من الطموح إلى البصيرة: الحد الفاصل للمهلة / مذكرة تقييم سنة من المأمورية الرئاسية بموريتانيا

اثنين, 03/08/2020 - 11:27

 

في السياسة، يدخل التعهد في نطاق الديْن. في يوم 7 يونيو 2019، بادرنا، من خلال بيان لنا، موقع من قبل "موريتانيا قبل كل شيء"، إلى مساندة ترشح محمد ولد الشيخ الغزواني لقيادة البلاد. وبعد أيام، وفور إعلان انتخابه، الذي اعترض عليه جانب من الرأي العام، عبرنا عن موافقتنا على مشروع إعادة تأسيس شامل للدولة على أسس العدالة أولا، ومن ثم النزاهة والجدارة، وأكثر من ذلك، كان دفع المجتمع لشراء السلام بالإنصاف كثمن له مُلهمًا لبياننا الصادر فاتح يوليو 2019 تحت العنوان البارز "السيد الرئيس، فوزكم يرغمكم...". وهكذا منحنا النظام الجديد مهلة سنة من الهدنة ومن التشجيع ومن الترقب بغية أن يُحيي الأمل وأن يُرسي أسس الإصلاح. وقد انتهت المهلة، وحلت فرصة استخلاص الدروس من السباق نحو الأصوات وصقل آفاق اختبارها على أرض الواقع:

أ.مكتسبات وهشاشتها

1.أهم إنجاز في بداية الخمسية يكمن في إنشاء وإكمال لجنة التحقيق البرلمانية في الفترة ما بين 31 يناير إلى 26 يوليو 2010. وإلى غاية هذا اليوم لا يوجد مماثل لها في القارة باستثناء جنوب إفريقيا.

وبالرغم من انعدام التجربة لدى غالبية المشرعين، وبالرغم من جائحة كورونا وغياب عمل شبيه سابق في موريتانيا، فقد قامت الهيئة بعمل محاسبي رائع دونما فشل في صياغة الحصيلة، فنتائج التحريات لم تتملص من المسؤوليات ولم تحجب الافتراس شبه الموروث. وهكذا لم تعد جودة العمل تسمح بالمراوغة كما لم تعد تسمح بالامتناع عن المضي قُدُمًا. لا شك أن قراءة مجمل النص وملحقاته لا تعطي إلا لمحة جزئية من التحدي المراد رفعه.

هناك أبعاد حاسمة، مثل وضع حالة مدنية بيومترية من 2011 و2016، واختفاء النطاق العقاري للدولة، ومنح صفة دبلوماسي للقناصلة الشرفيين ولأسرهم، واستخدام الشهادات المزيفة، إنها أمور تأتي لتذكّر بحجم تجذر ثقافة التزوير، بيد أن المريض يسعى للعلاج دون أن يقرأ أو يسمع تشخيص عِلّته.

الوثيقة، المُدّعية لما يكفي من التهم والمعلومات الدقيقة، تمنع أدنى محاولة لتحويل وجهتها أو تقويضها أو تجاهلها تحت طائلة الاتهام بالتمويه على الجريمة. الأدهى من ذلك، أن الكيان الموريتاني لن ينجو من كسوف الوحدة الوطنية مرة أخرى تحت ضغط الإفلات من العقوبة والامتيازات غير المستحقة خلال ثلاثة عقود من العنف والنهب وصلت بها إلى حافة الانهيار بحيث لم تعد تمثل إلا دِهانا مهزولا. 

1.بعض ردود الفعل المرحلية على تعطل الإدارة وجهاز العدالة تلمح إلى حساسية أكبر تجاه الفضيحة، فخلال السنة الفارطة اتخذت تدابير-غير ذات بال- عندما تعلق الأمر بالإطاحة بمسؤول مخطئ أو تصحيح اختلال في التسيير أو استعادة حق شخصي من براثن التعسف. 

وتحصد السلطة التنفيذية، على مستويات مختلفة، القدرة غير المعقدة على احترام المعارضين والاستماع إلى وجهة النظر المخالفة، وهو نمط من التسوية ديسَ خلال عشرية الرئيس محمد ولد عبد العزيز. بيد أنه بمقارنة ما يتمتع به موظفو الدولة من إفلات من العقوبة وإحصاء التجاوزات المزعومة، فإن نسبة جبر الأعطاب تظل دون التطلعات. وإن تعيينات مجلس الوزراء وباقي الترقيات السامية تشهد على ديمومة الهوس. ومنذ تناوب يونيو 2019، واصلت المناوبة الدورية بين القبائل والعشائر تكريس الممارسة الحصرية للسلطة والتمتع بالامتيازات المتمخضة عنها. كل ذلك يحدث وكأن موريتانيا لا تملك نخبة بديلة للوضع الراهن. إن الإفراط في التشبث بالموظفين المسيئين يتواصل في حضن الجيش الحارس والحامي الخفي للمحاباة والتسيب الذيْن بفضلهما يعاد إنتاج النظام المتضامن مع الركاكة. هناك شخصيات تستفيد من الإثراء الخصوصي باسم الوظيفة، وضباط تتوجب مساءلتهم عن التعذيب والترحيل والتقتيل ذي الطابع العرقي، ما يزالون يحافظون على مواقع متنفذة.

حول هذا الموضوع الخاص، فإن حصيلة السنة الأولى من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني باءت بالفشل حتى ولو أن لب التحكيم المحيط به، عكسا لسلفه، لا يقوم بمقاومة أيديولوجية للتغيير. لكن ها هو الاستعداد النظري للاعتراف بالأخطاء، وإدارات مجمل التفاصيل، وإصلاح الأضرار، وتأهيل الكفاءات، والإعلاء من شأن الاستقامة في مقياس قيّم القادة، يصطدم بعثرة الضغائن والإهمال الذي لا يجد من يتحمل مسؤوليته. الكسل والقدرية والخمول أمام فدية التحول الحاسم لآليات التداول والقرار تقود إلى الخلبطة على المدى القريب. هنا، لم يتم طي الصفحة ما دامت تحمل حمولة زائدة من عادات التجنب وحتى التسويات المنضبطة. إن الخوف من الإضرار بالتوازنات التي يستند عليها الاستقرار اليومي للهيمنة، يمنع القيام بعمل مّا ويؤخر موعد القطيعة رغم أنه محتوم. كلما تراكم هذا التأخير أكثر، لن يكون بمقدور التضحية أن تتحكم في التنافر والعنف.

ب.الغد وإملاءاته

3.عكسا للأفكار المسبقة، فإن موريتانيا تحوز مصادر طبيعية قليلة جلها غير متجددة، من هنا تنشأ الحاجة الملحة لإعادة اختراع نمط تنمية بديل لاستهلاك الجمهور، لأن الدفع الاجتماعي في عمق الصحاري يتطلب تعبئة موارد الخيال واستقراء المستقبل والمعرفة. 

ويذكّر رهان التعليم بضرورة التركيز على تكوين الشباب من أجل ظهور نموذج تنافسي بمنأى عن شراك  سيطرة اللغة الواحدة التي تخلت لأبناء الفقراء  عن المدرسة العمومية. إن تبرير الخيارات التي كانت سببا في الخطأ كان باهظ الثمن بالنسبة لموريتانيا فهدم وحدتها وبرهن على الإفلاس الدامي المرتمي في العالم العربي حيث قاست أجيال بأكملها، من التلاميذ والطلاب، من المعضل الثلاثي: البطالة والتطرف الديني والهجرة.

لقد حان الوقت لنطّلع مجددا على العالم المحيط بنا، ونخفف من الوقع العاطفي للعلاقة بالذاكرة، مستبدلين إياه بالتشبث باللغات الوطنية والأجنبية، وأن نتوقف عن خلبطة التاريخ الرامية إلى مداواة اضطرابات نفسية أو إلى إرضاء الخواطر. إن عصرنة السيّر الذاتية ستساهم في إنعاش التميز وتعيد إلى الحقيقة طعمها. 

التعليم الانتقائي المفتوح على الرقي البشري وعلى الفلسفة والحرف اليدوية والفنون والتكنولوجيا، يعزز العقد الاجتماعي بفضل الميل إلى التفوق كما يشكل أساسا للاستقرار وركيزة للمدنية. 

في كيانات أخرى، لا أهمية للتجمعات والمرجعيات الأخلاقية، فالاختلاط،  الذي يعد بوتقة التعلم في مجموعة ما، يعزز الطمأنينة والفخر بالانتماء إلى مجموعة تستطيع أن تقدم الحماية وأن تعترف وأن تكافئ حسب الجدارة المبنية على العقلانية. وبهذا فإن التجديد المنتظر للتعليم يدخل ضمن الوقاية من انعدام الأمن أكثر من أن يكون من أجل اقتناء الترسانات والسهر على الحدود والتكوين العسكري.

3.يترتب على الولاء المطلوب لشعار "شرف-إخاء-عدالة"، واجب إعادة تنظيم وحدات الشرطة والإدارة الإقليمية وعالم القضاء بغية أن نضمن بشكل أفضل كرامة الفرد وقداسة حياته وحرمة جسده والمساواة بين الجنسين. وسيكون من المناسب أن نشكل قطيعة مع خطاب إنكار الحقائق المتعلقة بالعنصرية والرق الذيْن يعتبران خط الانقسام حيث انتهى الأمر بالتردد والأكاذيب ووضعية الدفاع إلى تشكيك أغلبية من المواطنين في الشعور بالمساواة أمام القانون.

إن إبطال العفو الخسيس الصادر سنة 1993، وتحريم العمل في مصالح الدولة على المشتبه في ممارستهم للتعذيب في المفوضيات وأماكن الاحتجاز السري، وتعزيز إسهامات اللجنة الوطنية لحقوق الانسان والمفتشية العامة للعدالة، ستكمل جهود تطبيق قوانين الشفافية التي بدونها تميل الاستثمارات وخلق الثروات، في الغالب، لصالح شبكات الزبونية. 

ودون أحكام مسبقة حول تقرير لجنة التحقيق البرلمانية وإمكانية إجراء تحقيقات إضافية، يبدو لنا من المنطقي ومن الطموح المتواضع، أن نتوقع القضاء على الإلتفاف على القوانين وتزوير الوثائق الرسمية. ومن الجدير أن نحيّي، هنا، جهود المنذرين المستنكرة لبطء وعدم كفاءة المحاكم الواقعة تحت قبضة الزعامات التي يتنافس فيها ما عفا عليه الزمن وحب سَقَط الدنيا.

ج-النقص الذي يتوجب سده

5.بحكم الواقع، فإن الأزمة المتعددة الأوجه في موريتانيا تحث الحكومة على أن تتجرأ على اعتماد خيارات على قدر الافلاس والتفكك. يتعلق الأمر بالصرامة في تحفيز الحلقة الفعالة في الحكامة بهدف تجسيد الرفاه للمواطنين. ومن بين متطلبات اللحظة، فإننا نكرر طلب المصادقة على قانون روما القاضي بإنشاء محكمة العدل الدولية والإحالة للمحكمة الإفريقية بآروشا من قبل روابط وأشخاص حقيقيين. إننا نطالب باعتماد ابروتوكولات اختيارية بخصوص المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، بما فيها اختصاص تشريعات دول أخرى، وتمكين الشخص من اتباع إجراءات قضائية خارج بلاده، وإلغاء الحكم بالإعدام وتشويه الأعضاء. ويتضمن التوجه الجديد عودة موريتانيا كليا إلى حظيرة التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا التي شجبنا الانسحاب منها سنة 2000.

وإن العودة إلى محيطنا الإقليمي تتطلب مراجعة النصوص التي تعتبر اليوم مقدسة مثل المادة 306 من القانون الجنائي التي تنتهك مجمل التزاماتنا الخارجية في مجال الحريات والتسوية السلمية للنزاعات. سنوات قليلة، انجرفت فيها البلاد، بسب أحادية اللغة، في الرعب الطائفي. وإن ظروف غزو الجهاديين للدولة بدت اليوم في التحقق بسبب غياب الرد المدني على خطاب الكراهية. وانطلاقا من الحتمية الذهنية لبعض مفاصل السلطة، أو بسبب الإهمال أو جهل الأبعاد الجيو-سياسية، فإن دبلوماسيتنا ومدارسنا ومصالح أمننا تترك سُم الغلو يفعل فعلته. ورغم أن الحلفاء الأجانب يدركون التهديد، فإنهم لا يقدرون حجمه حق قدره بالرغم من دينامية الدمار في الساحل الذي يمثل حقل عمقنا الاستراتيجي.

د.وصفات اللحظة

في مختتم خلاصة دواعي الرضا والإحباط والتفاؤل، فإننا، نحن المنضوون في "موريتانيا قبل كل شيء":

6- نهنئ النواب الأعضاء في لجنة التحقيق البرلمانية ونحثهم على توسيع عملهم الرائع ليشمل أوجها أخرى من رقابة التسيير خاصة الصحة، ومنح الأرض حسب معيار الأسبقية للسكان الأصليين، والحفاظ على الأنظمة البيئية، والجمارك، والصيد البحري، والامتيازات الممنوحة بخصوص منصات الموانئ، والمزاد بشأن الصفقات العمومية. 

7.ننصح رئيس الجمهورية بتجديد مأمورية السلطة التشريعية (البرلمان) لكي يخلق أغلبية بديلة تمثل التعددية الهوياتية والمشاريع. هذا الهدف يفترض الاعتراف مسبقا بالروابط والأحزاب التي تحترم وحدة الدولة وأراضيها ومبدأ التسوية السلمية للتناقضات. فعندما لا تتعارض الأهداف وقواعد العمل مع القانون العام، فلا شيء يخول ممارسة التمييز ضد الروابط والأحزاب خاصة إذا كانت تطالب برفع ظلم بنيوي. وسيكون مناسبا قبل استدعاء الناخبين أن نسهر على مواءمة منصب نائب مع كثافة السكان. فحتى الآن فإن التقطيعة المعمول بها للدوائر البرلمانية والبلدية تشوه نتائج الاقتراع وتمدد خدعة حسابية تسير ضد مسار الديمغرافيا والمنطق. 

عندما تجتمع ظروف العدالة هذه، فإن الانتخابات في موريتانيا ستنتج، نهائيا، في وجه رغبات وقدرات العودة إلى الوراء، توازنَ قِوَى يكون الدعامة الأخرى للركائز الحالية.

8. خلال مرحلة إضافية من 12 شهرا، ومع تقييم، بَعدي، للحجج المعروضة أعلاه، عليها أن نكرر لرئيس الجمهورية مجددا دعمنا ونطمئنه على استعدادنا لتسريع وتهييج المآل الذي لا رجعة فيه من أجل تعويض موريتانيا المستحَلّة. وإذا كان ذلك هو معنى ولوجه لرئاسة الجمهورية، فإن المواطنين ينتظرون منه ومن معاونيه نهاية نظام التساهل والغموض والود المتراخي كحل وسط. هكذا، وبجراءة خلاقة، سيضمن المستقبل ويسير على خطى الرواد اللامعين. 

خلافا للاحتفال الفلكلوري بالحدث، فاتح أغشت، بمبادرة من المصفقين الموسميين، نأمل في انطلاق العمل الجاد ونقبل بما يوكل إلينا من عِبئه.

نواكشوط بتاريخ 3 أغشت 2020

موريتانيا قبل كل شيء (MAT)

تصفح أيضا...