هوامش .. على "معركة العلمين" / عبد الله الراعي
تطل الواجهة الرئيسية لمدونة الأستاذ والدكتور والوزير السابق البكاي ولد عبد المالك بمجموعة كتب جميلة وبعناوين مختلفة لعل أكثرها لفتا لانتباه الزائرين "الأخلاق والأصل المزدوج" للفيلسوف نيتشه ..طبعا ليس الأمر غريبا فالرجل مشبع بالفلسفة والفكر التقدمي ..
إن ما يهمنا هنا هو العنوان فقط ثنائية "الأخلاق والازدواجية وربما المزاجية" التي لم نكن نتوقعها من شخص يحمل كل هذه الألقاب وسبق أن قطع مسافات كبيرة على طريق كان يجمعنا ويبدو أن صاحبنا ضيعه أو غادره عن قصد؛ لقد كنا نتوقع قدرا كبيرا من الحكمة والكياسة والعقلانية في التعاطي مع القضايا الوطنية وأن يكون هناك متسع ولو يسير من حفظ العهد والوفاء لنظام كان بالأمس القريب يحمل الكثير من المزايا ويتميز بتحقيق الكثير من الإنجازات على عكس ما ورد في مقال " معركة العلمين " .. كنا نسمع أن الفلاسفة يتقنون توجيه الإشارات وإسداء النصح بأسلوب جميل يختلف عن أسلوب العامة وأنصاف المتعلمين ..!
يفترض بمن هم في مكانة علمية وفكرية مرموقة الابتعاد عن الخضوع للتشكيلات الاجتماعية وحتى الأطماع الشخصية التي هي عوامل تضع بلا شك غشاوة على أعين أصحابها وتجعلهم يسيرون للخلف بل وإضاعة الطريق والوقوع في حفرة المتاهة الأبدية وبذلك يحرمون أنفسهم من تلك المكانة المثالية التي بذلوا جهدا مضنيا في الوصول إليها.
إن مدونة الأخلاق السياسية ـالتي يجب أن تكون مجودة بشكل تلقائي في ذهن أي سياسي مهما كان مستواه المعرفي أحرى أن يكون من طينة أساتذة الاجتماع والفلسفة ـ تفترض قدرا كافيا من الحيطة والحذر وحسن الفراسة في تلمس المعطيات وتحليلها بشكل سليم.
لقد جانب مقال "معركة العلمين" الصواب حين تحدث عن وجود أزمة سياسية واحتقان داخلي وسوء علاقة مع الشركاء على المستوى الخارجي وأعاد المقال اجترار ذات المصطلحات التي كانت المعارضة ترددها منذ سنوات، وكان لكاتب المقال يومها رأي مخالف تماما لما كتبه في مقاله الأخير.
وكأنه حاول تبرير اجترار مصطلحات المعارضة بهذه الفقرة التي يقول فيها : "أحيانا نكتشف فجأة أننا قد ضللنا الطريق فننوي العودة إلى الطريق الذي سلكناه في الصباح لكن الحاجز النفسي وطول المسافة التي قطعناها تحول أحيانا دون إقدامنا على تلك الخطوة خصوصا في المساء مع حلول الظلام لكننا في هذه الحالة ننسى الحكمة التي تقول : أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا".
وفي فقرة أخرى يقول سعادة الدكتور" صحيح أن طريق العودة إلى النقطة التي ضللنا فيها الطريق أصبح عسيرا وربما متعذرا بعد المسار العبثي الذي عرفته الأحداث منذ تصويت الغرفة الأولى في البرلمان ضد التعديلات الدستورية المقترحة من طرف الحكومة وما تلا ذلك من إجراءات عقابية ضدهم لا يوجد ما يبررها في الممارسة الديمقراطية السليمة.
فمنذ ذلك الحين ونحن نسير في مسار عبثي مليء بالأخطاء السياسية خصوصا من جانب النظام".
فعلا إن مغادرة طريق كنتم مندفعين فيه بل وقطعتم فيه مسافات شاسعة تستوجب منكم محو آثاركم حتى لا تكون تلك الآثار بينة وقرينة على الازدواجية أو المزاجية التي وقعتم فيها وبما أن الآثار بات من الصعب محوها نظرا لتطور تقنيات الحفظ والتخزين .. وبما أن الفضاء الألكتروني بات يحفظ كل شاردة وواردة دون أن يطلب منه أحد ذلك، اسمحوا لنا أن نذكر الرأي العام بكلام آخر لكم لعل فيه بعض الإجابات على ما ورد في مقالكم الأخير.
بتاريخ: 31/03/2016
على قناة المرابطون "برنامج في الصميم" قال الدكتور البكاي ولد عبد المالك إن رئيس الجمهورية يستحق مأمورية ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وسابعة... معتبرا أن موريتانيا تحتاج نظاما قويا ورجلا قويا بمواصفات رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز الذي أمن البلاد من خطر الإرهاب وباشر عملية التنمية الشاملة ،مضيفا أن الديمقراطية ليست أولوية وقد لا تناسبنا تماما كطريقة للحكم، مؤكدا أن الدستور نص يمكن تغييره في أي وقت.
وهنا يحق لنا التساؤل ما الذي حدث حتى يتغير رأي الرجل بهذا الشكل الدراماتيكي ..؟
وبالعودة إلى مقال معركة العلمين قال الكاتب ما نصه : " أن هناك مشكلتين جوهريتين لا أتصور حدوث استقرار داخلي أو استعادة البلد لعلاقاته الطبيعية مع الشركاء الدوليين على المستوى الخارجي بدون تسوية مقبولة لهما وهاتان المشكلتان هما الحوار الجاد مع المعارضة ومعالجة المشاكل المتعلقة بالإرث الإنساني للعبودية بطريقة منصفة".
وهنا نضطر أيضا إلى الإجابة على هذه الفقرة بما قاله سعادة الدكتور في مقابلة تلفزيونية مع قناة الوطنية بتاريخ 18/5/216 وفي رد سعادة الدكتور على سؤال الصحفي حول ما ورد في خطاب فخامة رئيس الجمهورية في الثالث من مايو 2016 بمدينة النعمة حول مخلفات الرق قال الدكتور ما نصه "في الحقيقة لابد أن نفرق بين الخطاب وتأويل الخطاب وبين تأويل النص وقراءة ما بين السطور، رئيس الجمهورية عندما تعرض في خطابه لمخلفات العبودية كان على وعي تام بما تشكله هذه المشكلة من عائق بالنسبة لمكون أساسي ومبجل من الشعب الموريتاني، ثم إن تناول فخامة الرئيس للموضوع كان من منظور الوحدة الوطنية معتبرا أنها خط أحمر خاصة في ظل التوترات التي يشهدها العالم وثورات الربيع العربي ومناخ "اللا أمن" الذي يسود في الجوار الإقليمي وفي ظل تنامي فوضى خطابات التجزئة التي تبث الكراهية وتثير الحساسيات بين مكونات الشعب الموريتاني "
وفي مقابلة أخرى مع قناة الجزيرة بتاريخ 27/12/2013 حول موضوع الرق قال الدكتور في رده على حصول برام ولد اعبيدي على جائزة من الأمم المتحدة "إن خطابات رئيس حركة إيرا تبث الكراهية بين مكونات الشعب الموريتاني ولا صلة لها بالحقيقة على أرض الواقع وأن قضية العبودية تم حسمها من خلال تجريمها عبر سَن القوانين كما تمت محاربة آثارها عبر إنشاء المؤسسات المعنية بمحاربة آثار الرق وأضاف ولد عبد المالك إن من يستحق الجائزة هو النظام الذي حارب فعليا آثار ومخلفات الرق".
في الحقيقة إن من ينظرون إلى السياسية باعتبارها بقرة حلوبا يقعون في الانتهازية ويرتكبون بذلك التصرف أخطاء فادحة قد تقضي على مسارهم السياسي وهم يخوضون معاركهم الخاسرة "كمعركة العملين".