من داخل سجن غوانتانامو، يعرض فيلم "الموريتاني" (The Mauritanian) قصة محمدو ولد صلاحي الذي قضى 16 عاما في المعتقل قبل أن يطلق سراحه في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ويبدأ عرضه في دور السينما في 19 فبراير/شباط 2021.
يضع الفيلم نظام العدالة الأميركي في تساؤل، بتسليط الضوء على قصة معتقل واحد من مئات السجناء داخل غوانتانامو، وكيف قضى سنوات في السجن دون توجيه تهمة واضحة له أو حتى محاكمته.
من رحم المعاناة يولد الأمل
بعد أن فقد صلاحي الأمل في أن يجد العدالة، تبنت قضيته المحامية الأميركية نانسي هولاندر ومساعدتها تيري دنكان، وما كانت العدالة لتتحقق لولا تعاون المدعي العسكري ستيوارت كوتش معهما، رغم سعيه في بداية الأمر لتنفيذ عقوبة الإعدام بصلاحي.
ويظهر تطور علاقة نانسي ومساعدتها مع صلاحي خلال المقطع الترويجي. في البداية، يبلغها حارس السجن بأنه "من الأفضل ارتداء الحجاب أثناء الزيارة، لدينا حوادث بصق سجناء على المحاميات"، ومن بعدها تظهر حارسة السجن الأخرى وهي تحذرهم، قائلة "في حالة اندفاع المعتقل نحوك، عليك دفعه بعيدا عن الطاولة، وسنصل إليكم بأسرع ما يمكن".
وبدت أجواء التوتر والترقب والخوف قبل الدخول لمقابلة صلاحي، ولكن ما إن دخلتا إليه وقدمتا نفسيهما له ورغبتهما في مساعدته، حتى ظهر وجه صلاحي الحقيقي. إنه مجرد شاب وليس مجرما، كتب لهما رقم هاتف على ورقة وأعطاها لهما، وقال "اتصلوا بهذا الرقم وتحدثوا إلى والدتي، وأخبروها أي شيء لطيف عني"، وتظهر بعدها ابتسامة نانسي بعد أن اطمأنت وزال خوفها منه.
أنا بريء
وتزداد مهمتهما صعوبة كلما تعمقت في التحقيق، وتظهر في طريقها عقبات لا حصر له، وقد أبلغت صلاحي بهذه الحقيقة قائلة إن "الادعاء لا يظهر لنا الأدلة التي ضدك، تم حذفها كلها"، ولكنه يستمر في تكرار كلماته "طوال وقتي هنا، يتم إبلاغي أنني متهم، ليس لشيء فعلته، ولكن بناء على شبهات، أنا بريء!".
تفاني نانسي ومساعدتها تيري في إثبات براءة صلاحي، أمكنت من إيصاله إلى قاعة المحكمة لتلقي محاكمة عادلة، ومع ما قدمه لهم المقدم ستيوارت من أدلة ضخمة، ساعدت في النهاية على الكشف عن مؤامرة مروعة وبعيدة عن التصديق، وهي السبب وراء سجنه طوال هذه السنوات حتى أطلق سراحه.
مذكرات غوانتانامو
تستند قصة فيلم "الموريتاني" إلى مذكرات صلاحي التي نشرها عام 2015 بعنوان "مذكرات غوانتانامو"، وتصدرت قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا، وكان إنتاج الفيلم بمثابة مخرج له، إذ مكنه من مغادرة موريتانيا لأول مرة منذ إطلاق سراحه.
ونشر صلاحي مذكراته من خلف القضبان، ليصبح أول معتقل في غوانتانامو ينشر مذكراته خلال فترة أسره، وقد ركز فيها على ما مرّ به من تعذيب قاسٍ، وسنوات سجن دون محاكمة، ليكشف الجانب الوحشي لأميركا التي تدعي الديمقراطية.
شخصي لا سياسي
الفيلم من إخراج الأسكتلندي كيفن ماكدونالد الذي عبّر عن سعادته وامتنانه لإخراج فيلم "الموريتاني" خلال حوار له مع مجلة "فانيتي فير" (Vanity Fair). وعن عمله مع صلاحي، قال "كان الدافع لنفسي ولجميع الممثلين هو صلاحي نفسه، إنه حقا شخص غير عادي، مليء بالدفء واللطف، ويتمتع بحس دعابة رائع".
وأكد أن الفيلم يركز أكثر على شخصية صلاحي وما مرّ به، وليس فيلما سياسيا كما يتوقع الناس، وقال "أعتقد أن الناس يتوقعون فيلما عن مدى فظاعة غوانتانامو، لا حاجة لذلك، نحن نعرف ذلك بالفعل".
وحصل ماكدونالد على جائزة أوسكار لأفضل فيلم وثائقي عام 2000 عن فيلمه "يوم واحد في سبتمبر/أيلول" (One Day in September)، وفاز فيلمه "آخر ملوك أسكتلندا" (The Last King of Scotland) بجائزة أوسكار أيضا عام 2006، وجائزة "بافتا".
وأدى الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم -المرشح لجائزة "بافتا"- دور صلاحي، ولعبت الأميركية الحاصلة على جائزتي أوسكار جودي فوستر دور المحامية نانسي، وشاركتها شايلين وودلي المرشحة لجائزة غولدن غلوب في دور المساعدة تيري.
وبحسب موقع "فاريتي" (Variety)، فإن أداء طاهر رحيم في فيلم "الموريتاني" يمكن أن يضعه في قائمة المرشحين لجائزة الأوسكار، وفي حال كان ذلك، فإنه سينضم إلى قائمة المسلمين المرشحين لجائزة الأوسكار عن دور رئيسي، والتي تضم 3 ممثلين فقط، هم المصري عمر الشريف، والإيرانية شهرة أغداشلو، والأميركي ماهرشالا علي.
وأما عن دور المدعي العسكري ستيوارت، فلا أفضل لهذا الدور من البريطاني بنديكت كومبرباتش، بعد أدائه المميز لدور المحقق شارلوك هولمز، والذي حصل به على جائزة إيمي، كما رشح لجائزة الأوسكار عن دوره في فيلم "لعبـة التزييف" (The Imitation Game).
المصدر: الجزيرة . نت