انجلى فجر الأحد عن أغلب نتائج انتخابات الثالث عشر من مايو، وبدأت الصورة مع ساعات النهار تتضح.
وباتت المعالم الكبرى لإرادة الناخب واضحة في كتلها الكبرى وفي تنوعها، أو بعبارة أخرى قال الناخبون كلمتهم بعد قرابة نصف شهر من أحاديث السياسيين، وفق تعبير فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي اختار لهذه الانتخابات أن تأتي تكليلا لمسار التوافق والحوار وأن تكون سجال سياسيين وسباق برامج عكس ما كان سائدا من ممارسات اختفت من المشهد وحل محلها العمل الجاد في الساحة السياسية بالوسائل والقدرات والحظوظ.
اختار رئيس الجمهورية لهذا الانتخابات أعلى ما يمكن من التوافق، فكان التشاور المثمر الذي رعته وزارة الداخلية واللا مركزية، وما قدمت فيه الدولة من تسهيلات إدارية ومن دعم مالي، كان الأمر من بدايته إلى نهايته نقاش سياسيين واختار رئيس الجمهورية ترك التفاصيل لهم، فتشاوروا وناقشوا واختلفوا وعادوا إلى النقاش، ثم وقعوا اتفاقهم وبدأ المسار الثاني وهو الساحة والميدان
لقد كان من المؤشرات المهمة التي تؤكد أن رئيس الجمهورية يسعى إلى ترسيخ ديمقراطية ذات مصداقية عالية، فكانت رسالته إلى الأحزاب السياسية والمتنافسين بأن يعملوا على عرض برامجهم وأن يتنافسوا بشكل يخدم الوطن وينمي الوعي السياسي للمواطنين، وهي سابقة في التعاطي الرئاسي، حينما ذكَّر رئيس الجمهورية بوضوح "أن هذا الهدوء، وهذه العلاقات الطبيعية بين مختلف مكونات ساحتنا السياسية، تشكل في حد ذاتها، مكسبا يلزمنا جميعا صونه والحفاظ عليه : فلنختلف باحترام ، ولنعبر عن تباين آرائنا برقي، ولنتنافس بقوة ، لكن في إطار من المسؤولية الأخلاقية والالتزام الأدبي"
كانت هذه الرسالة فاتحة تعاط جديد مع المشهد السياسي، عزز منه الدعم المتساوي لكل الأحزاب السياسية، بغض النظر عن موقعها في الأغلبية والمعارضة، وهي أيضا سابقة في تعاطي الأنظمة مع الملف الانتخابي، فقد اختار رئيس الجمهورية منذ انتخابه أن يكون رئيسا للجميع وأن يكون نظامه حاميا للوحدة والانسجام عاملا بكل جد واقتدار على ترميم التهدئة وإصلاح سبل التوافق السياسي.
ولعل فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني هو أول من تقدم له التهنئة بهذه الانتخابات وما امتازت به من هدوء وتنافسية وما حققت من نتائج تمثل تزكية نوعية للمسار السياسي والتنموي للبلاد.
نتائج الإنصاف.. الرسالة الوطنية الصادحة بالتغيير
جاءت نتائج الإنصاف نتيجة عمل دؤوب ومستمر، ونتيجة تحولات عميقة في الساحة السياسية وفي اتجاهات المجتمع، وفي القيم السياسية المتداولة في يوميات المشهد السياسي.
لم يخف على كثير من المراقبين أن المتغيرات التي بدأت مع انتخاب رئيس الجمهورية في التعاطي مع السياسة والمجتمع، وفي الإنجاز وفي القرب من المواطنين وفي خدمتهم والانحياز إلى المواطنين.
كان التغيير المتوقع عند بعض السياسيين هو توسع دائرة المعارضة، ودون أي معيار سياسي منطقي لا يرى هؤلاء تغييرا لا يمنحهم البقاء أو لا يأتي بمماثلين لهم.
كل المؤشرات كانت دالة على أن ركنين أساسيين كانت المعارضة تعتمد عليهما انهارا بشكل كامل منذ وصول فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وهما:
- خطاب المظلومية ودعوى الحيف: وهو خطاب شهدت المعارضة قبل غيرها بأنه غير مجد، وأن السلطة هي من يدعو إلى الحوار ويمهد السبل إلى التوافق، وعكس ما كان سائدا من خطاب الشتائم والسباب الموجه إلى المعارضة من أكثر من جهة في الأنظمة السابقة، فإن اللغة اليوم راقية والأسلوب مرن، وسبل التلاقي كثيرة وأبواب التلاغي مغلقة، ورؤية رئيس الجمهورية أن الوطن يسع الجميع وأن اختلاف المواقع السياسية لا يقتضي الصراع، وبهذا سقطت تلك الورقة التي حملتها بعض أطراف المعارضة ما لا تتحمل، سواء في المظلومية السياسية أو العزف على وتر عنصري ترامى النسيان نغماته غير المطربة مع مرامي ومضامين خطابات رئيس الجمهورية في وادان ونداء جول.
- استغلال الفئات الهشة: والاستفادة من الريع السياسي لخطابات التحريض والتطفيف، وقد سقطت هذه الورقة بعد أن امتدت يد الخير دون تمييز إلى المواطنين المهمشين والضعاف عبر برامج متعددة نفذتها تآزر، وعبر التأمين الصحي المجاني وعبر خدمات متنوعة في الصحة والتعليم والمياه والمنشآت.
ولعل من الوهم بمكان أن يتوقع طيف أو طرف أو عقل سياسي أن لا تكون هذه الإنجازات وهذه الروح الإنسانية موضع تقدير واحتفاء من المواطنين الذي يملكون بالفعل روح التقدير والوفاء ولن ينسوا من أعانهم ولا من أعان عليهم.
ولا شك أننا جميعا نتذكر كل تلك الانتقادات التي صدرت من بعض الغيورين علينا بأننا لم نستطع تسويق هذه الإنجازات النوعية ولم تواكبها حملة استغلال سياسي، واليوم تأتي نتائج العاصمة بل ونتائج البلاد بشكل عام لتؤكد بوضوح أن رسالة الإنجاز كانت أنصع وأفصح من أي خطاب إعلامي أو أداء سياسي، وقديما وحديثا كانت الجودة والإتقان أبرز وسائل التسويق وأسرع رسل الإبانة والتبليغ.
لا يسعني مقام الاستفاضة في قراءة رسائل هذه الانتخابات، التي ستعيد بناء الخريطة السياسية بشكل عميق، إلا أن أتوقف بتقدير وإكبار لأخي العزيز رئيس حزب الإنصاف ماء العينين ولد أييه الرجل الذي يعمل كثيرا، ويتكلم قليلا وبرزانة وإبانة وأخلاق عالية، فقد كانت إدارته النوعية وتنسيقه التام لمختلف حيثيات وفعاليات الحملة وروح الإخاء واللباقة التي طبعت عمله وأسلوبه جزء أساسيا من صناعة النصر الذي تحقق والتحول السياسي العميق الذي أرست معالمه انتخابات 13 مايو 2023.
أرنو إلى جبال تكانت الشماء وأدويتها ونخيلها وأجدد لزملائي الذين رافقوني في حملة حزب الإنصاف التهنئة بما حققوا من نتائج باهرة ومن نصر حاسم وتلك رسالة أخرى تجري بالخير واليمن كما تجري بذلك وديان تكانت المفعمة عطاء ونماء وشذى تاريخ نبيل.
أجدد الشكر لكل ساكنة تكانت فاعلين وأطر ووجهاء
وإلى كل ناخب، والتهنئة للفائزين.