مهرجان مدائن التراث:  واد من السياسية وواد من الثقافة.  (الجزء2) / عبد القادر ولد محمد

أحد, 26/12/2021 - 10:09

 

يمكن القول بان   لوحة  الإجماع السياسي التي تم رسمها  في وادان  ساهمت في إعطاء صورة ايجابية عن مهرجان مدائن التراث في ثوبه الجديد و ان  اهم  مكسب  يتعبن توطيده  الان   هو الحفاظ  على  الضروري من الإجماع السياسي   حول  الثوابت الوطنية.  
و مما لا شك فيه  أن  الحقل الثقافي يشكل  بطبيعته  أرضية خصبة   لتلطيف الجو  الذي  عكرته  خلافات السياسين  ..
ثم  أنه يتعين   للامانة و من باب  الإيجابية  أن  نثمن الجهود التي قامت بها الجهات المعنية بتنظيم التظاهرة   من  اجل  تحسينها و تطويرها..
لكن  بالمقابل   .لا يجوز  لنا  اطلاقا  ان ننسى  بان  ثقافة التثمين  الناجمة عن الفكر السياسي  الاحادي ما زالت  محل ريبة  بفعل الإفراط  في التمجيد   و تزكية النفس  و غياب التقييم  الموضوعي الذي  يتطلب  القدرة على قبول أراء المخالف    و الاعتراف بالأخطاء...
شخصيا  عبرت   عن اهتمامى  بهذا الحدث  في  وقت مبكر حيث انني نشرت بشهر يوليو 2021 مقالا  باللغة الفرنسية    تحت عنوان : " مؤشرات من اجل تفعيل دينامكية الديبلوماسية الثقافية " في  العدد  56  من    مجلة الموكب التي تصدر  عن اللجنة الوطنية لليونيسكو  و التي يفترض أن تلفت  اهتمام  المعنيين بتسير  التظاهرة  و قد  بعثت المقال مع ملخص باللغة العربية  إلى العديد من الذين  يهمم الامر  بل انني  ناقشت  محتواه  مع بعضهم .
   لم  يحصل لي شرف  المشاركة  في تحضير   مهرجان مدائن التراث  و لا في حضور  وقائعه  .. لكنني سمعت  و قرأت عنه  و  شاهدت  و تابعت  بعض جزئياته . خصوصا  في ما يتعلق بتنظيم الخيمةالدبلوماسية. 
و يمكن القول  انني سعدت كثيرا   بان     المهرجان  في ثوبه الجديد   نال  اعجاب  العديد من الدبلوماسيين و غيرهم من الباحثين  و المهتمين الأجانب  بالشأن الثقافي. 
لقد كانت أصداء  الحضور الديبلوماسي   اكثر   قوة  مما كان عليه الأمر  في السنوات الماضية  وذلك بفعل  التنسيق بين قطاعي الخارحية و الثقافة  خصوصا  في ما يتعلق   بفكرة الخيمة الديبلوماسية  التي احتضنت  من باب  المستجدات    محاضرة   قدمها   الوجه الثقافي البارز   الاستاذ  الخليل النحوي   حول الإسلام والاخر  .
و بالجملة كانت  الأصداء ايجابية  رغم  ما سمعته من مآخذ   تتعلق بالتنظيم  و  بتشابك الصلاحيات  بين القطاعات الحكومية و باخطاء بروتوكولية لاحظت بعضها بأمي عيني و سمعت عن بعضها و بامور أخرى   يمنعني واجب التحفظ  من  الخوض فيها  علنا  و  لعلها  مما  ينبغي تركه  لمذكرات  المتقاعدين أن كان في العمر بقية ..
لكن لا بد أن أشير هنا  إلى انني وددت  ان  تكون الخيمة الديبلوماسية  مناسبة  لتنظيم لقاء،   مغاربي  ثقافي حول المديح النبوي  وذلك لان الدول المغاربية لها عادات متشابهة  جدا  في مجال السماع و المديح النبوي و تتوفر  كلها على  فرق ذات طابع .اندلسي  عريق ..  
و يوجد هذا السماع الأصيل عندنا في موريتانيا    الا ان  الالة  غابت عنه  لاعتبارات فقهية  حيث أنه  عادة يتم اداءه  في المساجد خصوصا بالمدن القديمة مع  ان شواهده العديدة  بقيت  قائمة  في الهول ( الموسيقى  ) . و على كل حال   فبنفس الطريقة  التي جمعت بها قطر العرب على الرياضة كان بإمكان موريتانيا   أن تجمع المغاربيين   على ثقافة  المديح النبوي الشريف .
 و قد عبرت  عن الاهتمام   بهذا الموضوع بالذات  في مقال  تحت  عنوان "ابن  مهيب :  طرب أندلسي من التراث الموريتاني المنسي " نشرته جريدة  الثقافة  في عددها الخامس الذي تم توزيعه  إبان المهرجان  ..
و لعل   اهم  ما ميز مهرجان مدائن التراث في ثوبه الجديد هو  اسناد  تنظيمه إلى متخصص  في الفن السابع  الذي كاد أن  ينسى في خانة " الهم العاشر "  بالنسبة  للموريتانيين لولا  تطور التقنيات الجديدة  و ما يترتب عليه من أهمية قصوى   للصورة  بغية اعلام الناس بصفة عامة و   للدعاية و للتحسيس   بصفة خاصة . 
و يبدو  بالفعل أن الصورة  التي جاءت  من وادان ساهمت بكثير في خلق انطباع  جيد عن التظاهرة ..
و أذكر  ضمن اللقطات  الكثيرة اللافتتة للانتباه بخروجها  عن المألوف  و التي ترمز إلى التجديد  و إلى الحداثة   لحظة تصوير معالي وزير الثقافة  السيد المختار ولد داهي   يرافق  بالتصفيق  رقصة المسؤول المباشر عن تنظيم  مهرجان مدائن التراث السيد عبد الرحمن سيسوقو  على  طبل مديحية  تذكر " حفرة ودان "  ..
و تبقى حفرة ودان  بمثابة  اللغز الذي حير  اهل الثقافة و اهل الطبيعة  حيث  أن هذه العبارة  المألوفة   عند الأهالي  و التي  يتم  تكرارها   بنبرة الشوق في المديح الشعبي     قد تعني عين الارض التي تنظر منها إلى السماء و   المعروفة  بقلب الريشات ..
ثم أن لغز  وادان  المدينة القديمة. التي   حصنت بسورها الاسطوري مخزونا  من  الثقافات المتنوعة  فرض نفسه بطبيعة الحال  في مهرجان  مدائن التراث  فكان   الهاما لتفكير  الزوار  و الزائرين .. و المفكرين.
فليس من  رأى وادان   كمن  سمع عنها ..لا ن المدينة   تبدو  من  بعد  لزائرها كهضبة حجرية  خالية من البنيان     و بقدر   اقترابه منها  تيدي له زينتها   و آثار  أهلها الطيبين  العاضين  على  تراثهم  بالنواجذ  ..
  فيقف  حائرا  في أمرها  مستفهما  عن ما جرى لها  و بدخوله في  زقاقها حيث عبق التاريخ  يسمعها و لا يراها فتحدثه  عن ماضيها و تبوح  له  بأسرار  تراثها الثقافي   المتنوع.  ففي كل وقفة   بمكان من أماكن الذاكرة  تحدثه  المدينة  على نهج التحقيب التاريخي..  عن الأجيال التي تعاقبت  عليها   فهنالك في رحاب بركة  أسرة الصلاح  اهل شماد    يوجد    " ميزان القوة "   المعروف محليا   ب  ' اروزه" و هو  عبارة   عن حجر  ذي وزن ثقيل  معروض  للمنافسة ببن  الرجال    في الساحة العمومية المسماة  بالرحبة  التي تقع امام منزل  الشيخ  سيدي ولد سيداتي  
   .   و في مكان آخر يخيل   للعارف  بأنه يسمع الشيخ محمد فاضل ولد محمد.   يأمر الصخرة  بان  تنفتح  لاستقبال الطالب احمد. و لد اطوير الجنة.. و في شارع الأربعين عالم   تتوالى  عناوين  تذكر   كلها بالمجتمع الواداني الأصيل  و على وجه الخصوص بأسماء  تلك الأسر  الوادانية الطيبة التي ذاع صيتها  شرقا و غربا  اهل  كتاب اهل الفاظل   اهل الناتي   اهل احمين سالم   اهل البشير   اهل الفيحح  و غيرها  ..و في وادان  الجديد  يلاحظ استثمار أبناء  المدينة العريقة  في  بناء المنازل و  في ترميمها و في الاعتناء بحدائق النخيل ... إلى جانب حفظ المكتبات و المخطوطات  لكي تظل وادان  محافظة  على الحظ الذي اكتسبته من تسميتها  واد من العلم وواد من التمر ...
لقد  شاءت الأقدار ان  يكون  نصيبي  من مهرجان مدائن   التراث  في ثوبه الجديد ساعات  قليله .من يوم  الاحد  الثاني  عشر  دجنبر   وذلك لما تم  تكليفي  بمرافقة الممثل السامي للاممم المتحدة لتحالف الحضارات السيد موراتينوس  لكن  تلك الساعات  كانت بمثابة درس جامعي من الثقافة المتعددة الأطراف.. فكان   كما يقال  منها   حج و زيارة  و على ذكر الزيارة  نويتها لرحمة طبقات  موتى المسلمين الذين دفنوا  على مر القرون بوادان ومنهم  حسب الرواية المتواترة عندنا جدي الخامس  محمد سعيد المجلسي الذي أدرك عمارة  تينيكي حيث اصل العلم    و تزوج  فيها من امنا  ادهيمه الجكنية  و للعلم فإن محمد سعيد هذا  هو ابن خالة بونا الجكني والد العلامة المختار  بن بون الجكني    
   و لوادان تاربخ طويل .مع الحج و الحجيج و الحجاج  
وقد اغتنمت فرصة تفقدنا  رفقة امام المسجد   لاثار المدينة  كي احدثه بذلك و حدثني  بدوره عن  أمور  من التاريخ و علم الأنساب و ادب الرحلات كنت  اجهلها  
 ..و في  الزيارة  دعونا   أيضا للأحياء  و كان ذلك بمناسبة دعوتنا   لمأدبة  غداء  فاخرة بمنزل  السفير  محمد بن  الوالي ول الهيبه الكشاط  الموجود. في حديقة تسر الناظرين ما شاء الله تبارك الله رب العالمين .. و كانت المادبة تحت خيمة انيقة  تنافست  فبها   ثقافة الوجبات بكل انواعها  لكن صاحب الحروف اكتفى  بمرافقة اختيار   الفنان  الأصيل  الاستاذ  سدوم ولد ايده -- الذي افاد.و اطرب. على المائدة  بشواهد الهول من مديح    ابن مهيب   ..  و قد اختار   كتلة لمفصص  (.تمر محفوظ) و حسنة الذكر   حسناء  المنظر .. كسور   وادان  .. و نعم الاختبار ...

عبد القادر ولد محمد.

تصفح أيضا...