرابط بين مديني "غاوا" و"بوريم"، وأعدمتهما وألقت بجثتيهما في النهر، بعد ربطهما بأكياس ملأت بالرمل، وعشية اكتشاف الجريمة تحرك أهالي الشابين في مدينة غاوا مطالبين بمعاقبة المسؤولين عن قتل الشابين وتقديمهم للعدالة، لكن رد السطات المالية ـ كما يقول السكان ـ جاء مخيبا للآمال وصب الزيت على النار، حيث عمدت الحكومة إلى تصعيد الموقف وإعطائه بعدا عرقيا، وحركت عناصر مجموعة السونغاي تظاهروا ضد العرب والطوارق، وهاجموا ممتلكاتهم ومنازلهم بغية نهبها، وهو ما أسفر عن احتكاكات بين الطرفين، تخللها إطلاق نار.
ويقول السكان إن جريمة إعدام الشابين لم تكن الأولى من نوعها، التي يفلت مرتكبوها من العقاب، حيث سبق وأن أعدم شابان عربيان وسط مدينة غاوا بعد إحراقهما وهما على قيد الحياة، على يد عشرات من الغوغاء، كما أعدم شباب آخرون بعد ذلك في حوادث مختلفة، لم يعاقب مرتكبوها.
وبعد المواجهات التي وقعت قبل ثلاثة أيام، أعلن والي مدينة غاوا عن صدور قرار بتجريد الحركات العربية والطارقية في المدينة مثل الحركة العربية، وحركة غاتيا الطارقية، من أسلحتها، أو مغادرة المدينة، وقد منح الوالي الحركات العربية والطارقية فرصة أربعة أيام لمغادرة مدينة غاوا أو تسليم أسلحتهم، وهو ما يرفضه قادة هذه الحركات الذين يؤكدون أن وجودهم في المدينة جاء بموجب اتفاق السلم والمصالحة المعروف باسم اتفاق الجزائرالموقع بين الحكومة المالية والحركات الأزوادية، حيث تنتمي الحركات الموجودة في غاوا إلى منسقية "بلات فورم" المحسوبة على الحكومة المالية، لكن ذلك لم يشفع لهذه الحركات، حيث أمهلها الوالي أربعة أيام لمغادرة المدينة أو تسليم أسلحتها، ويقول قادة الحركات إن وجودهم في المدينة هو جزء من الواقع الذي كان قائما عشية توقيع اتفاق السلم والمصالحة الذي يعتبرون أنفسهم طرفا رئيسا فيه، ولا يمكن إخراجهم من المدينة أو تجريدهم من السلاح إلا بعد تنفيذ سائر الخطوات المنصوص عليها في اتفاق السلم والمصالحة، كما يعتبرون أن الهدف من إبعادهم خارج من مدينة غاوا، هو رفع الحماية عن السكان العرب والطوارق هناك، وتركهم لقمة سائغة أمام عصابات النهب والسلب.
ويتهم قادة المجتمع العربي والطارقي في ولاية غاو، الوزير الأول المالي "سوميلا بوبو ميغا"، بالمسؤولية عن تأجيج الصراع بين العرقيات في المدينة، ويقولون إن "سوميلا ميغا" هو أحد مؤسسي مليشيات "غوندوكوي" التي ارتكبت مجازر وانتهاكات فظيعة ضد الطوارق والعرب في غاوا وتمبكتو خلال تسعينيات القرن الماضي، ويصنفونه ضمن خانة الصقور المعادين للتنوع الاجتماعي في شمال البلاد الذي يعاني أصلا صراعا مزمنا وأعمال عنف دامية، انتقلت خلال السنوات الأخيرة إلى المناطق الوسطى.