الرباط: مدينة.. وذكريات../ محمد السالك ولد ابراهيم

خميس, 09/06/2022 - 06:58

العاصمة الرباط هي مدينة أصيلة لكنها في تغير مستمر.. تعجبني ديناميكيتها وتحفزها الدائم للتواصل بين الماضي والمستقبل.. إنها مدينة تتنفس القديم والجديد في تناغم عجيب.. الرباط لا تترك  زائرها دون أن تهمس إليه بانطباع راسخ بأن فيها دائما ما هو مغر وجديد إلى جانب ماهو قديم وأصيل في تعايش وانسجام محير.. في الأصل كانت الرباط هي قصة لقاء النهر والبحر حيث بقيت المدينة القديمة بأسوارها وقلاعها أو قصبة "لودايه" تغسل أحد قدميها في البحر بينما تغسل الأخرى في مياه وادي أبي رقراق المتدفقة، وهي جالسة القرفصاء عند مصب الدلتا متربعة فوق العدوة الصخرية الغربية منذ عهد الأندلسيين ونكبتهم..

أما  اليوم فها هو الكورنيش الجديد الرائع الذي يمتد على طول ضفة نهر أبي رقراق  يحتضن تشييد برج شاهق جديد ينتظر أن يكون الأعلى في إفريقيا، وهو الآن يرتفع بأبهة قبالة "قلعة حسان" التاريخية.. أما قطار الترام فقد فاجئني وهو يتسلل بانتظام ليبعث حيوية ودفء في أحياء وسط المدينة وشوارعها الهادئة التي كنت أعرفها جيدا  أثناء دراستي فيها مع نهاية الثمانينيات.

 في في كل مرة أزور فيها الرباط تنتابني مشاعر مختلطة وتتداعي إلى ذهني ذكريات متداخلة.. وهو ما حدث لي اليوم وأنا أنظر من عل إلى ازدحام سيارات وفود الدول الإفريقية الأطلسية أمام محل إقامتهم في فندق "قلعة حسان"..  الذي هو أحد أعرق الفنادق في المغرب حيث يعود تاريخه لبداية القرن العشرين.. بينما كنت أستمتع بمنظر غروب شمس الرباط خلف سحب بنفسجية غامقة كانت تتلبد فوق مياه المحيط الأطلسي في عصر يوم اجتماع وزراء دول إفريقيا الأطلسية هنا في الرباط.. فتتداعى إلى ذهني ذكريات شلتي من الطلاب وهم جماعة من الظرفاء كانت تجمعنا شقة في عمارة بحي المحيط عند تقاطع شارع المغرب العربي مع شارع فرحات حشاد، غير بعيد عن الحي السكني الجامعي  مولاي اسماعيل حيث قهوة صديقنا الطيب "محمد الشلح" الذي كان يفتح لنا دولاب التحصيل في القهوة لنستلف من عنده دراهم بيضاء في الأيام السوداء..

أتذكر بأننا كنا نعبر حي الحمضيات les orangers في طريقنا إلى كلية الآداب بجامعة محمد الخامس، حيث كان يدرسنا آنذاك عمالقة العلوم الإنسانية والفلسفة ابتداء من الجابري وطه عبد الرحمن وصولا إلى محمد وقيدي وكمال عبد اللطيف ومحمد سبيلا وغيرهم..

في فندق قلعة حسان شعرت اليوم بأن روح صديقي الحميم أمربيه ربو ولد الشيخ الدكتور  أحمد الهيبة ولد الشيخ ماء العينين، كانت ترفرف بلطف وسكينة في هذا المكان العتيق والباذخ.. فمنذ أكثر من ثلاثين سنة، كنا نلتقي معا في هذا الفندق.. نشرب الشاي ونناقش كل شيء.. بينما كان العالم يعيش آنذاك مذهولا بسقوط جدار برلين وإسقاط الرئيس الروماني نيكولاي اتشاوسيسكو.. كان رحمه الله تواضعا وظريفا.. يعرف لي نفسه دائما بأنه "رجل متأخر ن البيظان..

 وتظل الرباط مدينة البحر والنهر بامتياز.. وليس من قبيل الصدف أن يتم اختيارها هذه السنة كعاصمة للثقافة الإفريقية.. إنها فعلا  مدينة جميلة بمناظرها.. ووديعة بذكرياتها من أيام الزمن الجميل..

تصفح أيضا...