توطئة
- تكرَّرت مؤخراً الاتهامات ضد السودان من قبل الناطق الرسمي لقوات حفتر العقيد / أحمد المسماري قائد قوات عمليات الكرامة في ليبيا واتهامه المباشر للسودان بدعم المجموعات الإرهابية في ليبيا.
- جاء ذلك بعد اعتراف المجتمع الدولي بمشاركة الحركات الدارفورية السالبة في القتال مع حفتر بالوكالة مقابل الحصول على المال ومطالبة السودان بالتدخل لإدانة هذا المسلك الذي يُهدِّد الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
تفاصيل الإدعـاءات
- بعد قرار دول (السعودية ، الإمارات ، البحرين ومصر) بمقاطعة دولة قطر مطلع شهر يوليو الماضي واتهامها بدعم الإرهاب نظَّم العقيد المسماري عدة مؤتمرات صحفية في بنغازي متهماً قطر بدعم المجموعات الإرهابية في ليبيا وفي آخر مؤتمر صحفي له بمدينة بنغازي بتاريخ 22/6/2017 م تم توجيه اتهام مباشر للسودان فيما أسماه بأنشطة السودان في الساحة الليبية والتورط في جرائم تم ارتكابها في ليبيا بمساعدة حكومة السودان من خلال الإدعاءات الآتية :
أ. تنسيق الفريق ركن / صديق عامر – رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الأسبق مع جماعة أنصار الشريعة في ليبيا ودعمهم بالتدريب والمعلومات والسلاح .
ب. التدخل السوداني داخل ليبيا وأشار في اتهاماته بدعم الجماعات الإسلامية كالإخوان والجماعات الجهادية كأنصار الشريعة.
ج. زعم أن هناك اتصالات بين السودان وقيادات ليبية متطرفة مثل صلاح بادي وعبد الحكيم بلحاج .
- على خلفية هذه المزاعم أصدرت الخارجية السودانية بياناً بتاريخ 24/6/2017 م نفت فيه هذه المزاعم جملةً وتفصيلاً .
- ونسبةً للتغطية الإعلامية الضعيفة في مدينة بنغازي قامت السلطات المصرية وبالتنسيق مع قناة (ON.TV) بترتيب مؤتمر صحفي في القاهرة للمسماري وذلك بتاريخ 4/7/2017 م حيث جدَد المسماري اتهاماته ضد قطر وتعتبر قناة (ON.TV) هي القناة الأولى في مصر والأكثر مشاهدة وتتبع لرجل الأعمال أحمد أبو هشمية وتحدث أيضاً عن السودان مُدعياً بأن وزارة الخارجية تشكك في هذه المعلومات والتي استند فيها على محضر اجتماع (اللجنة الأمنية العليا) بتاريخ 31/8/2014 م وأنه يمتلك وثائق خطيرة تؤكد هذه المعلومات وقام باستعراض عدداً من الصفحات(الملفقة) من محضر الاجتماع كوثيقة تتضمن اعترافات مزعومة.
- الخطوة اللاحقة للمؤتمرات الصحفية بكل من بنغازي والقاهرة والتي تأتي في إطار توسيع دائرة الاستهداف لتشمل دول أخرى غير دولة قطر تمثلت في إتاحة المنابر الإعلامية والصحفية للعقيد / أحمد المسماري لمزيد من الترويج للاتهامات ضد السودان والمزايدات الإعلامية لهذه الإدعاءات بدعم المجموعات الإرهابية في ليبيا وهذه بعض الأمثلة لتلك التصريحات الإعلامية:
- حديث المسماري لصحيفة (فيتو المصرية) بأن السودان دائماً ما يلعب دوراً إرهابياً في ليبيا وهو حلقة الوصل بين قطر وتركيا والجماعات الإسلامية الإرهابية سواءا في مصر أو في غيرها بهدف زعزعة الاستقرار في مصر عبر الأراضي الليبية .
- في تصريح لصحيفة (صدى البلد المصرية) قال المسماري أن السودان يعاني من مشاكل متعددة وأن الفكر الإخواني بالسودان سيكون خنجراً في ظهر مصر وكذلك للسيطرة على مصادر النفط الليبية.
- أكد المسماري لقناة (ON.TV) بتاريخ 3/7/2017 م بدعم السودان للإرهاب في ليبيا والعمل بمشاركة قطر وتركيا للسيطرة على ليبيا .
- كذلك في لقاء على برنامج (بتوقيت القاهرة) الذي يقدمه يوسف الحسيني تحدث المذكور بأن لديهم الكثير من المستندات الخطيرة التي تُدين السودان وتفضح حكومته أمام العالم بالتآمر على ليبيا والسعي لتمكين الإسلاميين وحل مشاكل السودان من النفط الليبي .
- خلال لقائه بفضائية (إكسترا نيوز) بتاريخ 11/7/2017 م تحدث المسماري بأن السودان وفقاً للوثائق أكثر الدول استقرارا لأنه يتعامل مع كافة الجماعات الإسلامية المتطرفة.
- وفي تطور جديد وتصعيد إعلامي متواصل قام المسماري بعقد مؤتمر صحفي في قاعدة بنينة الجوية بليبيا حيث ذكر بأن استخباراته تحصلت على محضر مداولات اجتماع سري آخر للجنة الأمنية والإستخبارية والسياسية لإدارة الأزمات المُنعقد بمكتب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني بتاريخ 18/6/2017 م .
- وذكر بأن الاجتماع تناول أزمة الخليج وتطورات الأوضاع داخل الحركة الشعبية ورفع العقوبات الاقتصادية كما تحدث المسماري بأن السيد الرئيس ذكر في حديثه بوجود صراع بين مصر والإمارات والأخوان لتنصيب خليفة حفتر في ليبيا وهذا يهدد الحكم في السودان وأننا دعمنا الإخوان في مصر بمساعدة قطر وإيران .
تحليل للوثائق التي إستند عليها المسماري في إدعاءاته
- لتأكيد هذه المزاعم الكاذبة استند المسماري على وثيقة مُفبركة كان قد روَّج لها الناشط الأمريكي المدعو / أريك ريفز وهو معروف بمعاداته للسودان حيث نشر جُزءاً منها في صفحات التواصل الاجتماعي وفي موقع حريات المُعادي بتاريخ 27/9/2014 م .
- سبق وأن قدم السودان رداً وافياً على الوثيقة المُفبركة السابقة التي نشرها أريك ريفز في العام 2014 م وتم تفنيدها بصورة مفصلة من حيث الشكل والمحتوى وتمثل ذلك في الآتي :
- ذكرت الوثيقة أن الاجتماع المعني هو اجتماع (اللجنة العسكرية الأمنية) ولا يوجد بالدولة وفي كل المستويات السياسية أو الإدارية أي لجنة بهذا الاسم.
- أشارت الوثيقة أن الاجتماع انعقد بمباني كلية الدفاع الوطني بالخرطوم وليس هناك ما يبرر عقد اجتماع برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية بمباني الكلية دون أن يكون بالقصر الجمهوري أو مجلس الوزراء .
- كلية الدفاع الوطني مخصصة للدراسة فقط ويوجد بها عدداً من الدارسين من داخل وخارج السودان مما يؤكد النفي القاطع لعقد اجتماع بهذه الأهمية بهذا المكان كما تزعم الوثيقة .
- من الملاحظ أن الحديث المنسوب للحضور يظهر أنهم تحدثوا في غير تخصصاتهم إذ ذكرت الوثيقة حديثاً عن التمرد العسكري على لسان مدنيين وحديثاً عن العلاقات الخارجية والإرهاب على لسان قادة الجيش وحديثاً عن الحريات الصحفية على لسان قادة الشرطة.
- هناك عدد من الذين وردت أسماءهم بالوثيقة بأنهم من ضمن الحضور في الاجتماع وقد كانوا خارج البلاد في ذلك التاريخ منهم على سبيل المثال ( د. مصطفى عثمان إسماعيل والفريق صلاح الطيب) .
- تناولت الوثيقة بعض المدنيين بأنهم عسكريين وبرتب عليا (فريق) مما يقدح في مصداقيتها منهم (عبد القادر محمد زين - عبد الله الجيلي).
- ذكرت الوثيقة أن الفريق / هاشم عبد الله هو رئيس الأركان المشتركة وهذه معلومة غير صحيحة ولا يُمكن لمصدر ذي ثقة وقادر على تسريب وثائق عالية السرية أن لا يعرف من هو رئيس الأركان في العام 2014 م .
- تجدُر الإشارة أن الرد على الوثيقة المُفبركة تم توزيعه على نطاق واسع وأُرسلت نسخة منه إلى الناشط أريك ريفز .
- كما استند المسماري في حديثه على وثيقة أخرى مفبركة بأنها محضر لاجتماع بمكتب مدير جهاز الأمن وبرئاسة السيد رئيس الجمهورية بتاريخ 18/6/2017 م.
تفنيد الإدعاءات والمزاعم المُستندة على الوثائق المُفبركة
- رغم أن المسماري استند في إدعاءاته على وثيقة أريك ريفز المفبركة القديمة وعرض صفحات منها خلال المؤتمر الصحفي في القاهرة إلا أنه استند في حديثه على معلومات لم تتضمنها الوثيقة ومنها على سبيل المثال :
- أشارت الوثيقة للعلاقة بين السودان وصلاح بادي وعبد الحكيم بلحاج مع العلم بأن الوثيقة لم ترد فيها الإشارة لهذه العلاقة وأن هذه العلاقة لا وجود لها أصلاً .
- الإدعاء بأن الوثيقة تناولت حديث للفريق ركن / صديق عامر حول التنسيق مع جماعة أنصار الشريعة في ليبيا التي تمثل جماعة الأخوان المسلمين والتي تقوم بتقديم التدريب والمعلومات والسلاح لهم وهذا الإدعاء كاذب كما لم يرد في الوثيقة المزعومة.
- استعرض المسماري النفوذ السوداني المزعوم داخل ليبيا عبر دعم الجماعات الإسلامية كالإخوان والجهادية وأنصار الشريعة على أساس أن ذلك متضمن في الوثيقة المزعومة ولكن لم يرد في الوثيقة أي نص بهذا المضمون .
- الوثيقة الثانية الجديدة التي استند عليها المسماري شملت التناقضات والأكاذيب التالية :
- شعار جهاز الأمن والمخابرات الوطني المشار إليه في المحضر لا يمثل شعار الجهاز المعروف والمنشور في كل المواقع والذي يُظهر علم السودان أسفل منه في الوثيقة المزعومة.
- لا يوجد جسم في الجهاز أو في الدولة بصورة عامة يحمل اسم (اللجنة الأمنية والإستخبارية والسياسية لإدارة الأزمات) .
- الحضور في الاجتماع المزعوم احتوى على تناقضات إذ ليس هناك ما يبرر ذكر اسم وزير الدولة بالخارجية / حامد ممتاز قبل مساعد رئيس الجمهورية / إبراهيم محمود حامد .
- كما اشار المحضر لحضور الفريق أول ركن / إبراهيم محمد الحسن بصفته قائداً لهيئة الاستخبارات والأمن حيث أن المذكور أحيل للمعاش قبل التاريخ المزعوم لإنعقاد الاجتماع بفترة (18/6/2017 م ) وقد تم تعيينه سفيراً بالخارجية ومعلوم أن مدير الإستخبارات الجديد هو الفريق ركن / جمال عمر.
- أورد التقرير المزعوم اسم البروفيسور / إبراهيم أحمد عمر – رئيس البرلمان في نهاية قائمة الحضور مع العلم أن المذكور يعتبر الرجل الرابع في الدولة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يذكر اسمه في وقائع محضر بهذه الأهمية في نهاية القائمة كما يدَعي المسماري.
- اتهم التقرير السودان بتصدير الإرهاب من سوريا والعراق إلى جنوب السودان ومنها إلى ليبيا وهنالك دلائل تنفي ذلك وبعلم المجتمع الدولي إذ لا يخفي علي الجميع جهود السودان في مكافحة الإرهاب من خلال خطوات ملموسة وليس عبر الإدعاءات.
- أشار المسماري في التقرير المزعوم لتقسيم الجيش الشعبي في النيل الأزرق عبر خطة محكمة بواسطة حكومة السودان حيث أن الانقسام حدث بالفعل قبل أكثر من شهرين نتيجة لخلافات داخلية بين قيادات الحركة وكان ذلك باعتراض مجموعات بقيادة المتمرد / جوزيف تكا على سياسة المتمرد / مالك عقار في المنطقة مستفيدين بذلك من خلافات المتمرد / عبد العزيز الحلو مع الأخير والتي أدت إلي عزله وهذا الأمر لا يحتاج إلى خطة محكمة كما ذكر تقرير المسماري .
- هناك معلومات تؤكد أن هذا التقرير المزعوم تم إعداده بواسطة المتمرد / ياسر عرمان ومجموعته المتهالكة بغرض صرف الأنظار عن ما يدور من خلافات داخل المجموعة ولاتهام الحكومة بزرع الفتنة فيما بينهم وتم التنسيق في إعداد هذا التقرير مع حفتر الذي يدعم الحركات المتمردة السودانية بشكل عام.
- من خلال هذه النماذج يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الجهات الداعمة لحفتر والتي تروِج لمثل هذه الإدعاءات تعتمد على الآلة الإعلامية للتغطية على الحقيقة وتضليل المجتمعات المحلية والإقليمية وتشتيت تركيزها عن الوثائق والأخبار والإفادات المؤكدة التي تثبت تورط جهات إقليمية بعينها في دعم المجموعات المتمردة في السودان بالسلاح والعربات والمدرعات بالتنسيق مع قوات حفتر .
لماذا هذه الإدعاءات ؟ وفي هذا الوقت بالذات ؟
- المُخطط الأخير للحركات الدارفورية المُتمردة التي تحركت وبالتزامن من محوري ليبيا وجنوب السودان للالتقاء في دارفور ومن ثم الدخول إلى منطقة وادي هور وإعلانها منطقة مُحررة كشف عن حجم الدعم والتشوين الذي تحصلت عليه هذه الحركات عبر القتال بالوكالة مع قوات حفتر منذ العام 2015 م .
- لم تتردد الحكومة السودانية بما توفر لديها من مضبوطات حربية ومن خلال استجواب واعترافات أسري الحركات المتمردة المقبوض عليهم مؤخراً في الإعلان عن تورط بعض الجهات عن طريق خليفة حفتر في تقديم الدعم لهذه الحركات بغرض زعزعة الأمن والاستقرار في السودان .
- نشر الوثائق والصور التي تؤكد هذا الدعم تسبب في الحرج البالغ لقوات حفتر والجهات الداعمة له وقد ساعدت أزمة الخليج الأخيرة ووثيقة
(أريك ريفز) المزعومة في تنفيذ حملة مضادة مبنية على الكذب والإدعاء لطمس حقيقة دعم حفتر للحركات الدارفورية السودانية السالبة . - تأتي خطوة المسماري التصعيدية عبر المؤتمرات الصحفية في كل من بنغازى والقاهرة بالتزامن مع أزمة الأشقاء في الخليج العربي لزعزعة الموقف السوداني الحكيم(الحياد) ومحاولة تصنيفه لصالح معسكر مُحدَّد .
الخاتمـــــة
- يظل السودان داعماً للتعاون الإستراتيجي بعيد المدى مع كافة دول الجوار (تجربة القوات المشتركة مع تشاد – القوات المشتركة الثلاثية مع إفريقيا الوسطى وتشاد) والتي تجعل من الحدود معابر لتبادل المنافع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الدول وليس مهدداً لأمن الدول أو معبراً للأنشطة السالبة .
- هذه هي رسالتنا إلى الأشقاء في ليبيا ونحن مع خياراتهم التي تحترم حق الجوار ونسعى لخلق جواراَ آمناً وفق رؤية إستراتيجية مشتركة.