خفض دعم المحروقات - أخف الضررين / سيدي أحمد ولد التباخ

سبت, 16/07/2022 - 00:19

 

خلال السنتين الفارطتين وما مضى من هذه السنة شهد المنحنى البياني لأسعار النفط (الخام الأساسي للمحروقات) تصاعدا متواصلا، تبرره - للأمانة - عوامل موضوعية متعددة.
احيانا يتراجع هبوطا، لكنه هبوط من أعلى سعر الى سعر أقل يبقيه في إطار الزيادة دائما دون ان يهبط الى ما قبل بداية الصعود.
كان هذا في كل أسواق النفط على امتداد الكوكب.
لكن في بلادنا، بدا وكأننا غير معنيين بهذا النسق التصاعدي المتواصل.
لقد مكنت آلية الدعم المباشر لأسعار المحروقات بلادنا من البقاء بأمان في مواجهة أي زيادة مستجدة على المستوى الدولي.
بالنسبة للاقتصاديين، لا يعتبر هذا نهجا مثاليا لأن الارصدة الوطنية تخسر سنويا ما يفوق مائة وستين مليار اوقية جراء الدعم المباشر لأسعار المحروقات.
لنتفق ان خفض الدعم هو ضرر حقا، لكن استمراره ضرر آخر،
كيف؟
يجهل "خبراء" فيس بووك ان الشعب الموريتاني هو من يدفع التكلفة الضخمة لدعم اسعار المحروقات، وسواء تم الدفع بشكل غير مباشر عن طريق دعم الأسعار او تم بشكل مباشر عبر الشراء من محطات الوقود على الشارع فإن الشعب الموريتاني في النهاية هو من يدفع، وبالتالي هو من يخسر، مع ملاحظة التباين الواضح في أعداد "الخاسرين" ففي حين يخسر كل الشعب الموريتاني من خلال دعم الأسعار (على أساس ان تمويل الدعم يتم من خلال ميزانية الدولة) فإن من يخسر عبر الطريقة الأخرى هو شريحة محدودة (ملاك السيارات)، وحتى لو قبلنا وجود خسارة شبه جماعية اخرى تعبر عنها زيادة محتملة في اسعار المواد الأخرى إلا أنها تبقى - هي الاخرى - محدودة قياسا الى حجم ومستوى الخسارة الجماعية جراء الدعم المباشر للأسعار.
ثم،
أليس من المناسب النظر، مع شيء من الإشادة، الى التأخر الشديد في تقليص الحكومة لهذا الدعم (الذي تسبب في زيادة الأسعار بالنسبة للمحروقات) مقارنة ليس بدول الجوار فقط وإنما كل الدول تقريبا بما فيها الدول المنتجة للنفط ذاتها؟ (اسعار المحروقات في دولة الامارات العربية المتحدة، وهي دولة منتجة مصدرة للنفط، تزيد عن اسعار نفس المادة في بلد مستورد لها مثل موريتانيا).
حين جاء الرئيس الحالي "محمد ولد الشيخ الغزواني" كان واضحا انه ليس جابيا للمال، ففي حين كان سلفه يواصل "عصر" الشعب من خلال الامتناع عن خفض اسعار المحروقات لتتناسب طرديا مع انهيار اسعارها دوليا، امتنع الرئيس "غزواني" عن رفع الدعم ولو جزئيا عن أسعارها حتى برغم الطفرة الهائلة في أسعار خاماتها دوليا، ولم يسمح بتخلي جزئي من جانب الدولة عن دعم الأسعار الا مضطرا وبعد ان تأكد أن الشعب الموريتاني يخسر جماعيا من استمرار دعم اسعار المحروقات بهذا المستوى.
بدلا من صب اللعنات وتدبيج عبارات النقد السلبي علينا ان نفكر في البعد التنموي، الاقتصادي والاجتماعي لقرار الحكومة خفض الدعم جزئيا لاسعار المحروقات، وان نسعى لكبح جماح الطمع والنهم الذي قد يدفع بعض التجار الى استغلال القرار لفرض وتمرير زيادات غير مبررة على مستوى اسعار المواد الغذائية والسلع التموينية وخدمات النقل العمومي وغيرها.
تلك هي معركتنا الآن، والتحدي الذي علينا ان نواجهه معا، شعبا وحكومة، حتى نعبر المرحلة في اتجاه شاطئ الأمان إن شاء الله.

سيد احمد التباخ - إعلامي

تصفح أيضا...