أعادت العلمية التي نفذها مسلحون ضد وحدة مشتركة بين القوات الخاصة ألأمريكية والقوات النيجرية قرب الحدود مع مالي، يوم الرابع من أكتوبر الجاري، وسقط فيها أربعة قتلى من الأمريكيين وخمسة نيجريين، أعادت إلى الواجهة نشاط "الجماعات الجهادية" المسلحة في منطقة الصحراء الكبرى، وحقيقة الوجود الأمريكي هناك.
ورغم أن أي جهة لم تعلن حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن المصادر المحلية في الصحراء تؤكد مسؤولية جماعة "أبو الوليد الصحراوي" عن الهجوم، بل إن بعض تلك المصادر تمضي إلى القول إن المهاجمين تمكنوا من اختطاف جندي أمريكي، قد يكون مصابا بجراح، لكنها تبقى معلومات غير مؤكدة حتى الآن.
غير أن العملية وتداعياتها كشفت عن جانب آخر من المشهد في الصحراء، يتعلق بحقيقة وجود التنظيمات "الجهادية" العالمية مثل "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" في الصحراء الكبرى، وهل ما تزال تلك التنظيمات تحتفظ بوجود قوي في المنطقة.
بالنسبة لتنظيم القاعدة فإنه من المعلوم أن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، قد بايعته فور تأسيسها، وأقرت بالتبعية له، وهي جماعة تضم تحالفا من الحركات المسلحة تعتبر الأقوى بين التنظيمات "الجهادية" في الصحراء الكبرى، وفي مقدمتها "إمارة الصحراء" بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وجماعة "المرابطون"، وجماعة "أنصار الدين" بشقيها، الشمالي الطارقي، و"كتائب تحرير ماسينا" الفلانية.
أما تنظيم الدولة الإسلامية فإن أول وجود له في تلك المنطقة يعود إلى شهر مايو عام 2015 حين انشق القيادي في تنظيم المرابطون "عدنان أبو الوليد الصحراوي" وأعلن بيعة الدولة الإسلامية والولاء لخليفتها "أبو بكر البغدادي"، وقد نفذت الجماعة التابعة له عدة عمليات في مالي وبركنفاصو والنيجر، كان التنظيم يسارع إلى تبنيها كل حين، غير أنه من اللافت للانتباه أن العملية الأخيرة التي تعتبر الأهم والأكبر من نوعها في المنطقة، واستهدفت الأمريكيين لأول مرة في الصحراء، لم تجد من يتبناها حتى الآن، ولم تسارع "وكالة أعماق" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، إلى نسبتها لمقاتلي التنظيم، كما درجت على ذلك في سائر العلميات التي تنفذ في أنحاء العالم، وتكون اقل حجما من هذه العملية. وهنا لا يمكن تجاهل معطيات جديدة على أرض الواقع، وهي أن الترجيح القوي لقيام "جماعة الصحراوي" بالعملية، وإحجام وكالة أعماق عن تبنيها في نفس الوقت، يعزز الأنباء التي يتم تداولها في الصحراء منذ أشهر، والتي تتحدث عن انفصال "أبو الوليد الصحراوي" وجماعته عن تنظيم الدولة الإسلامية، حيث تؤكد مصادر من الصحراء الكبرى، أن "الصحراوي" انفصل في شهر أكتوبر عام 2016 عن تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه فضل عدم إعلانها إعلاميا، كما لم يكشف النقاب عن الاسم الجديد لجماعته، والتي كانت تعرف منذ عام 2015 باسم "جماعة الدولة الإسلامية في مالي"، كما أنه ما زال يرفض حتى الآن الانخراط في صفوف القاعدة، ويعمل مع جماعته بشكل مستقل في المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر وبركنفاصو، هذا فضلا عن أن العمليات التي نفذتها جماعته خلال الأشهر الماضية، لم يتم تبنيها من طرف تنظيم الدولة الإسلامية، بخلاف عملياته التي نفذها في النيجر وبركنفاصو، خلال سنتي 2015 و2016، فآخر هجوم تتبناه "جماعة الصحراوي" تحت اسم "جماعة الدولة الإسلامية" كان في شهر أكتوبر عام 2016، واستهدف سجن "كوتا كالي" غرب العاصمة النيجرية نيامي.
وإذا ما تأكدت أنباء انفصال "جماعة الصحراوي" عن تنظيم الدولة الإسلامية، فإن التنظيم يكون قد خسر وجوده في منطقة الصحراء الكبرى، باستثناء بعض المجموعات غير المستقرة، التي غادرت سرت في جنوب ليبيا إلى الصحراء قبل حوالي سنة، ووصل بعضها إلى شمال مالي والنيجر، لكن معظم تحركاتهم وأنشطتهم تبقى مركزة على الأراضي الليبية.
الإعلامي محمد محمود أبو المعالي