إثر حالة التوتر و الاضطرابات المتكررة عند "الگرگرات" والتي عشنا أحد فصولها في الأيام الماضية، قلت في نفسي: هل لا ينبغي البحث عن حل في الصحراء الغربية بالتفاوض عبر طرق و مناهج مكملة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي؟
منذ عقود والملف جاثم على صدر الأمم المتحدة وبين أيديها. وخلال هذه الفترة (1974-2020) تعاقب 6 أمناء عامون على رأس المنظمة، و معهم نفس العدد تقريبا من المبعوثين الخاصين وممثلي الأمين العام جالوا في المنطقة طولا وعرضا. و أنشئت "المينورسو" و تم التجديد والتمديد لها باستمرار على مدى 3 عقود بلا انقطاع. كما تم تنظيم سلسلة لقاءات مباشرة وغير مباشرة بين الأطراف المعنية والمهتمة الأربعة. و انعقدت عدة لقاءات خاصةً وجها لوجه بين طرفي النزاع الرئيسيين في أكثر من مكان…
و لا شك في أن العمل الجبار الذي قامت به الأمم المتحدة والنتائج المهمة التي حققتها حتى الآن تستحق منا الإشادة و الاحترام؛ و لكن، وبالنظر إلى الوضع الراهن من حقنا أن نتساءل هل هي كافية؟ هل تفضي لقاءات الأمم المتحدة إلى حل شامل؟ هل سبق في التاريخ أن كتب النجاح لمفاوضات مفتوحة على غرار ما يجري منذ عقود بشأن الصحراء الغربية برعاية الأمم المتحدة؟ كيف لهذا المسار أن ينجح مع ما يعتريه من كشف مبكر و إعلان هنا وهناك عن مقترحات حل ومقترحات مضادة ومقاربات ثم العدول عنها والتراجع .. و العودة إلى نقطة الصفر مع كل مبعوث جديد، إلخ...؟ هل رأيتم الأمم المتحدة توصلت إلى حل أو تمكنت من حسم نزاع واحد أو صراع أو خلاف طيلة العقود الماضية دون اللجوء إلى الفصل 7؟ و طالما أن مشكلة الصحراء الغربية مصنّفة تحت المادة 6، فهل لنا أن نتوقع حلًا سحريًا تأتي به الأمم المتحدة دون جهد خاص من الأطراف المتنازعة نفسها؟
من جهتي، أعتقد أن الأمم المتحدة وحدها لن تكون قادرة على إيجاد حل شامل و نهائي بطريقة العمل المتبعة منذ عقود. و ليتها بذلت جهدا أكبر في حث الأطراف وتشجيعها على التواصل فيما بينها، والاستعداد لمباركة وإضفاء الشرعية على أي حل تصل إليه الأطراف المعنية والمهتمة بالنزاع اعتمادا على قدرتها وذكائها وعبقريتها في التفاوض وخبرتها في التأقلم والتكيف مع صروف الدهر. أقولها بصراحة، شخصيا أستبعد تدخل الأمم المتحدة لفرض تسوية على أي من الأطراف دون أي سند قانوني. كما أستبعد أن تقوم أي من الدول الكبرى بالمجازفة بمصالحها الخاصة و إلحاق الضرر بعلاقتها مع أي طرف من الأطراف (دون مقابل جوهري) فقط لحل نزاع "أخوي" يمكن لأطرافه تسويته في يوم أو يومين متى توفرت لديهم إرادة ذلك.
وبناء على ما تقدم وطبقا لمعرفتي بالتقاليد والعادات والقيم الثقافية لنا كشعوب، فأني على يقين من أن "الوساطة الداخلية" ستكون أجدى و أنفع و أكثر قدرة على تقريب وجهات النظر من لقاءات مفتوحة برعاية الأمم المتحدة، غير ملزِمة ولا ملزَمة بانضباط أو سرية أو تحقيق نتائج.
وأعني بالوساطة الداخلية هنا وساطة سرية وطوعية و مدنية غير مصنفة تقوم بها شخصيات اعتبارية محترمة و زكية وجديرة بالثقة من كل الأطراف المعنية والمهتمة. و لا شك في أن تحركا من هذا النوع سيكون فرصة لعقلاء الجهات ال4 تمكنهم من توظيف القيم التقليدية الخاصة بشعوبنا - قديمِها الموروث عن الأسلاف و جديدها وحديثها - بدءا بالأصالة والتسامح والحوار والانفتاح على الغير و كرم الضيافة وحسن الجوار وصلة الأرحام .. هذا بالإضافة إلى قدرتنا وخبرتنا الواسعة في فنون المفاوضات..ألسنا نحن من نقول في المأثور : "إن الوجوه تنتصر حيث تفشل السيوف »؟
هذه القيم التقليدية هي أثمن كنز نمتلكه معا عبر المغرب العربي خاصة وأفريقيا عامة. ألسنا نحن من اخترع آلية "التّصراب" لحل النزاعات، وهي آلية و مقاربة عبقرية كانت منهجا لإنهاء حروب قاسية وطويلة، وحلّ نزاعات خطيرة، وتجاوز صعوبات وعقبات شديدة.
لماذا لا نحاول اليوم مبادرة دبلوماسية مغاربية مستوحاة من قيمنا الأصيلة وباستخدام طرقنا ووسائلنا الخاصة التي من شأنها أن تدعم أو تكمل جهود الأمم المتحدة؟ سيرى البعض في هذا المنشور مجرد كلام "رجعي" و "أحمق" و "متخلف" وفي أحسن الأحوال "ترف فكري" و "أضغاث أحلام"؛ إلاّ أنني أحتفظ به لاعتقادي أننا نستطيع البحث بأنفسنا عن حل مشاكلنا اعتمادا على قدراتنا وكفاءاتنا وخبراتنا الذاتية.. وأن لنا موروثا سياسيًا وفكريًا وأخلاقيًا وإنسانيًا خصبا نستطيع به حل كل النزاعات؛ لو أننا اعتمدنا عليه.. وحرَّكنا زنده!
و الله ولي التوفيق