فريق محامي الدولة يرد على المحاميين الفرنسيين

ثلاثاء, 13/10/2020 - 12:34

فریق الدفاع عن الدولة الموریتانیة في ما بات یعرف بملف الفساد المقر المختار: مكتب نقیب المحامین الموریتانیین سوكوجیم لكصر141
ص. ب: 2570 نواكشوط الغربیة، موریتانیا
ھاتف: 45251607 -222+ [email protected]
مذكرة رد على الرسالة المفتوحة التي نشرھا السیدان "راجو" و"ابریكاه" بتاریخ 03 أكتوبر 2020 ) ترجمة للأصل باللغة الفرنسیة(
نواكشوط بتاریخ 12 أكتوبر 2020
1
ملخص
ردا على المذكرة التوضیحیة التي نشرھا فریقنا یوم 2020/10/1، في ما بات یعرف بملف الفساد المفتوح ضد الرئیس السابق، السید محمد ولد عبد العزیز، قام سیدانیدعیان "ذ/ راجو و ذ/ ابریكان"؛لا عنوان لھما سوىمدن »بریست-باریس- مرسیلیا"، بنشر رسالة مفتوحة غریبة، موجھة لفخامة رئیس الجمھوریة بتاریخ 2020/10/03 .
وبما أنھما تعرضا لنا عمدا بالتعریض وتوجھا إلینا مباشرة بخطابھما،فإننا نود، من خلال ھذه المذكرة، إنارة الرأي العام الوطني والدولي حول الملف ورد الأمور إلى نصابھا بإظھار الحق حول الوضعیة القانونیة للرئیس السابق الذي یطالب لھ دفاعھ تكلفا عدم المساءلة مطلقا فیما یشتبھ اشتباھا قویا في أنھ اقترفھ من جرائم
اقتصادیة بالغة الخطورة طیلة تولیھ لرئاسة الجمھوریة.
1- حول ما اكتنف الرسالة من عیوب وما تخللھا من ثغرات في شكلھا :
فضلا عما اتسمت بھ من ضعف ملحوظ في التحریر، أكدت ھذه الرسالة في شتي ما ورد فیھ إرادة كاتبیھا المتعمدة التنصل من القواعد الأساسیة القانونیة والأخلاقیة التي تحكم ممارسة مھنة المحاماة في موریتانیا، من طرف المحامین الأجانب : رفض الانصیاع لواجب اختیار أحد مكاتب المحامین المتعھدین معھما في موریتانیا كموطن مختار لھما والامتناع من قیام زیارة مجاملة لكل من نقیب المحامین ووكیل الجمھوریة.
تمادیا في التعالي والاحتقار تھجما علنا على كل السلطات والھیئات العمومیة: رئیس الجمھوریة،البرلمان الموریتاني،وكیل الجمھوریة..... ولم ینج منھما زملاؤھما الذین لا یشاطرونھما ما تبنوه من آراء ذاتیة،ولم یتوان راجو وابریكان، اللذان اعتبرا أنھما في بلد تابع، عن إعطاء الدروس للجمیع و إلزامھم بالتصرف حسب رآھما وتأولیھما الخاطئ للوقائع وللقانون الذي یحكم تلك الوقائع سواء في موریتانیا أو في فرنسا التي أطنبا في الاستدلال بھا دون أن ننسى ذكرھما لمعاداة السامیة وللاستعمار الجدید وھي تھم حاولا إلصاقھا بخصوم موكلھما دون أدنى
2
دلیل وذلك في محاولة یائسة لتجنید رأي عام دولي معین وخلق بلبلة تمكنھما من تقمص ثوب الضحیة.
فالرسالة لھا نبرة التسیس الواضحة وھي تعطینا مع ذلك صورة عن السطحیة التي عالجا من خلالھا المسائل القانونیة المتعلقة بالوضع القانوني لرئیس الدولة السابق في مواجھة الشبھات القویة التي تحوم حول ارتكابھ للفساد وھذه المسائل القانونیة
ھي التي ستنال حظا أوفر من العنایة في ھذه المذكرة.
1-2 حول ما یتمتع بھ رئیس الدولة من حصانة اعتمادا على المادة 93 من الدستور الموریتاني )المادة 68 قدیمة من الدستور الفرنسي(.
یزعم المحامیان الفرنسیان أن موكلھما یتمتع بحصانة مطلقة عملا بالمادة 93 من الدستور الموریتاني محتجین بأنھ "یمنع كل إجراء جزائي ضده من أي نوع كان خارج مقتضیات المتابعة أمام محكمة العدل السامیة بتھمة الخیانة العظمى". وھكذا یخلطان بین الحصانة المطلقة المرتبطة بصفتھ رئیسا للجمھوریة والتي لا یستفید منھا إلا رئیس دولة یزاول حالا مھامھ مھما كانت الأفعال المأخوذة علیھ والحصانة الوظیفیة التي تستمر بعد انتھائھ من وظائفھ ، إلا أنھا لا تغطي إلا ما قام بھ تأدیة لوظائفھ الرئاسیة المنصوص علیھا في المادة 30 من الدستور الموریتاني فالحصانة الوظیفیة الوارد ذكرھا في المادة 93 من الدستور لا تحمي رئیس دولة إلا بالنسبة لما قام بھ في إطار وظیفتھ الرئاسیة وھذه الحصانة محصورة في ھذه الأعمال والتصرفات ولا تمنع سلطات المتابعة ، إن ھي اشتبھت في ارتكاب رئیس الدولة السابق لمخالفات منفصلة عن وظیفتھ الرئاسیة ، من أن تتخذ ضده
تدابیر یأذن بھا القانون.
إن المشكل ھو إذن التمییز بین الأفعال التي قیم بھا في إطار الوظیفة الرئاسیة والتي تنسحب علیھا الحصانة الوظیفیة والأفعال المنفصلة التي یمكن أن یتابع الرئیس السابق بسببھا ككل المواطنین ، وھذا العمل یمر حتما ، كما بین ذلك الفقھ القضائي في بلاد عدة من بینھا فرنسا ، بتحقیق في أصل النزاع یقوم بھ القاضي المتعھد بالملف فھو وحده المخول عند الاقتضاء ، وإن حصل شك ما في طبیعة تلك التصرفات ، تكییف الأفعال محل المتابعة ، ھل كانت تدخل فعلا في أداء الرئیس السابق لوظیفتھ ، أي أن لھا علاقة مباشرة مع تسییر شؤون دولة أو ھل
3
ھي ، على العكس من ذلك ، أفعال قام بھا أثناء مأموریتھ إلا أنھا ذات طابع خاص.
ولا شك أنھ لا محل للشك في تكییف ھذه الأفعال عندما یتعلق الأمر بمد شبكة المیاه وإنشاء مسبح خاص بالرئیس في ضیعتھ الشخصیة في مكان ناء عن القصر الجمھوري ، على حساب شركة عمومیة ، ولما یقوم مباشرة أو عن طریق أفراد بنشاطات تجاریة موازاة مع عملھ كرئیس للجمھوریة واستخداما لما لھ من نفوذ ، وعندما یقوم بجنایات في ھذا الإطار ؛ أو إن ھو فتح عددا من الحسابات لدى البنوك في الخارج خرقا لقوانین الصرف أو إن ھو استغل ھیئة خیریة كواجھة لتبییض أموالھ ، أو كان یقوم – حتى نقتصر على ھذه الأمثلة فقط- برفض تقدیم أي تفسیر لأصل ثرائھ الفاحش الذي یتبجح بھ علنا ، بینما یفرض علیھ قانون مكافحة الرشوة ، حالھ في ذلك حال كل الموظفین أحرى ھو ، أن یمتنع عن تبریر مصادر ممتلكاتھ عند وصولھ للوظیفة وخروجھ منھا وأن یضخم عمدا ممتلكاتھ إبان تولیھ مھامھ سعیا في إخفاء سبب ما ازدادت بھ أثناء مأموریتھ .... لا شك والحالة ھذه أن الحصانة لا یلتفت إلیھا لأن ھذه التصرفات لا تدخل إطلاقا ضمن الصلاحیات الدستوریة المرتبطة بتأدیة مھام الدولة المسندة
لرئیس الجمھوریة بموجب مقتضیات المادة 30 من الدستور.
2-2- حول اختصاص المحاكم العادیة بالنظر في أفعال رئیس الدولة السابق المنفصلة عن الوظائف الرئاسیة
یعتبر المحامیان الفرنسیان اللذان یدافعان عن السید محمد ولد عبد العزیز أن المتابعة القضائیة ضد رئیس دولة سابق، حتى علي أساس أفعال منفصلة عن تصرفاتھ كرئیس للجمھوریة، أمر غیر ممكن في فرنسا وذلك اعتمادا منھما على المادة 68 من الدستور الفرنسي قبل مراجعتھ سنة 2007 )المادة 93 من الدستور الموریتاني( معتبرین أن ھذه المراجعة لا تسري على الدستور الموریتاني وبالتالي یرون أن ھذه المتابعة غیر قانونیة في بلادنا.
لا شك أن ھذا الجزم- الذي یعرض لا محالة كاتبي الرسالة المفتوحة لتندر جمیع الدستوریین وكافة المختصین الفرنسیین في القانون الجنائي الذین اھتموا بوضعیة رئیس الدولة من منظور القانون الجنائي – قول مستھجن ومستغرب ؛ ذلك أن القاعدة التي لا یمكن تجاوزھا في ھذا المقام والتي حصل علیھا باستمرار الإجماع
4
في فرنسا منذ دستور 1958 ھو اختصاص المحاكم العادیة في النظر في المسؤولیة الجزائیة لرئیس دولة سابق .
إن المسألة الوحیدة التي كانت محل نقاش في فرنسا اقتصرت على إثارة المسؤولیة الجنائیة لرئیس الجمھوریة أمام المحاكم العادیة وھو في أثناء تأدیة مھامھ وھذه مسألة حسمھا المجلس الدستوري ومحكمة النقض، كل على حدة، وإن اختلفت الألفاظ المستخدمة من محكمة إلى أخرى حول النقطة التي تھمنا ، فخلصت الھیئتان إلى أنھ یجوز القیام بمتابعات جزائیة أمام المحاكم العادیة في حق الرئیس فور انتھاء وظیفتھ. إن المراجعة الدستوریة التي جرت في فرنسا سنة 2007 فلم یكن الغرض منھا حل تساؤل لم یطرحھ قط قانوني جدي. فقد كان ھذا التعدیل یرمي فقط إلى توضیح وضعیة رئیس الجمھوریة الجنائیة وھو یمارس مھامھ وتحدید الأجل اللائق في الآداب الجمھوریة )الذي قدر بشھر( قبل القیام بمتابعة الرئیس أمام المحاكم القضائیة بعد أن انتھت مأموریتھ، مما شكل تقاعسا مقارنة مع نص المادة 68 القدیمة من الدستور الفرنسي )المادة 93 من دستورنا( كما فسرھا بالترتیب المجلس الدستوري ومحكمة النقض اللذان اعتبرا، على أساس ھذا النص، أن المتابعات الجزائیة یمكن أن تستأنف دون تأخیر بعد انتھاء المأموریة
الرئاسیة .
3-2- حول زعم عدم شرعیة لجنة التحقیق البرلمانیة
زعم محامیا السید محمد ولد عبد العزیز الفرنسیان "أن اللجنة البرلمانیة التي حققت في بعض الملفات التي تظھر مدى حجم النھب الذي تعرضت لھ ممتلكات الشعب الموریتاني وموارده خلال حكم موكلھم غیر مشروعة اعتبارا لعدم ذكر
لجان كھذه في الدستور، مما یعرض كل الإجراءات لعدم الشرعیة".
إن ھذه الذریعة تنطلق من موقف نظري صادم ومن سطحیة شدیدة في التحلیل فلو أننا اعتمدنا الطرح القائل بعدم شرعیة كل ما لم یبوب علیھ حرفا في الدستور لأصبح جل نشاطات الدولة المقام بھا فعلا خارجة عن القانون.
خلافا لھذا الطرح وحتى نرجع إلى قلیل من الجدیة فإن لجان التحقیق البرلمانیة ینظمھا النظام الداخلي للجمعیة الوطنیة الذي جعلھ الدستور بمثابة القوانین النظامیة وھذا النظام الداخلي یعرض حتما ، قبل تطبیقھ على المجلس الدستوري من أجل التأكد من مطابقتھ للدستور وما دامت قرارات المجلس الدستوري لھا قوة 5

الشيء المقضي بھ وھي غیر قابلة للطعن فیھا وتلزم بھا كافة السلطات القضائیة والإداریة ، لكل ھذا یكون الجدل حول عدم دستوریة لجنة التحقیق البرلمانیة جدلا عقیما ، فارغا من المعنى لا ترجي منھ فائدة فالملف معروض على القضاء الذي لا تلزمھ استنتاجات اللجنة عملا بمبدأ فصل السلطات وسیكون تحریك الدعوى العمومیة عند الاقتضاء على أساس محاضر التحقیق التمھیدي المتضمنة ختم ما
تقوم بھ الشرطة القضائیة من تحقیق تمھیدي.
6
الرد على رسالة "ذ/ راجو و ذ/ ابریكان" بتاریخ 2020/10/03
ردا على المذكرة التوضیحیة التي نشرھا فریق محامي الدفاع عن الدولة، الموریتانیة یوم 2020/10/1، في ما بات یعرف بملف الفساد قید البحث التمھیدي ضد الرئیس السابق، السید محمد ولد عبد العزیز، انبرى شخصان قدما نفسیھما كمحامیین فرنسیین، وقاما باسمي "ذ/ راجو و ذ/ ابریكان"؛ لا عنوان لھما سوى مدن "بریست- باریس- مرسیلیا"، بنشر رسالة مفتوحة بتاریخ 10/03/ 2020
موجھة إلي السید رئیس الجمھوریة .
فبعد النزھة الخاطفة التي قادتھما في شھر أغسطس الماضي إلى نواكشوط والتي حاولا إبانھا لفت الأضواء علیھما - بكیل التھدیدات والوعد والوعید لھذا وذلك باسم موكلھما ضد أعلى سلطات في الدولة - ، ھاھما یعودان الیوم إلى الحلبة بنفس السطحیة والارتجالیة ورؤیة الفضل للنفس علي الغیر . وبما أنھما تعرضا إلینا بالتعریض والتنقیص وحتى بالسباب وحرصا منا ، فضلا عن ذلك ، على إنارة الرأي العام حول كنھ حقیقة الوقائع التي اكتفیا بالتحلیق فوقھا بعیدا عنھا محاولین طمسھا ، ساعیین في تزییفھا ، عاملین على خرق القوانین التي تحكم النازلة في موریتانیا وحتى تلك المعمول بھا في فرنسا ، بلادھما وھي القوانین
التي یبدو أنھما یجھلانھا أیما جھل أو یتجاھلنھا عمدا.
إننا لكل ھذه الأسباب والدوافع سنتناول تباعا كافة جوانب الملف التي وردت في ھذه الرسالة المفتوحة.
2- حول ما اكتنف الرسالة من عیوب وما تخللھا من ثغرات شكلیة :
لن نطیل الحدیث عن منھج تحریر الرسالة المكتوبة باللغة الفرنسیة ومن طرف محامیین فرنسیین تقاضیا –حتما- أجرة كبیرة مقابل الدفاع عن موكل بالغ الثراء، حسب إقراره العلني عن نفسھ ، ولھ من الشھرة ما لھ ، ومع ذلك لم تنجو الرسالة من مآخذ بینة نحوا ولغة ، ولو أنھما قرآھا قراءة سریعة قبل نشرھا أو أسندا إلى غیرھما مراجعتھا لجنبا القارئ معاناة تصحیحھا حتى في الشكل ، بما في ذلك أرقام القوانین والمراجع التي استدلا بھا )مثل القانون رقم 2016-014 المتعلق بمكافحة الفساد بدلا من القانون رقم 074-2016 المتعلق بموضوع آخر...(. ولن نتطرق كذلك، أكثر من اللازم، إلى كون المحامیین "الدولیین" لم یتجشما عناء توقیع رسالتھما باسمیھما الكاملین وتحاشیا ذكر عنوان محدد یمكن من أراد 7

مراجعتھما أن یرسل إلیھما بما لھ من رد أو ملاحظات على الرسالة فتلك عنایة كبیرة بالقارئ واحترام لا یستحقھ في نظر كاتبي الرسالة.
ومن اللافت للنظر كذلك أن ھذین المحامیین حرصا كل الحرص على أن یقدما نفسیھما كلفیف فرنسي من مدن "بریست – باریس – مرسیلیا" تمیزاعن زملائھما الموریتانیین رغم أنھم یدافعون جمیعا عن نفس الموكل.
لم یدرك الزمیلان بعد أن موریتانیا دولة كاملة السیادة منذ 1960، وأن المسطرة تخضع لقوانین ھذا البلد ونظمھ وأعرافھ القضائیة؛ وأن الأمور ، خلافا لما یظنان، لا تجري في أحد المراكز الإداریة في فرنسا حتى یعفیا من اختیار أحد مكاتب المحامین المتعھدین معھما بنفس الملف كمقر لھما كما ینص علیھ القانون كما أنھما أسقطا عن نفسیھما واجب القیام بزیارة مجاملة لكل من نقیب المحامین ووكیل
الجمھوریة.
وفي سیاق متصل، تابع المحامیان المغموران استخدام ألفاظا مستفزة في حق مؤسسات الجمھوریة برمتھا وفي مواجھة كل من یطالبون بمقاضاة زبونھما السید الرئیس السابق المعروف بثروتھ الطائلة التي تسیل لعاب الطامعین فتنسیھم قواعد
التحفظ والكرامة والاعتدال والترفع، التي ھي مرتكزات مھنة المحاماة وأسسھا.
تعمد كاتبا الرسالة اللجوء حینا إلي الغلظة في القول تجاه رئیس الجمھوریة وأمراه بالانصیاع إلى رغبتھما الشدیدة في إنھاء الملف عند ھذا الحد سعیا منھا في تجنب الوقوف مستقبلا أمام المنابر القضائیة؛ لذا أوعزا إلیھ بأن یعقد مجلسا عاما مع جمیع محامي الرئیس السابق، الفرنسیین منھم والموریتانیین لیناقشھم في إطار حوار شامل تحضره وسائل الإعلام الموریتانیة )قنوات تلفزیونیة وإذاعات ومدونین...(، ظنا منھما ، دون شك ، أنھما في إحدى جمھوریات الموز، وبأنھما قادرین على طي ملف فساد یقدر المبلغ المغیب قیھ بمئات الملیارات من الأوقیة، خلال مباریات إعلامیة یعود شكلھا للقرن التاسع عشر ،أسوة بأفلام المغامرات المسماة "ویسترن اسباغتي" ، خبط عشواء ، "من تصب تمتھ ومن تخطأ یعمر
فیھرم" ھكذا یكون القضاء الموریتاني في تصورھما.
یخبرنا السیدان في مستھل رسالتھما أنھما على درایة تامة باستقلال ھذا المرفق وبما كرسھ دستور الجمھوریة الإسلامیة الموریتانیة في مادتھ 24 من فصل بین السلطات، واعتبارا منھما "أن رئیس الجمھوریة ھو حامي الدستور والضامن
8
لحمایة الحریات الفردیة والجماعیة في البلد وھو من یرأس مجلس القضاء ". انطلاقا من كل ھذه المسلمات قررا أن علیھ أن یلعب دور المنعش الأكبر لحوارات إعلامیة یفض على أساسھا النزاع .
أخطأتما، مع الأسف، تقدیرا أیھا الزمیلان ا!
إن الفصل بین الخصوم لا یكون إلا أمام المحاكم لا خارجھا ومن طرف القضاة وحدھم ، لا من خلال المناظرات الإعلامیة حتى ولو أشرف علیھا السید رئیس الجمھوریة.
اختلط على ھذین المغمورین الحابل بالنابل والمكان بالمكان ودولة بأخرى وظھرا وكأنھما لم یقرآ یوما ما دستور موریتانیا ولا حتى دستور بلدھما ، فرنسا ، ولجآ إلى الوعظ ومناشدة رئیس الجمھوریة واستلطافھ بزخرف القول: "لدیكم إمكانیة التدخل كحام للدستور وبالتشاور مع رئیس المجلس الدستوري الذي أرسلنا لھ نسخة من ھذه الرسالة ] على الأقل [ حتى تتوقف مباشرة كل ھذه الخروق التي یقام بھا تحت ظل القانون الموریتاني". لا أھمیة في ھذا المقام عندھما لغیاب الأساس القانوني لما اقترحاه عبثا حول قیام تشاور بین رئیس الجمھوریة ورئیس المجلس الدستوري! وبنفس الخیال الخصب ورفاھة الحس ،تصورا حوارا علنیا مباشرا بین المحامین لفض النزاع ھذا ھو كل ما جادت بھ مخیلتھما وقریحتھما في
باب المساطر الجزائیة.
وسیلفى القارئ الكریم طیلة تفحصھ للرسالة نفس الاستخفاف وعدم الاعتبار للدولة ولكافة مرافقھا مثل وزیر الداخلیة ، الذي اتھم ، باطلا ، بحل الحزب الوحدوي الدیمقراطي الاجتماعي ، ووكیل الجمھوریة المكلف في الملف ذي "السلوك الغامض والمخالف للقانون " وبأنھ ربما یكون المسؤول الرئیسي عن "التحقیقات
المقام بھا والتي تمحورت حول الاستھداف الموجھ لشخص الرئیس السابق".
وخلاصة القول أنھما ، ألقیا الكلام على عواھنھ أكثر من مرة. فأین ھو واجب احترام المؤسسات القضائیة الوارد في القانون وفي یمین المحامي؟ ما لا یفھمھ الزمیلان ھو البلد، كل البلد.
9
عبر الكاتبان عن دھشتھما واستغرابھما عن كونھما "موجودین في جمھوریة لھا دستور ولھا مؤسسات یفترض أن تكون مستقلة وتتبنى النظام القانوني ومع ذلك ترى نفسھا مضطرة للجوء لمساندة ستین محامیا للدفاع عنھا" .
ألیس من الطبیعي أن تكتتب الدولة ومؤسساتھا ومجتمعھا المدني أعدادا من المحامین المھنیین لمتابعة ملفات معقدة، متعددة ومتشعبة مثل تلك المشمول فیھا موكل زمیلینا؟
إن الأمر أعظم مما یتصورانھ!
لم یسلم المحامون الموریتانیون الذین یمثلون الدولة كطرف مدني من غضب المحامیین راجو و بریكان فنعتاھما بأنھم مجموعة "عرف عن الكثیر منھم، في الماضي، انحیازه المعلن ضد موكلنا" حسب ما كتبا. فبالنسبة لھما كل اللذین لم یسبق أن أعلنوا الولاء المطلق لموكلھما "یعملون فقط على تغطیة الخروق التي
یقع ضحیتھا السید الرئیس الیوم، لیس إلا"
فھل نسیا أن صفات المحامي النزیھ والمعتدل ھي الالتزام والوفاء والتقید بالشرعیة لا الخضوع الأعمى للمتقاضي خصوصا إذا ما شذ رأیھ؟
لا یستحق من یدافعون عن الدولة سوى احتقار الفرنسیین الذین یریان "من المذھل أن لا یتمكن ستون محامیا - من المفترض أن تكون عندھم كل الأدوات القانونیة للتفكیر الناجع بسبب عددھم - من إیجاد تفسیر دقیق وذكي للدستور الموریتاني وھو واضح تماما" ، وسنعرض لاحقا بإذن الله لاستقراء جلي ومجمع علیھ لمقتضیات الدستور ، التي تحكم ھذه المسائل ، حتى نزیل الذھول واللبس عن
زمیلینا
ولن ننتھي من ھذا الجزء من العرض قبل أن نورد ما جاء من قمة إبداع وتفنن في التضلیل والتمویھ الذي وصلت إلیھ الرسالة المفتوحة لما تذكر "معاداة السامیة" و"الاستعمار الجدید" التي طفق كاتباھا یصفان بھا كل من تصدى لموكلھما ، في محاولة یائسة لتجنید رأي عام دولي معین وخلق بلبلة تمكنھم من تقمص ثوب
الضحیة.
10
إنھا رسالة سیاسیة بامتیاز أبرزت منذ بدایتھا المنھج الذي یعالج بھ طاقم الدفاع عن الرئیس السابق قضیة قانونیة محضة وھو ما یجب أن یكون مصب اھتمام كل محام.
2- حول المسائل القانونیة الأساسیة المثارة في الرسالة :
لا یفتأ محامیا محمد ولد عبد العزیز یتذرعان بسلطان القانون الفرنسي على النازلة سواء من خلال مقتضیات ھذا القانون أو ما جاء فیھ من اجتھاد قضائي أو فقھ قانوني سعیا منھما في تضلیل رأي عام لا یعي بالضرورة بدقة ھذا القانون خصوصا الدستوري منھ. وإن نحن تجاوزنا كون نص قانوني واحد تمكن قراءتھ وتأویلھ بشكل مختلف من بلد لآخر حسب المعطیات التاریخیة والثقافیة ومن شخص لآخر ومن علة لأخرى واعتبرنا أن فرنسا لیست ھي موریتانیا والعكس صحیح ، فمع ذلك لا یمكن تأویل الفقرات المتعلقة بحصانة رئیس الدولة بشكل أكثر ضبابیة من التفسیر الذي أعطاه المحامیان راجو وبریكان لمقتضیات مجموعة الألفاظ "خلال تأدیتھ مھامھ الرئاسیة". سواء كان ذلك التفسیر من منظور القانون الفرنسي على أساس استقراء للمادة 68 قدیمة من ھذا الدستور أو للقانون الموریتاني الحالي على ضوء المادة 93 من الدستور أو تلك التي تحدد اختصاص المحاكم العادیة عند متابعة الرئیس السابق حول الأفعال الخارجة عن مھامھ الرئاسیة من تصرفات وأخیرا سنتطرق لما تبناه دفاع الرئیس من رفض في غیر محلھ ودون ھدى أو فائدة ترجى للشرعیة الدستوریة لتشكیل لجنة التحقیق
البرلمانیة .
2-1 حول ما یتمتع بھ رئیس الدولة من حصانة اعتمادا على المادة 93 من الدستور الموریتاني )المادة 68 قدیمة من الدستور الفرنسي(.
یزعم المحامیان الفرنسیان أن موكلھما یتمتع بحصانة مطلقة عملا بالمادة 93 من الدستور الموریتاني فكتبا »یمنع كل إجراء جزائي ضده من أي نوع كان خارج مقتضیات المتابعة أمام محكمة العدل السامیة بتھمة الخیانة العظمى". وبھذا یخلطان بین ما یسمى في الاصطلاح القانوني "الحصانة الشخصیة" و"الحصانة
الوظیفیة".
من الناحیة النظریة العامة للقانون الدستوري ھناك فصل تام بین صنفي الحصانة السالف ذكرھما لأنھما لا تتحدان في أثرھما القانوني؛ فالحصانة الشخصیة -وإن 11

كان ھذا الوصف قد یترتب عنھ لبس في ذھن البعض لأنھا سنت لحمایة مؤسسة من مؤسسات الدولة لا شخصا بعینھ - تمنح على أساس الصفة الرسمیة التي یحظى بھا المستفیدون منھا: الرؤساء أثناء تأدیة مھامھم ، البرلمانیون ، الدبلوماسیون في الدول التي تعتمدھم ، رؤساء الحكومات ووزراء الخارجیة عندما یسافرون للخارج ؛ فبما أنھا مرتبطة بالصفة الرسمیة للشخص یمكن
بسھولة تحدید مدتھا، بدءا ومختما.
إن ھذه الحصانة حصانة مطلقة یتمتع بھا رئیس الدولة أثناء مأموریتھ مھما كان الفعل المقام بھ من طرفھ فھي مانعة منعا باتا من اتخاذ كل إجراء قضائي في حقھ؛ لكنھا تنتھي بانتھاء المأموریة الرئاسیة لأنھا لا تمتلك "صفة الدوام الخاصة بالنظام الملكي" كما نبھ علیھ الكاتب الفرنسي أولیفیي بو في كتابھ )الجدل الفكري حول المسؤولیة السیاسیة لرئیس الجمھوریة-2001-ص.1187( ؛ فالحصانة تنتھي مباشرة مع انتھاء المأموریة لما یفقد الرئیس صفة الحصانة المطلقة ویرجع إلى
أصلھ كمواطن عادي ، خاضع للقانون كغیره من المواطنین.
لذا فإن صفة "رئیس دولة سابق" لا تحمل في ذاتھا أیة حرمة أو امتیاز مانع من المساءلة القانونیة أما الحصانة الوظیفیة فھي ممنوحة بحسب طبیعة التصرفات وبالتحدید تلك المرتكبة أثناء تأدیة الوظیفة المسندة إلیھ ؛ وھي تشمل بالنسبة لرئیس الجمھوریة عدم المساءلة عن ھذه الأفعال دون غیرھا، حصرا ؛ ولما كانت تخص ما قام بھ ، خلال تأدیة وظیفتھ ، وضمن صلاحیاتھ ، فھي تستمر بعد انتھاء وظیفتھ ویمكن أن یدفع بھا أو یحتج بھا رئیس دولة سابق. بالتالي، إن كانت الحصانة الشخصیة ملازمة لصفة الرئیس فالحصانة الوظیفیة مقیدة ونسبیة وخاضعة لتقییم القاضي المتعھد بعد ذلك في إطار ما لھ من اختصاص
وصلاحیات.
وبما أنھا محصورة في الأفعال التي قام بھا السید الرئیس تأدیة لوظیفتھ فإن الاستفادة منھا مشروطة بالتصنیف القانوني الذي یقوم بھ القاضي المختص لھذه الأعمال والتصرفات، موضع النزاع.
ونظرا إلى ما سلف یجب النظر ، في بعض الأحیان ، في كل حال على حدة من أجل تحدید إن كان یمكن اعتبار الأعمال التي تتم مساءلة الرئیس عنھا ضمن الصلاحیات الوظیفیة المرتبطة بما كان یشغلھ من مھام محمیة بالحصانة أو على
12
العكس من ذلك تعتبر ھذه الأفعال خارجة عن مناط أداء الوظیفة في حد ذاتھا ؛ فالمادة 93 من الدستور الموریتاني )مثلھا مثل المادة 68 قدیمة من الدستور الفرنسي المستنبطة منھ( لا تزیل وحدھا اللبس حول المسألة فھي لم تعط معنى محددا ل "أعمال قام بھا خلال تأدیة المھام الرئاسیة" ؛ وبالتالي فإن كل المسألة تكمن في الفصل بین ما ھو ضمن تلك الأفعال ویتمتع صاحبھ بالحصانة الوظیفیة وما لا یمكن اعتباره ضمنھا انطلاقا من مقتضیات المادة 30 من الدستور
الموریتاني.
ولكي نبقى في المحیط الثقافي القانوني المفترض للسیدین راجو وبریكان ومجاراة لھما فیما یعتبران أنھما أدرى بھ من غیرھما أو على الأقل منا بھ، نرد كمثال على عملیة التكییف السابق ذكرھا والتي یجوز بل یجب على أي قاض اللجوء إلیھا إذا ما التبست علیھ طبیعة الأفعال ، نذكر على سبیل المثال نازلة الوزیر الفرنسي السابق ، السید میشیل نوار وھي القضیة التي حكمت فیھا الغرفة الجنائیة بمحكمة النقض سنة 1997 برفض النقض الذي تقدم بھ المعني ضد حكم علیھ باختلاس المال العام لتمویلھ حفل عشاء على شرف أعضاء دیوانھ ومساعدیھ من مدینة لیوه ، وقد اعتبر الوزیر أن تنظیم ھذا الحفل یأتي ضمن "الأعمال التي تدخل في صلاحیاتھ خلال تأدیة مھامھ كوزیر التجارة الخارجیة"لأن الھدف منھ كان "تنظیم وبرمجة عمل من أعمال وزارتھ في ولایة رون-ألب"، وعلیھ ،وتطبیقا للمادة 68- 1 من الدستور فإن "ھذا الاشتباه یتطلب تكییفا للأفعال یدخل ضمن صلاحیات محكمة العدل الجمھوریة ولیس من اختصاص محاكم الموضوع الفرنسیة". وخلافا لھذا الرأي ثبتت محكمة النقض قرار محكمة الاستئناف بمدینة لیوه الذي جاء فیھ أن "الحصانة الوزاریة ، بعكس الحصانة البرلمانیة والدبلوماسیة ، لا تترتب عن صفة الشخص المعني وحدھا، وأنھ لما كان الفعل المدان قد وقع خلال أداء المھام الوزاریة ، فعلى المحكمة التي تبت فیھ أن تبحث في حیثیات الوقائع المأخوذة على الوزیر بحیث تراعي في الحسبان، خلال تكییفھا للوقائع، الشكل والمضمون ؛ وأنھ في النازلة المنشورة أمام محاكم الموضوع یستحیل على المحكمة البت في مسألة الحصانة الوزاریة المرتبطة بتھمة اختلاس المال العام ، بخصوص حفل العشاء موضوع الاتھام، دون القیام بتقییم موضوعي للوقائع التي سببت ھذا الاشتباه ؛ وبناء علیھ فإن الطلب بأن تصرح المحكمة ، وھي محكمة
قانون عادیة، بعدم اختصاصھا للبت في المسألة سیتم ضمھ لملف الأصل....(.
13
إن الفائدة من سرد ھذا الفقرة من حكم محكمة استئناف لیوه الذي نقلتھ واعتمدتھ ، في قرارھا ، محكمة النقض الفرنسیة ھي القول أن تقدیر مدى جدیة الدفع على أساس الحصانة الوظیفیة مسند إلى تقدیر القاضي المختص في الأصل. وقد بررت محكمة النقض قرارھا باعتبار أن "الأفعال التي قام بھا وزیر خلال تأدیة مھامھ ھي تلك التي لھا علاقة مباشرة بتأدیة مھام الدولة المرتبطة بصلاحیاتھ..."، وعلیھ یجب التحقق، من خلال تحقیق دقیق ، من إمكانیة ربط الأفعال المأخوذة على الوزیر بما ھو مسند إلیھ من تسییر لمھام الدولة أو، علي العكس ، كان للأفعال طابع خصوصي محض وبالتالي تمیز المحكمة تماما بین ما قیم بھ )لتأدیة مھام الدولة( مع ما قیم بھ خارج تلك المھام مما یعتبر أفعالا خارجیة قابلة للفصل عن
الوظیفة وتسمي اصطلاحا " الأفعال المنفصلة ".
لقد اعتبر الفقھ القانوني أنھ "لا مجال للشك - ھنا أیضا – في أن ھذا النمط من التحلیل قابل للإسقاط على الأفعال المجرمة التي یقترفھا رئیس الجمھوریة : وتلزم المحكمة أو ھیئة الادعاء بالقیام بتحقیق دقیق لا حول السیاق الذي جرت فیھ الافعال فحسب بل أیضا حول طبیعة الفعل المجرم وذلك للتأكد من دخولھ في دائرة تأدیة المھام أو الصلاحیات التي یمنحھا الدستور لرئیس الدولة..." ** }المرجع V. par exemple, E. Dezeuze, Un éclairage nouveau sur le statut pénal du Président de la République, Revue de Sciences Criminelles, 1999, p. 497 et dans le même sens, TH Ablard, Le Statut Pénal du chef de l'Etat, RFDC, 2002/3
.(n°51
إذا كانت الحصانة الوظیفیة تعلل بضرورة الحفاظ على حریة إرادة رئیس الجمھوریة الحرة وتقدیره الأحسن في العمل علي انجاز السیاسات التي انتخب لأجلھا وتضمن لھ بأن لا یتابع في المستقبل بسبب أفعال قام بھا اجتھادا بحكم وظیفتھ كرئیس، فإن ذلك یكون شریطة أن یظل ضمن الصلاحیات التي حددھا لھ
الدستور.
وعندما یخرج الرئیس من إطار تلك الصلاحیات ویتدخل في تسییر المؤسسات العمومیة فیمنح لنفسھ ولمقربیھ الصفقات مع ھذه المؤسسات.
14
عندما یقوم بمد شبكة المیاه وإقامة مسبح خاص بھ في ضیعتھ الشخصیة في مكان ناء عن القصر الجمھوري ، على حساب شركة عمومیة، ولما یقوم مباشرة أو عن طریق أفراد بنشاطات تجاریة موازاة مع عملھ كرئیس للجمھوریة استخداما لما لھ من سلطان ، وعندما یرتكب جنایات في ھذا الإطار ؛ أو إن ھو فتح عددا من الحسابات لدى البنوك في الخارج خرقا لقوانین الصرف أو إن ھو استغل ھیئة خیریة كواجھة لتبییض أموالھ ، أو كان یقوم – حتى نقتصر على ھذه الأمثلة فقط - برفض تقدیم أي تفسیر لأصل ثرائھ الفاحش الذي یتبجح بھ علنا ، بینما یفرض علیھ قانون مكافحة الرشوة - حالھ في ذلك حال كل الموظفین أحرى ھو - أن یمتنع عن تبریر مصادر ممتلكاتھ عند وصولھ للوظیفة وخروجھ منھا وأن یضخم عمدا ممتلكاتھ إبان تولیھ مھامھ سعیا في إخفاء أسباب ما ازدادت بھ أثناء مأموریتھ .... لا شك ،والحالة ھذه ، أن القول بالحصانة لا یلتفت إلیھ لأن ھذه التصرفات لا تدخل إطلاقا ضمن الصلاحیات الدستوریة المرتبطة بتأدیة مھام الدولة المسندة
لرئیس الجمھوریة بموجب مقتضیات المادة 30 من الدستور.
وبطبیعة الحال إذا أحیل الملف إلى قاض بعد أن تم ضبط كافة التھم الموجھة إلى رئیس الدولة السابق ، واستظھر ھذا الأخیر بالحصانة الوظیفیة بناء على المادة 93 فسیكون حینھا على القضاء أن یبت رفضا أو قبولا في ھذا الدفع وعلى المحكمة المتعھدة أن تحدد ھل الأفعال المتابع علیھا السید الرئیس داخلة ضمن ممارسة مھامھ أو ھل ھي منفصلة كلا أو جزءا عنھا ، عندھا وكما ھي الحال في دول أخرى ، سیكون ،على القاضي المختص، أن یحدد المعاییر التي تبناھا
واعتمدھا في قراره المتخذ من أجل التمییز بین ھذه الأفعال وتلك.
لكن القول - كما ذھب إلى ذلك محامیا السید محمد ولد عبد العزیز، الفرنسیان – بالمماثلة بین الحصانة الواردة في المادة 93 من الدستور والحصانة المطلقة ھو عین ذات المزج بین الحصانة الشخصیة والحصانة الوظیفیة اللتین بینا ما بینھما من فرق شاسع ویؤول فھم كھذا إلى رفع رئیس دولة سابق ، أصبح مواطنا عادیا، إلى مستوى رئیس دولة مازال یمارس وظائفھ من تمثیل للدولة واضطلاع بالمسؤولیة عنھا ویعمل جاھدا على استمرار سیر كافة مرافقھا سیرا اعتیادیا .
إن القول بالمماثلة بین ھذه الحصانة وتلك مخالف تماما لا للقانون الدستوري فحسب بل یتعارض كذلك مع القانون الدولي كما یشھد على ذلك الفقھ القضائي
15
الدولي الخاص بحصانة رؤساء الدول السابقین؛ فقد تم توقیف رئیس الشیلي السابق الجنرال بینوشي في 16 اكتوبر 1998 وھو في عیادة طبیة بمدینة لندن وكان ھذا التوقیف إثر إجراءات طلب تسلیم قام بھا، في حقھ ، القاضي الإسباني
ب. غازون بتھمة تعذیب مواطنین اسبان خلال فترة حكمھ.
وقد بینت ھیأتا اللوردات في بریطانیا ، اللتان قدم الطلب أمامھما للبت في شرعیة بطاقة الاعتقال الصادرة في حقھ ومسطرة التسلیم ، بأنھ لو كان بینوشي مازال رئیسا للدولة فلا یمكن توقیفھ بحكم ما یتمتع بھ من حصانة مطلقة ؛ فانطلق الجدل حینھا حول حجم ما یتبقى من تلك الحصانة الوظیفیة التي یقرھا كل من القانون الدولي العرفي والقانون البریطاني للرؤساء السابقین في مواجھة ما ارتكبوا من أفعال أثناء تأدیة مھامھم ؛ كان على القضاة أن یقدروا ھل أفعال التعذیب التي ارتكبت بأوامر "قد تكون صدرت عن بینوشي وھو یمارس وظیفتھ كرئیس" یمكن اعتبارھا أوامر داخلة في سیاق الحصانة الوظیفیة التي كفلھا القانون لھ كرئیس
لدولة أم لا.
وقد قررت غرفة اللوردات البریطانیة ـ في تشكیلتھا الأولى بوصفھا محكمة استئناف منشور أمامھا الطعن ضد قرار المحكمة العلیا الذي بموجبھ أبطلت أحد أوامر التوقیف الصادرة في حق الجنرال بینوشي ـ رفض الحصانة التي دفع بھا معللة ذلك بأن "التعذیب لا یدخل ضمن صلاحیات رئیس الدولة" ؛ ثم بعد ذلك عززت التشكیلة الثانیة التي تكونت بعد ما ألغیت الأولى قرار رفض الحصانة
معتبرة أن الاتھام بالتعذیب لا یمكن أن یندرج تحت طائلة الحصانة .
ونحت العدید من المحاكم الوطنیة الأخرى نفس المنحى، فقررت أن بعض الجرائم مثل التعذیب والجرائم ضد الإنسانیة وجرائم الإبادة وجرائم الحرب لا یمكن اعتبارھا كأفعال تدخل في إطار صلاحیات رئیس الدولة الرسمیة؛ وقررت المحكمة العلیا بأمستردام سنة 2000 ، في نفس الاتجاه ، بأن الاتھام بالتعذیب ضد الرئیس السابق لسورینام لا یدخل ھو الآخر ضمن ما تكفلھ الحصانة الوظیفیة ؛ وتبنت المحكمة الفدرالیة نفس المنھج لما حاكمت رئیس دولة البیرو السابق ألبیرتو فوجیموري بتھمة الفساد فخلصت إلى أنھ ، بغیة تحدید كون فعل ما یدخل تحت طائلة الحصانة أم لا ، یتعین التحقیق حول السیاق الذي تم فیھ ارتكاب الفعل
والغرض المتوخى من ارتكابھ.
16
وباختصار فإن الحصانة التي تمنحھا المادة 93 من الدستور الموریتاني والتي یلوح بھا دفاع السید محمد ولد عبد العزیز ھي حصانة مقیدة لا یمكنھ بحال من الأحوال أن تعطیھ حصانة مطلقة. وھي لا تمنع سلطات المتابعة، لما تشتبھ في ان رئیسا سابقا ارتكب جرائم منفصلة، من تقیید حریتھ بتدابیر أذن القانون في
اتخاذھا.
إن الحصانة تعتبر في القانون الجزائي استثناء وخروجا على مبدا المساواة بین المواطنین، وبالتالي لا تأول إلا تأویلا ضیقا؛ ویكون القانون العام ھو الذي یسري في غیاب نص صریح یمنح حصانة من المتابعة لشخص ما إثر ارتكابھ جرائم منفصلة؛ وإذا كان الرئیس السابق یعتبر أن الأفعال مجال النزاع المأخوذة علیھ تدخل ضمن صلاحیاتھ التي تغطیھا الحصانة الوظیفیة فعلیھ أن یدلي بما یراه من دفع أمام المحكمة المختصة التي تبت في ھذه النقطة وذلك في المرحلة الإجرائیة المناسبة.
2-2- حول اختصاص المحاكم العادیة بالنظر في أفعال رئیس الدولة السابق المنفصلة عن الوظائف الرئاسیة
إن المحامیین الفرنسیین اللذین یدافعان عن السید محمد ولد عبد العزیز یعتبران المتابعة القضائیة ضد رئیس دولة سابق حتى بخصوص أفعال منفصلة، أمر غیر ممكن في فرنسا وذلك اعتمادا منھما على المادة 68 من الدستور الفرنسي قبل مراجعتھ سنة 2007 )المادة 93 من الدستور الموریتاني( معتبرین أن ھذه المراجعة لا تسري على الدستور الموریتاني وأن ھذه المتابعة غیر قانونیة في موریتانیا. ولإسعاف ھذا التأویل، یلجئان الي الفقرة الأخیرة من المادة 67 من الدستور الفرنسي التي ورد فیھا "یجوز استئناف الدعاوى والإجراءات التي تمت عرقلتھا أو رفعھا ضده بعد انقضاء شھر على نھایة مھامھ" ، مضیفین بأسلوب متعال تجاه الرئیس الحالي للجمھوریة بأن "ھذه الحصانة المؤقتة التي یعتمد علیھا مستشاروكم موجودة الآن في فرنسا ولكن لا وجود لھا في موریتانیا على
الإطلاق، حیث لم یتم اعتماد إصلاح دستوري مماثل".
لا شك أن ھذا الجزم في القول -الذي یعرض كاتبي الرسالة المفتوحة لا محالة لتندر جمیع الدستوریین وكافة المختصین الفرنسیین في القانون الجنائي الذین اھتموا بوضعیة رئیس الدولة من منظور القانون الجنائي –مستھجن ومستغرب ؛
17
فھل مرد لجوئھما إلى إلقاء الكلام علي عواھنھ ھو عدم الكفاءة أم ھو سطحیة في طرحھما أم ھو فقط عمل علي المغالطة وبسوء نیة مبیت لدیھما؟ ذلك أن القاعدة المسلم بھا ، في ھذا المقام والتي حصل علیھا باستمرار الإجماع في فرنسا منذ دستور 1958، ھي اختصاص المحاكم العادیة في النظر في المسؤولیة الجزائیة
لرئیس الدولة السابق في قضایا منفصلة عن مھامھ.
لقد أجمع الفقھ الدستوري برمتھ على أن حصر المادة 68 من الدستور في إعفاء رئیس الدولة من المسؤولیة عن الأفعال التي ارتكبھا أثناء تأدیتھ لمھامھ یقتضي مسؤولیتھ عن باقي الأفعال المنفصلة عن تلك المھام؛ وھو الموقف الذي أثبتتھ أعلى ھیأتین قانونیتین في فرنسا، كما سنرى لاحقا عند استقراء المادة 68 من الدستور الفرنسي. وكان السؤال الوحید المحتمل العرض فعلا ، أثناء فترة التعایش بین الرئیس شیراك ورئیس وزرائھ جوسبان سنة 1998 ، منحصرا فیما إذا كان رئیس أثناء ممارستھ لمأموریتھ ، كما ھو حال شیراك وقتھا ، والذي تحمیھ حصانة وظیفتھ ، یمكن استدعاؤه من طرف قاضي التحقیق كشاھد مآزر ؟ وھل في نفس السیاق بالإمكان متابعتھ أمام المحاكم العادیة على خلفیة ارتكابھ أفعالا سابقة ومنفصلة؟ كانت حینھا الوقائع تتعلق بتسییره لبلدیة باریس؛ فاحتدم الجدل بین فقھاء القانون حول الرد على ھذا السؤال الذي یثیر المسؤولیة الجنائیة لرئیس أثناء ممارستھ لمھامھ ؛ لقد اعتبر البعض أن المادة 68 لا تنص على استفادة الرئیس من استثناء خلال فترة ولایتھ فیما یتعلق بالأفعال المنفصلة عن وظائفھ فاحترام مبدأ المساواة أمام القانون الجزائي الذي ھو الأصل یتعین الرجوع إلیھ حتى یكون رئیس الجمھوریة، كأي مواطن ملزم بأن یجیب على التساؤلات المطروحة حول تصرفاتھ دون انتظار نھایة مأموریتھ. وقد كتب أحد رواد ھذا الموقف ، الأستاذ د. شانیولو في جریدة لیبراسیوه یوم 18 سبتمبر 1998، أن "رئیس الدولة مسؤول جزائیاً عن الجرائم التي تنفصل عن وظیفتھ ، دون أن یستفید من امتیاز قضائي ، وإلا كان مثل الملك المعفي من المساءلة إعفاء مطلقا..."؛ واتجھ كتاب آخرون إلى دحض ھذا الموقف وكان معتمدھم فیما ذھبوا إلیھ قاعدة غیر مكتوبة تكرس حصانة مطلقة لرئیس یمارس وظائفھ وھي قاعدة مستنبطة من مبادئ أخرى ومقتضیات واردة في الدستور، منھا كون رئیس الجمھوریة یمثل الدولة وھو من یكفل دیمومتھا ، وأنھ ھو الضامن للسیر المنتظم للسلطات العمومیة وھو من یذود عن السیادة الوطنیة واستقلال القضاء .....؛ ولا
18
شك في أن ھذه المبادئ والمصالح العظمي قد تتعرض لمخاطر إذا ما تعرض الرئیس ، خلال فترة ولایتھ ، لأي إجراء من إجراءات الإكراه القضائي.
وشدد أصحاب ھذا الرأي علي ضرورة الفصل بین الرجل والوظیفة.
وفي مقال نشرتھ یومیة الفیغارو یوم 06 یونیو 1998 كتب الأستاذ ج. كاركاسون احد أبرز القائلین بھذا الرأیأن "الرئیس كفرد مسؤول جنائیا. لكن الوظیفة محمیة. طالما أن الشخص یمارس الوظیفة، فلا یمكن اتھامھ إلا من طرف الغرفتین ولا جھة غیرھا. وعند انتھاء مھامھ ، یجوز لكل قاض أن یتابع الإجراءات التي علقت في غضون ذلك" ؛ وسانده الأستاذ رونفیلوا حین یقول إنھ "ما دام الرئیس في منصبھ ، وطالما استمرت ولایتھ ، یجب إبقاؤه في مأمن من الإجراءات الجزائیة.
{ (Intervention, in Revue de Droit public, 2003, s. p. 98)} ".
ونلاحظ ، عرضا ، حتى لدى فقھاء القانون الذین یعارضون المساءلة الجزائیة لرئیس ما زال یمارس مھامھ ، قیام إجماع على إعطائھ امتیازا قضائیا مؤقتا للجرائم المنفصلة ؛ ولا یفتؤون یؤكدون تمسكھم بانتھاء ذلك الامتیاز لما تنتھي الوظیفة ، فلا خلاف عندھم حول ھذه النقطة. لقد انحصر الجدل حول الوضعیة الجزائیة لرئیس الدولة المزاول لمھامھ، على أساس الحصانة المطلقة، وھو المبدأ الذي یتعارض مع محاكمتھ أمام المحاكم القضائیة. وقد ظل من البدیھي للجمیع مما لم یكن یوما ما موضع نقاش كون أي رئیس یمكن أن یحاكم بعد انتھاء مأموریتھ
حیث یصبح مواطنا عادیا تحاكمھ المحاكم العادیة.
لقد اعتمدت أكبر ھیئتین قضائیتین فرنسیتین ھذه القاعدة وإن كان ذلك من منظورین اثنین مختلفین.
فالمجلس الدستوري الفرنسي ، خلال جلستھ یوم 22 ینایر 1999 المخصصة للبت في مدى مطابقة معاھدة روما بتاریخ 18 یولیو1998 المنشئة للمحكمة الجنائیة الدولیة مع الدستور الفرنسي ، تعرض للمسؤولیة الجزائیة لرئیس ما زال یمارس وظائفھ وذلك على النحو التالي: "بالنظر إلى أنھ یستنتج من المادة 68 من الدستور أن رئیس الجمھوریة یتمتع بالحصانة فیما یتعلق بالأعمال التي یقوم بھا أثناء ممارستھ لمھامھ، ما عدا حالة الخیانة العظمى ، وأنھ نظرا إلى أنھ فضلا على ذلك لا یجوز التعرض لمسؤولیتھ الجنائیة إلا أمام محكمة العدل السامیة وذلك
طیلة مدة تأدیتھ لھذه المھام."
19
لقد أثار ھذا القرار جدلا واسعا وتعرض للانتقاد لكونھ، على وجھ الخصوص، وسع مجال اختصاص محكمة العدل السامیة لیشمل المسؤولیة الجنائیة للرئیس وھو في مزاولة مھامھ في مجال غیر الخیانة العظمى المنصوص علیھا حرفا ولم یغیر المجلس الدستوري شیئا بالنسبة لرئیس سابق لأن القرار المذكور أكد من خلال استخدامھ لعبارة "أثناء تأدیتھ لمھامھ" أن الأمر یتعلق حصرا بالرئیس المزاول لمھامھ؛ وبالتالي عندما یترك وظیفتھ فإن تقدیر مسؤولیتھ الجنائیة یعود للمحاكم العادیة. ولرفع اللبس حول ھذه النقطة، نشر المجلس الدستوري بیانا توضیحیا یوم 10 أكتوبر 2000 ورد فیھ "أن قرار 22 ینایر المحدد للوضعیة القضائیة لرئیس الجمھوریة بخصوص أفعال سابقة لتولیھ وظیفتھ أو ھي منفصلة عنھا یبقي على إمكانیة متابعتھ أمام محكمة العدل السامیة أثناء مأموریتھ، وعلیھ فإن ھذه الوضعیة لا تمنحھ حصانة بل مجرد امتیاز قضائي
طیلة المأموریة".
أما محكمة النقض في تشكیلة غرفھا المجمعة فقد حسمت الجدل القضائي بقرار الصادر یوم 10 اكتوبر 2001 الذي ورد فیھ : " تفسر مقتضیات المادة 68 بأنھ لما كان الرئیس منتخبا بشكل مباشر من طرف الشعب لیضمن ، من بین أمور أخرى ، استمرار سیر السلطة العمومیة ودیمومة مرافق الدولة ، فإن رئیس الجمھوریة لا یستمع إلیھ طیلة مأموریتھ كشاھد مآزر ولا یحقق معھ ولا یذكر اسمھ أو یحال كمتھم أو مشتبھ فیھ أمام محكمة جزائیة ، وھو لیس ملزما بالحضور
كشاھد عندما یكون الاستدعاء مصاحبا بإجراءات قسریة.
إن محكمة العدل السامیة مختصة فقط بالنظر في تھمة الخیانة العظمى لرئیس الجمھوریة وھو في أثناء ممارستھ لمھامھ، ولا تمكن مقاضاتھ أو مساءلتھ عن الأفعال الأخرى أمام المحاكم الجزائیة طیلة ولایتھ الرئاسیة، ویعلق احتساب آجال
تقادم الدعوى العامة مدة ذلك."
نلاحظ ھنا أن ما تمسك بھ المستشارون القانونیون للدولة الموریتانیة ، "من طابع مؤقت للحصانة" من أجل دعمھم لاختصاص المحاكم العادیة للبت في الأفعال المنفصلة ، لرئیس دولة سابق ، موقف ثابت مسلم بھ في القانون الفرنسي حتى قبل المراجعة الدستوریة التي جرت سنة 2007 وذلك على أساس تعالیم الفقھ والاجتھاد القضائي حول تفسیر المادة 68 من الدستور الفرنسي )93 من دستور
20
موریتانیا( بخصوص الوضعیة الجزائیة للرئیس طیلة ممارسة مھامھ وھي المسألة الوحیدة التي كانت موضع جدل أو خلاف في التأویل.
أما بخصوص القانون الدستوري الصادر بتاریخ 23 فبرایر 2007 الذي تمت بموجبھ مراجعة المادتین 67 و 68 من الدستور الفرنسي فإنھ ، بالنسبة لكل قانوني جدي ، لا یتضمن معالجة إشكالیة احتمال المتابعة الجنائیة لرئیس سابق ومساءلتھ عن أفعالھ المنفصلة عن وظائفھ فلا جدل حول ھذه الإشكالیة. بل قد كان الغرض من التعدیل الدستوري ھو الوفاء بوعد انتخابي للرئیس جاك شیراك أطلقھ أثناء حملتھ الانتخابیة الرئاسیة سنة 2002 متعھدا بالعمل على توضیح الوضعیة الجزائیة لرئیس الجمھوریة لأن الموضوع سمم أجواء الساحة السیاسیة خلال فترة طویلة من مأموریتھ قبل قرار محكمة النقض في تشكیلة غرفھا
المجمعة الصادر سنة 2001 .
لقد بادر جاك شیراك ، بعد إعادة انتخابھ ، بتعیین لجنة حكماء برئاسة الأستاذ "بول أفریل" التي سلمت مقترحاتھا یوم 12 دیسمبر 2002 وقد اعتمد القانون الدستوري الصادر بتاریخ 23 فبرایر 2007 مجمل ما خلصت إلیھ تلك اللجنة من مقترحات ؛ حیث لم تغیر شیئا یذكر مما كان یحكم متابعة الجرائم المنفصلة كما یظھر في قرار محكمة النقض في تشكیلة غرفھا المجمعة في تفسیرھا للمادة 68
من الدستور الفرنسي )المادة 93 من الدستور الموریتاني(.
ویكفي- للتأكد من ذلك- القیام بمقارنة المادة 67 الجدیدة ، بعد مراجعة الدستور مع ما أقرتھ محكمة النقض قبل ذلك ، فالنص الجدید أورد " إن رئیس الجمھوریة غیر مسؤول عن الأفعال التي یتم ارتكابھا بوصفھ رئیسا ، مع مراعاة أحكام المادتین 53-2 و 68. ولا یُطلب منھ خلال فترة ولایتھ الإدلاء بشھادة أمام أي سلطة قضائیة أو سلطة إداریة فرنسیة ولا أن یكون موضوع مذكرة إشعار أو تحقیق أو مقاضاة ویتم تعلیق كل فترة تقیید أو حبس صادرة في حقھ. على أن یستأنف التحقیق والإجراءات التي تم إیقافھا أو رفعھا ضده فور انصرام شھر
واحد على انتھائھ من أداء مھامھ." إن قراءة ھذا النص تستدعي منا تقدیم ملاحظات ثلاث ھي:
أولا: إن المقتضیات الجدیدة تخص حصرا الوضعیة الجنائیة لرئیس ما زال یتولى مھامھ
21
ثانیا: جاءت ألفاظ ھذا النص متقاربة إلى حد التطابق مع ما ورد في قرار محكمة النقض سنة 2001 على أساس المادة 68 من الدستور )المادة 93 من الدستور الموریتاني(
ثالثا: من الطریف أن الفقرة الأخیرة من المادة 67 الجدیدة من الدستور الفرنسي التي یرجع إلیھا المحامیان الفرنسیان مع أنھا نصت على أن متابعة الرئیس السابق لا تتم إلا بعد انقضاء شھر من نھایة مأموریتھ ، ھذه ھي الإضافة الوحیدة التي
استحدثھا النص على ما جاء في قرار محكمة النقض.
إذا كنا قد بذلنا ھذا الجھد الكبیر من أجل تقدیم تفسیر وتعلیل للقانون الفرنسي، - حتى وإن كان لا ینطبق على موریتانیا ، الدولة المستقلة منذ 1960 ، والتي تفسر وتطبق قوانینھا من طرف قضاتھا ولیس من طرف محامیي "بریست – باریس- مرسیلیا" - فذلك من أجل تنویر الرأي العام الوطني والدولي والقانونیین النزیھین في موریتانیا وفرنسا وخارجھما ، وإبراز مدى وھن وھشاشة الحجج التي یعتمدھا زمیلانا الفرنسیان بل سطحیتھا حین یستدلان بالقانون الفرنسي الذي ندعوھما لتصحیح معلوماتھما فیھ قبل أن یقدما لنا
الدروس في طریقة تفسیرنا لقوانین بلدنا وللعلة مما جاء فیھا.
3-2 - حول القول زعما بعدم شرعیة لجنة التحقیق البرلمانیة
یحذو المحامیان الفرنسیان للسید محمد ولد عبد العزیز ، حذو النعل بالنعل زملائھما الموریتانیین الموكلین معھما ویتبنیان ما ذھبا إلیھ من زعم عدم شرعیة لجنة التحقیق البرلمانیة الذي صار منذ بعض الوقت ھو "السلاح الفتاك" الذي یلوح بھ دفاع الرئیس السابق. والحجة الرئیسیة لدیھم للقول بعدم شرعیة اللجنة
تنطلق من موقف نظري صادم ، شدید السطحیة ! فقد تذرعوا في ان الدستور لم
ینظم اللجان البرلمانیة للتحقیق وبالتالي تكون اللجنة التي شكلت بالإجماع للتحقیق في بعض الملفات التي تظھر مدى حجم النھب المنظم لممتلكات الشعب الموریتاني وموارده خلال حكم موكلھم اعتبر دفاع محمد ولد عبد العزیز أن ھذه اللجنة ھي ، بالضرورة ، مخالفة للقانون واستنتجوا من منطقھم الغریب ھذا أن "كل الإجراءات
خارج القانون" بحسب نفس المحامین !
22
ولو اعتمدنا ھذا الطرح القائل بعدم شرعیة كل ما لم یبوب علیھ حرفا في الدستور لأصبح جل نشاطات الدولة المقام بھا فعلا خارجة عن القانون.
خلافا لھذا الطرح وحتى نرجع إلى قلیل من الجدیة فإن لجان التحقیق البرلمانیة یحكمھا النظام الداخلي للجمعیة الوطنیة الذي جعلھ الدستور بمثابة القوانین النظامیة التي ھي، في القانون الفرنسي ، مرجع المحامیین الفرنسیین ومستمدھما ، قوانین مكملة للقواعد الدستوریة یراد من سنھا تنظیم مختلف السلطات العمومیة وبالتالي تعتبر أسمى من القوانین العادیة. وللقوانین النظامیة خصوصیة أخرى فمقتضیاتھا تحسم كل جدل قانوني حول شرعیة اللجان البرلمانیة في موریتانیا إذ ھي قوانین تخضع ـ حتما ـ قبل اعتمادھا لنظر المجلس الدستوري للتأكد من عدم تعارضھا مع الدستور. فالمادة 86 من الدستور تنص على ما یلي "تقدم للمجلس القوانین النظامیة قبل إصدارھا والنظام الداخلي للجمعیة الوطنیة قبل تنفیذه
وذلك للبت في مطابقتھ للدستور."
وبما أن النظام الداخلي للجمعیة الوطنیة خضع لرقابة المجلس الدستوري قبل إصداره ولما كانت ھذه الھیئة القضائیة قد اعتمدتھ واعتبرتھ مطابقا للدستور فكیف، والحالة ھذه ، یمكن القول بعدم دستوریتھ؟ .
نذكر زملاءنا ، بأنھ ورد في المادة 87 من الدستور ، ما نصھ "تتمتع قرارات المجلس الدستوري بسلطة الشيء المقضي ، لا یقبل أي طعن في قرارات المجلس الدستوري وھي ملزمة للسلطات العمومیة وجمیع السلطات الإداریة
والقضائیة."
وعلیھ من غیر المستساغ الطعن في دستوریة اللجنة البرلمانیة اللھم إلا إذا كان ھذا الطعن منصب على شرعیة الدستور من أصلھ ! وحري بنا أن عدم شرعیة اللجنة البرلمانیة لم تثر عند إنشاء اللجنة ولا خلال عملھا ولا عند انتھاء مھمتھا وإیداع تقریرھا. فھل لا من الغریب أن یتم الطعن فیھا بعد كل تلك المراحل؟ وعلى كل حال لا مسوغ الیوم لإبداء مآخذ قانونیة على عمل ھذه اللجنة بعد أن صار الملف بید القضاء الذي ھو، بحكم الفصل بین السلطات ، غیر ملزم بما ورد في تقاریر ھذه اللجنة ولا بما خلصت إلیھ وھذا ما حدا بالنیابة العامة إلى أمر الشرطة القضائیة بالقیام بالتحقیق الابتدائي، وبالتالي لا دلیل یركن إلیھ ولا یمكن التعلل
23
بعدم شرعیة كل الإجراءات بزعم عدم شرعیة اللجنة الذي لا قیمة لھ مثل باقي الحجج المثارة في وجھ ھذه المسطرة.
بماذا نختم مذكرتنا ھذه؟
لقد فضلنا ، في ردنا على الرسالة المفتوحة التي نشرھا یوم 2020/10/03 المحامیان الفرنسیان المدافعان عن السید محمد ولد عبد العزیز، جعل الجدل حول الموضوع في سیاقھ القانوني المحض ، مستشھدین بالنصوص ومعتمدین على الفقھ الدستوري الذي ینیر مضمون ھذه النصوص وما یترتب عن تطبیقھا من اجتھاد قضائي وقیاس جلي حدد معانیھا ودلالاتھا، فابتعدنا ، قدر الإمكان عن المراء والتجاذبات العقیمة. وقد دعانا زمیلانا الفرنسیان "بتحد سافر" إلى مناظرة علنیة معھما ولنا أن نتساءل ما الغرض المتوخى من نقاش مع من لا یحمل قانون
بلده محمل الجد ویتعالى على زملائھ الموریتانیین ویعرض بھم .
إننا ، فضلا عن ذلك ، نرى أن مھام المحامي الجاد لا تكمن في البحث عن خلق السبق الإعلامي بأقل ثمن ممكن باللجوء إلى الذم والسب وتھدید الدولة ومؤسساتھا وممثلیھا سبیلا إلى ذلك ؛ وننبھ إلى أن الرھان في ھذا الظرف بالنسبة لشعبنا الذي سلب من موارده ومقدراتھ أعظم من أن یكون الجدل القانوني حول الآلیات القضائیة المستخدمة لاسترجاع ھذه الأموال والموارد مجرد وسیلة لحصول البعض على شھرة فیما وراء البحار بأقل جھد ممكن أو ھي أدوار تسلیة یوزعھا
فریق الدفاع
24
مغامرون بینھم./.

تصفح أيضا...