الحرب في أوكرانيا وملامح نظام عالمي جديد../ سلطان ولد البان - صحفي موريتاني مقيم بابريطانيا

سبت, 25/06/2022 - 22:19

 

وزير الإقتصاد الألماني يقول ؛إن قلة إمدادات الغاز لألمانيا قد تتسبب في وقف الصناعة الألمانية " وذكر موقع "Bloomberg "الجوع وصل لذروته في أمريكا.."  

في الجزء الذي يتعلق ب bloomberg نجد أن التقرير يركز على الفترة الأخيرة المتعلقة بالحالة المعيشية للمواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية بعد جائحة كوفيد منذ تولي بايدن إدارة البلاد وحجم تأثيرات الحرب الروسيه الأوكرانية التي باتت حربًا اقتصادية بامتياز و أشارت نتائج التقرير إلى محنة الإقتصاد العالمي من موجة التضخم بعد فترة قصيرة من التعافي جراء جائحة كوفيد التي شلت حركة العالم ودهورت اقتصاداته . كما زاد معدل الجوع في الولايات المتحدة بشكل كبير بسبب فشل سياسية بايدن الاقتصادية حسب معطيات الحالة الاقتصادية التي تشير إليها البيانات.

وبالعودة إلى الحرب نجد أن محاصرة روسيا اقتصاديا لمحاولة عزلها عن العالم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي لها ترجمة من نوع من خلال معطيات الحرب الميدانية ، تشير تلك الترجمة إلى سيطرة روسية بالكامل على أهم مدن البلاد وأكثرها حركة اقتصادية ، حيث باتت روسيا اليوم على مسافة قصيرة من السيطرة على مدينة "سيفرونتيسك" الإستراتيجية بعد سيطرتها على إقليم دونباس الذي يعتبر أهم جغرافيا في أوكرانيا الخاصة بالصناعات الاستراتيجية في شرق البلاد وعلى رأسها صناعة الأسمدة النايتروجنية التي يُعتمد عليها في المجال الزراعي وهي محور الأزمة العالمية الحالية للغذاء ، والذي يتابع عملية سقوط المدن الأوكرانية يدرك تمامًا أن روسيا تقوم بحرب محورية لشل حركة أي عدوان مستقبلي إتجاه الأراضي الروسية من خلال إقامة ما يشبه -حزام على الأراضي الأوكرانية المحاذية لروسيا- وهذه خطة أمنية إستراتيجية لتأمين روسيا من أي خطر مستقبلي قد يهدد أمنها من "كييف" سيكون من الصعب أن يشكل ذالك التهديد المحتمل خطرا حقيقيا على روسيا بسبب الوضع الجغرافي الجديد الذي رسمته روسيا.

أما بالنظر إلى الجانب الأوروبي وتداعيات هذه الحرب وسط إعلان برنامج الغذاء العالمي من ألمانيا عن تهديد حقيقي يواجه 1,4 مليار جائع على ظهر الكوكب بسبب نقص الغذاء، نجد الشعوب الأوروبية بدأت تشعر بالملل من هذه الحرب و سط حديث عن عدم جدوائيتها ، وهذا ما أشار إليه بوريس جونسون يوم أمس في مقابلة خاصة قال فيها ؛ هذا الملل والتباين في الرُّأى حول المواقف إتجاه الحرب الحالية ربّما يشكل ورقة ضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات سياسية من شأنها أن تكسب بوتين الرهان وهذا طبعًا ما لا يقبله الغرب لأنه سيشكل لهم إحراجًا كبيرا.

وفي ذات الشعور الأوروبي وتداعياته نجد أيضا نوابًا برلمانيين في إيطاليا أعلنوا رفضهم تقديم أية مساعدات لأوكرانيا وهذا ما يشير إلى قلق حكومي كبير في معظم دول أوروبا مخافة خروج شعوبهم إلى الشوارع بسبب غلاء المعيشة وتفاقم الوضع الإقتصادي. فقد شاهدنا مظاهرات في بلجيكا يقول؛ منظموها أنهم يعانون من نزوح الأوكرانيين إلى بلادهم الذي سبب مشاكل اجتماعية واقتصادية كبيرة نظرًا لإختلاف الثقافات حسب ما ذكره المحتجون، كما ظهرت احتجاجات في فرنسا بسبب الاوضاع الاقتصادية وقام المتظاهرون برمي النفايات على بعض المراكز الحكومية تعبيرا عن امتعاضهم من الأحوال المعشية المتفاقمة.

أما بالجزء الذي يتعلق بمنح أوكرانيا صفة مرشح لعضوية الإتحاد الاوروبي الذي كثر حوله الكلام واعتبره البعض خطوة مهمة ربما لعدم فهم البعض الدقيق لماهية هذه الصفة، دعوني أخبركم أيها السادة المحللون السياسيون الأعزاء أن صفة "مرشح للعضوية في الإتحاد الأوروبي" لا تلزم أوروبا بأي شيء وهذا بالضبط ما ذكره الصحفي كريستوف شيلتر بصحيفة "ديفيلت الألمانية" في مقال له حول ترشيح الإتحاد الأوروبي لأوكرانيا للانضمام و وصف الكاتب هذه الصفة بأنها نوع من الوهم و العبث و لا تضع أوروبا أمام أي إلتزامات مستقبلية في هذا الاتجاه.

وعلى مستوى الإقتصاد العالمي ومجموعة ما يعرف ب BRICS التي تضم ماكنة الاقتصاد العالمي نجد تصريحات الهند حول العقوبات الاقتصادية على روسيا حين قالت ؛ الهند لن تنضم لقائمة دول التي تفرض الحصار الاقتصادي على روسيا وهذا منطقي جدا بسبب ما تفرضه الضرورة الانتمائية لأن الأخيرة عضو في مجموعة BRICS و التي بدأت اجتماعاتها الفعلية هذه الأيام داخل الهند، واتفقت روسيا والصين على الاستعداد لمواجهة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية حسب ما ذكر موقع Markets Insider وهذا ما تترجمه القيمة الحالية لعملة الدولار التي اخفقت بشكل ملحوظ أمام سلة العملات الدولية بالرغم من إعلان البنك الفدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة في الأسابيع الماضية كخطة إقتصادية لمواجهة التضخم الذي يضرب الإقتصاد الأمريكي.

ولمن لا يعرف مجموعة BRICS هي مجموعة إقتصادية عملاقة تأسست عام 2009 وقد أعلنت المجموعة منذ حوالي شهر تقريبًا على لسان وزير الخارجية الصيني دعوتها لمجموعة من الدول في الشرق الأوسط و إفريقيا للانضمام إليها كونها تملك تأثيرا قويًا على الإقتصاد العالمي حيث دعت المجموعة جمهورية مصر للانضمام لأن مصر تمثل محورا استراتجيا لممرات التجارة العالمية، كما وجهت المجموعة دعوة للإمارات والجزائر و موريتانيا للإنضمام ، حيث تعتبر هذه الدول وجهة جديدة لسوق الطاقة العالمية ،فالجزائر وموريتانيا تعتبران سوقا واعدة للطاقة التي يحتاجها العالم خصوصا موريتانيا الدولة الصاعدة في هذا المجال بعد اكتشافات ضخمة لحقول نفطية.

و من خلال هذه القراءة المتواضعة وعبر عملية الإستقراء لحركة العالم السياسية و الاقتصادية خلال العقد الأخير وتداعيات الحرب الروسيه الأوكرانية الحالية ندرك بشكل جلي أن تغيرات كبيرة حدثت على مستوى القوة العالمية الاقتصادية التي اصبحت تقودها كل من الهند والصين وروسيا وبلا شك هذا التغيّر له أثر كبير في المستقبل على السياسات العامة وتأثيرها على شعوب العالم.
كاتب صحفي مقيم في بريطاينا 
سلطان البان

تصفح أيضا...