السودان : صراع الجنرالين.. هل يقود لحرب أهلية؟ / السلطان ولد البان - صحفي موريتاني مقيم بلندن

أربعاء, 26/04/2023 - 17:03

 

الحرب في السودان اتخذت مسارًا مقلقًا، بعد أن اندلع الخلاف بين جنرالين متخاصمين على السلطة: الفريق حميدتي والبرهان، طالت عمليات الكر والفر بينهما وبدأت الدول الغربية تسحب رعاياها وتعلّق العمل بسفاراتها رويدًا رويدًا وكأنهم يقولون إن الأمر بات متروكًا لحلول السّماء، هذا المشهد عدَّه بعض المحللين نذير شؤم لحربٍ أهلية أعادت للذاكرة ما حدث في رواندا عام 1994 عندما بدأت الدول الغربية تسحب رعاياها وتغلق سفاراتها في العاصمة "كيغالي" معلنةً الحرب الأهلية بين "الهوتو" و"التوتسي" لتبدأ أطراف غربية بتسليح "الهوتو" على حساب "التوتسي"، والذاكرة تحتفظ بمآسي تلك الحرب الدموية المؤلمة، فهل يتكرر المشهد في السودان؟

تقول 12 يومًا من الحرب الضارية والاقتتال في السودان بين الأشقاء أننا على خطى ثابتة لـ"حرب أهلية"، وتشير إلى ذلك المواقف الدولية التي لم تكن بالحكمة الكافية، ولهذا لزامًا علينا البحث بعمق عن الخيوط التي يمكن أن نقرأ منها حقيقة ما يدور في السودان، لا شك أن الثروات الطبيعية أبرز عوامل الإشكال، لأنها ملتقى تصادم المصالح المشتركة بين الفرقاء، دون أن ننسى الأزمات الطبيعية التي ساهمت في فتيل الأزمة، إضافة إلى الوضع السياسي المضطرب منذ مدة، الذي تأثر كثيرًا ببؤر النزاع الملتهبة على مدار الساعة في القارة السمراء.

تعاني إفريقيا منذ سنواتٍ التغيرَ المناخي، وتخسر سنويًّا ما بين 10 إلى 15% من ناتجها الإجمالي، ومن هنا تنطلق أولى شرارة الحروب، ولطالما كان السودان صاحب التكلفة الباهظة في هذا الاتجاه، إذ نزح ملايين السودانيين في السنوات القليلة الماضية بسبب الفيضانات، والشيء نفسه أصاب الخط الجغرافي الرابط بين السودان وصولًا إلى جمهورية مالي، عندما يشتد القحط والجفاف على الإنسان الإفريقي يصبح خيار حمل البندقية الأمر الأيسر.

انتشر في العقد الأخير كثير من فوضى الحروب والانقلابات العسكرية، خصوصًا مع ظهور ثروات طبيعية هائلة في عدة بلدان فقيرة، وهذ ما فتح شهية الدول الغربية التي تبحث عن تأمين لمستقبلها بعد تداعيات جائحة كورونا والحرب الأوكرانية التي فاقمت من نكدها، خصوصًا في مجال الطاقة. ناهيك ببحث الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين عن موضع استراتيجي في إفريقيا يعزز سياستها الدولية لقيادة العالم.

لا شك أن هناك مطامعَ في السودان الذي يملك جغرافيا خصبة وشاسعة مبسطة فوق ثروات معدنية نفيسة أولها اليورانيوم والذهب، إضافة إلى بحيرات نفطية هائجة، هذه الثروات المعدنية تُسيل لعاب الشركات الغربية ودولها لتتشكل معالم خيوط أكثر تفاصيلًا لما يعيشه السودان الآن، الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسودان ليس أقل قيمة من هذه الثروات الباطنية، وهو كشفته روسيا مبكرًا وحاولت بناء قواعد عسكرية في البحر الأحمر؛ ما أصاب الولايات المتحدة الأمريكية بالامتعاض؛ إذ كانت تتابع الوضع من كثب. وقد تحدث تقرير أعدته "كاثرين هاورلد" نُشر في صحيفة "وشنطن بوست" عن علاقات وطيدة بين الأطراف المتصارعة في السودان و"فاغنر"، وهذا يقودنا أيضًا إلى ما تحدث عنه الإعلام الأمريكي من أن روسيا تحاول بناء كونفدرالية في إفريقيا معادية للغرب.

بات واضحًا وضوح الشمس في رابعة النهار إمكانية وقوع حرب أهلية بأدوات خارجية بمجرد أن نتابع تعامل الأسرة الدولية مع هذه الحرب إسقاطًا على أوكرانيا، ففي هذه الأخيرة لم نسمع عن خطط للإجلاء ولا عن إغلاق السفارات وتعليق عملها الدبلوماسي، بل على العكس؛ توالت المؤتمرات والقمم الواحدة تلو الأخرى ساعيةً لفض النزاع ومعاقبة المعتدي مع إعداد برامج هجرة خاصة للمواطنين الأوكران، في حين أن المشهد في السودان يختلف كليًّا، فانسحاب الأسرة الدولية وإغلاق السفارات يفسح المجال لقابلية تدخل أطراف أخرى في الصراع مثل: جمهورية مصر التي يرتبط واقع السودان بأمنها الداخلي، وليبيا التي تعاني تبِعات سيناريوهات مشابهة، كما اتُّهِمت بتزويدها "الدعم السريع" بمعدات عسكرية، ثم السعودية الملاحقة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أبدت نيتها بدء شراكة دولية بعيدًا عن الولايات المتحدة الأمريكية. ربط هذه النقاط مع بعضها يمكن أن يعطينا تصورًا عن خطورة الوضع واحتمالية اتساع دائرة الصراع كلما طالت أيام الحرب في السودان، فهل يقودنا الصراع في السودان إلى حرب أهلية مفتوحة أم أنه بداية لاستدراج أطراف إقليمية محاذية للسودان؟

الكاتب و الصحفي/ السلطان البان

تصفح أيضا...