عنوان هذا المقال، استعرته من كتاب المفكر الكبير د.قسطنطين زريق، المعنون ب " ما العمل؟ حديث للأجيال العربية الطالعة،" والذي ربما اقتبسه بدوره من كتاب لينين? Que faire ، الصادر نهاية القرن 19، كمساهمة نتواضعة في نقاش الوضع السياسي، الذي أعقب انتخابات 29 يونيو 2024.
- حول الفارق في التوقيت
هناك فرقان جوهريان بين الدول الغربية و دول العالم الثالث، كلاهما مرتبط بسوء تقدير اللحظة المناسبة، فالحوار في الغرب يسبق الانتخابات ليضع قواعد اللعبة قبل إجرائها و لضمان جودة شروط المنافسة، أما الحوار عندنا فيتربط الحديث عنه بما بعد الانتخابات لترشيد ردود فعل المترشحين الخاسرين!
و ذاك فرق جوهري بين التخطيط الاستيراتيجي البعيد و محاولات العبور بالمسكنات ذات الأثر المؤقت.
أما فارق التوقيت الثاني، فهو أن الرؤساء و الوزراء في الغرب لا يهتمون بجمع المال إلا بعد تقاعدهم من خلال ريع كتبهم و محاضراتهم، بينما ينتهز أغلب المسؤولين في الجنوب فترة الخدمة لجمع المال من خلال ريع المركز!
- الحوار هو الحل
هناك طريقتان لإدارة الاختلاف، إحداهما عنيفة و غير مأمونة- لا يسلكها السياسيون عادة- و الثانية حضارية و هي الحوار، و بذلك يتحول الحوار من غاية إلى وسيلة لحل معضلات الأسس و التحول الديمقراطي الآمن و بناء مؤسسات صلبة..
و يقتضي التحضير الجيد للحوار البدء في تحضير معنوي و نفسي لإعادة التلاقي، تمهيدا للشروع في ممارسة فضيلة الحوار.
و ينبغي أن تكون انشغالات البلد الكبرى، خصوصا الوحدة الوطنية و تنمية قيم المواطنة و محاربة الفساد و الانفتاح السياسي و الحكامة الجيدة، أولويات الحوار الجاد و الهادئ، الذي لا يستثني أحدا و يتخذ من ثوابت البلد قاعدة له.
و يتعين أن يكون استقرار البلد و تماسك مكوناته أحد مكاسب الحوار، فلا ينبغي أن نكون أمام زبون مطعم يطلب سمكة ثمنها جزء من قيمة اللولؤة التي سيجدها في جوف السمكة!
و الحوار الذي ندعو إليه ليس حوار المجردات( الثقافات، الحضارات، الأديان..) و إنما حوارا بين القوى السياسية يوصلها إلى منطقة التلاقي على أرضية الثوابت.
و من خلال الانخراط في حوار بهدف التوافق، يكون الشخص قد نزع إلى ممارسة فضيلة عرفانية للحياد العاطفي تجاه الاختلافات المتبادلة على حد تعبير " يوغن هابرماس".
و الحوار لا يفرض إذابة اختلافات المتحاورين، و إنما يقيم بينهم خط انسجام أفقي أو ما يصطلح عليه في الموسيقي ب " الهارموني".
يتواصل..