شكرا لجنوب إفريقيا شعبًا وحكومة، أرضا وسماء وتاريخا؛ فقد ذاق الشعب الجنوب إفريقي طعم العدالة والحرية بعد مرارة الظلم والقهر؛ فالقائد الفذ في تاريخ البشرية السيد الرئيس مانديلا الذي قضى سبعا وعشرين سنة بين مخافر الشرطة وسجون نظام لابرتايد العنصري، وخرج مرفوع الرأس رئيسا لبلاده ليكون أسطورة في الصبر والحكمة والحنكة، وليكون نموذجا يحتذي به كل طالب للحرية ورافض للظلم والقهر، ومهد الطريق للحرية والانعتاق، وغرس ذلك في التربة الجنوب إفريقية وورث تلك الصفات النبيلة لأبناء بلاده؛ فمن الثمار تعرف الأشجار، ففي هذا الوقت المعتم من تاريخ البشرية تحملت الحكومة الجنوب إفريقية مسؤولياتها، وتتذكر تاريخها النضالي، فرفعت راية الدفاع عن المظلوم؛ ضاربة عرض الحائط بالأخطار الآنية والمستقبلية علي مصالحها السياسية والاقتصادية؛ مفضلة أن تكون رائدة في المحافل الدولية ومدافعة عن القضايا العادلة حتي ولو خرس العالم كله خوفا وطمعا ونفاقا، فأبت جنوب إفريقيا إلا أن تكرر السابع من أكتوبر علي طريقتها، فكما اقتاد الأبطال الفلسطينيون الجنود الإسرائيليين في مشهد إذلال للجيش الذي "لا يقهر" ومرغوا أنفه في الوحل في مشهد بطولي هو الأول من نوعه في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي.. ها هي جنوب إفريقيا تقتاد الساسة الإسرائيليين في مشهد بطولي أيضا أمام المحاكم الدولية! ولأول مرة في التاريخ يقف الإسرائيليون أمام محكمة العدل الدولية مذعورين خائفين مدافعين عن جريمة الإبادة التي يلاحَقون بها في حق الشعب الفلسطيني؛ فقد أعدت الحكومة الجنوب إفريقية ملفا مكتملا من حيث الشكل والمضمون وموثق بالصور وتصريحات قادة الاحتلال التي تصب في منحى واحد هو الدعوة إلي الإبادة الجماعية ومدعما بالصوت والصورة، ومؤكدا بحجم القنابل والنيران التي تصب علي غزة خلال مائة يوم؛ الشيء الذي يعكس النيات المبيتة للإبادة، فجاءت مرافعات الفريق الجنوب إفريقي - الذي سطرت أسماؤه في ذاكرة التاريخ بأحرف من دماء الشهداء- فكانت هذه المرافعات أشد وقعًا من يوم السابع من أكتوبر علي الكيان الصهيونى؛ لذلك أدرك الاحتلال حجم الخطر، وأوفد فريقا أتي صاغرا خائفا علي ساسته من الملاحقة القانونية وعاجزًا أمام المحكمة عن تبرير جرائم الإبادة التي صاغها الفريق الجنوب إفريقي بدقة وحرفية وكفاءة نادرة، فقد حاول الوفد الصهيونى أن يبرر أفعاله الوحشية بحجة الدفاع عن النفس وهي لعمري حجة واهية، فقد بين الوفد الجنوب إفريقي أن معاناة الشعب الفلسطيني بدأت منذ 1948 ولم تولد يوم السابع من أكتوبر 2023 حيث يحاول الاحتلال ومن والاه من الصهاينة والمتصهينين أن يكون نقطة البداية في الصراع العربي الصهيوني في تناس واضح للحقيقة ولحاجة في نفس الاحتلال "لكن هذه المرة تكشفت الحقيقة أمام محكمة العدل الدولية (ونرجوها أن تكون عادلة) وانكشف ستر الولايات المتحدة الأمريكية الراعية والممولة والحامية للكيان؛ سواءً كان ذلك عبر تعطيل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة أو مجلس الامن الدولي، والتي لم تر النور قط وتبقى حبرا علي ورق وتنسى في الأدراج من خلال الضغوط التي تمارسها أمريكا على الدول أو عبر الفيتو الذي تعودنا عليه في كل قضية تتعلق بالكيان.
شكرا لجنوب إفريقيا بكل لغات العالم ولهجاته وإشاراته،
شكرا يرددها كل أحرار العالم،
شكرا بعد أن مات الضمير العربي والغربي ومات الشعور بالإنسانية،
شكرا بكل قطرة دم سالت وتسيل على أرض فلسطين الحبيبة،
شكرًا بقدر صبر الأمهات والثكالى،
شكرًا بعدد أنات المرضى والجرحى،
شكرا بعدد براءة الطفولة التي اغتيلت في فلسطين،
شكرا بقدر شجاعة أبطال غزة،
شكرا بقدر جبن جنود الاحتلال،
شكرًا بقدر صمود أهل غزة،
شكرا بقدر نقص الماء والكهرباء في غزة،
شكرا بقدر نقص المواد الطبية في غزة،
شكرًا بمقدار البعد الجغرافي بين فلسطين وجنوب إفريقيا، وبعدد نسمات الدول المجاورة لفلسطين (فيا للعار!)
شكرا بقدر فشل العالم في إحقاق الحق ونبذ الباطل،
شكرًا بقدر تضييع العرب لأماناتهم ومسؤولياتهم وواجباتهم الدينية والإنسانية والأخلاقية وكفى.
ومن نافلة القول أن الموقف الذي اتخذته جنوب إفريقيا سيبقى محفورا في ذاكرة كل حر أبي وكل عربي وسيبقى دينا في رقابنا كعرب نورثه لأبنائنا وأحفادنا فلن ننسى هذا الصنيع وإن عجزنا الآن عن رد الجميل فالدَّيْن علينا ولا يسقط بالتقادم، وكما أنه أريد لنا أن ننسى فلسطين فما أفلحت تلك الإرادة وها هو القسام وبقية الفصائل تنتصر كذلك لن ننسى جميل صنيع جنوب إفريقيا.
اثنان لا أنساهما: من أعانني ومن أعان علي.
فسجل - يا تاريخ- المجد والحرية والخلود لقارة أنجبت - ضمن ما أنجبت- نيتسون مانديلا ومن أمة أنجبت ضمن ما أنجبت كتائب القسام وبقية فصائل المقاومة.
د. ابَّ ولد عمار