يعتبر التمدن الفوضوي الكاسح الذي شهدته معظم مدننا خاصة العاصمة نواكشوط نتيجة نزوح سكان القري والأرياف طلبا لعيش كريم في ظل موجات الجفاف الخانقة، بالإضافة لتراجع دور المحاظر في تربية النشء، وكذا الفقر، والجهل، وغلاء المهور، وهيمنة العادات الاجتماعية الضارة، عوامل من بين أخرى ساهمت في تفشي العلاقات الجنسية غير المضبوطة، سواء من خلال كثرة وفوضوية الزيجات، أو عن طريق ممارسة الرذيلة، وتعدد الشركاء والشريكات.
وقد أدى هذا الأمر إلى تزايد مخيف في الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس، كـ"السيدا" و"الكبد" و"الزهري" و"السيلان" وغيرهم في بلادنا.
ومن هذا المنطلق، واعتبارا له، وحرصا على المصلحة العامة، أصبح لزاما على الدولة بصفتها المسؤول الأول عن هذه المصلحة رعاية، وتنظيما، ضبط ما يمكن ضبطه، على الأقل فيما يتعلق بالزواج.
في اعتقادي أن الأمر سهل جدا، فهو لا يعني الشك في الشريك، أو الريبة في سلوكه، أو أخلاقه، كما أن الإصابة بأحد هذه الأمراض كالسيدا أو الكبد، ليس إدانة، ولا يعني أن المصاب بها مارس محرما، أو انتهك محظورا، فطرق انتقال هذه الأمراض متعددة، فهي يمكن أن تنتقل عن طريق آلة حلاقة، أو اثناء الولادة، أو إثر استعمال آلة حادة ملوثة بالفيروس.
إذاً ما العمل؟
يجب على الدولة أن تفرض معاينة طبية للزوجين قبل الزواج، مع إجراء فحوص للزوجين، عقبها يتم تسليمهم شهادة لترفق مع ملف عقد الزواج وبصفة إجبارية.
هذا الإجراء لن يمنع من الزواج إلا في حالة خاصة نادرة.
الاحتمالات:
1. نفرض أن الزوجة مصابة بمرض الكبد المزمن، والزوج سليم، في هذه الحالة نقوم بإعطاء جرعتي تلقيح للزوج بينهما شهر، وبعدها يتم القران دون أي مشكلة. وبالطبع يلقح الأطفال عند الولادة لأن أمهم مصابة.
2. نفرض أن الزوج مصاب بمرض الكبد الوبائي، والزوجة سليمة، في هذه الحالة تأخذ الزوجة جرعتي تلقيح يفصل بينهما شهر، بعدها يمكن أن يتم القران، وليست هنالك أي إجراءات أخرى.
بالطبع، سيتطلب الأمر معاينة روتينية مع طبيب الجهاز الهضمي لكل مصاب بالفيروس، وبصفة منفصلة عن الزواج.
3. في حالة إصابة الزوجين بالكبد، يمكن عقد القران مباشرة دون تلقيح، ولكن يعطي التلقيح للأولاد عند الوضع لحمايتهم.
4. في حالة إصابة أي من الشريكين بالتهابات جرثومية أخرى، كـ"الزهري"، و"السيلان"، يعطى جرعة دواء من أسبوع إلى أسبوعين وينتهي الأمر.
5. في حالة إصابة أحد الزوجين بـ"السيدا" يخبّر به الطرف الآخر، ويخير بين قبول الزواج أو رفضه، ليقدم على بينة، ووعي، وإن كانا مصابين معا فلا إشكال.
إذاً، هي أمور سهلة لا تمنع الزواج، والهدف منها منع إصابة الشريك، أو ضمان تلقي العلاج إن كان مصابا قبل أن ينقل العدوى للطرف الآخر، كما أنها لا تتعارض مع الإجراءات الشرعية والعرفية للزواج.
ويجب على العلماء، والإعلاميين، والأطباء، نقاش هذه الأمور علنا، وإخراجها من المكبوتات لكي يساهموا في تبسيطها، وتقبل المجتمع لها، لما في ذلك من إنقاذ أنفس من خطر محقق، ونشر للوعي الصحي السليم، ولاستشعار المسؤولية الشرعية والأخلاقية تجاه الآخرين.