المبعوث البريطاني: نعمـل بجد لرفـع العقوبات عن السودان (حوار)

اثنين, 04/09/2017 - 17:18

حوار: سلمى محمد آدم إسماعيل- ترجمة: فاطمة عيسى
ناقش المبعوث البريطاني الخاص بالسودان وجنوب السودان، كريس تروت مؤخراً مع عدد من المسؤولين السودانيين ابرز القضايا التي تهم الجانبين كالهجرة غير الشرعية والعلاقات الثنائية والحوار الاستراتيجي بين البلدين وجهود السلام.

وكانت اجتماعات التشاور الاستراتيجي بين البلدين قد بدأت في مارس 2016 بالعاصمة السودانية الخرطوم، بإعتبارها أول محادثات من نوعها على هذا المستوى الرفيع بين البلدين منذ 25 عاما، حيث اتفق السودان وبريطانيا على زيادة التعاون فى مجالات الاقتصاد والاستثمار و الثقافة.

السيد تروت يزور السودان للمرة الرابعة، وخلال زيارته الأخيرة جلس اليه المركز السوداني للخدمات الصحفية (SMC) وأجرى معه  الحوار التالى:

لنستهل هذا الحوار بالسؤال عن الحوار الاستراتيجي بين السودان وبريطانيا، وما الذي حققه حتى الآن؟

العلاقة بين السودان وبريطانيا علاقة قوية وتاريخية، ولكنها قد ضعُفت مع الوقت  واصبحت معقدة للغاية، والحوار الاستراتيجي مع السودان هو الحل الامثل لإعادة بناء العلاقات بين البلدين وتحديد السُبل التي تمكننا من العمل معًا كشركاء، كما أنه وسيلة لمعالجة الخلافات بيننا.

أعتقد ان ما حققه الحوار حتي الآن أنه مكّننا من الجلوس في ثلاث مناسبات والتحدث عن الاشياء التي نتشاركها والخلافات بيننا، وتقاسُم رؤية مشتركة لمستقبل علاقاتنا.

كيف تجد التعاون مع الحكومة السودانية؟

علاقتي جيدة مع حكومة السودان، فعندما جئتُ الي هنا تشرفت بمقابلة كل من الوزير ووكيل وزارة الخارجية، وفي لندن علاقتي جيدة جداً مع السفير السوداني هناك، في الواقع انا كثير السفر، وكلما اذهب الي دولة ما، احاول التعرُف الي السفراء السودانيين بتلك الدولة، و أجد منهم استقبالا حافلا دائما.

لقد زرتُ الصين الاسبوع الماضي وتعرفت الي السفير السوداني هناك، وقبل ثلاثة اسابيع  ذهبتُ الي طوكيو وقابلت السفير السوداني أيضا، وأنا الآن أعرف الكثير من المسؤولين السودانين في انحاء العالم و علاقتي معهم جيدة جدا.

هناك جهود كبيرة تبذل لتقديم المساعدات ورعاية اللاجئين والمتضررين من الصراع في السودان و جنوب السودان، غير ان هناك جهد أقل بكثير يبذل لإيجاد حلول دائمة، ماذا تقول في ذلك؟

لا اوافقك الرأي. في الواقع، هناك كثير من الجهود التي تُبذل في سبيل تقديم المساعدات وتحديدا المساعدات الإنسانية، لكن في حالة السودان فإننا نحاول ان ننظر أبعد من المساعدات الانسانية فقط، محاولين مساعدة الناس لتحسين سبل ميعيشتهم، والنظر حول قضايا التنمية. وهنالك كثير من الجهود تبذل في هذا الشأن، كما ان هناك جهد مبذول فيما يختص بالعملية السياسية. وهنا يكمن دوري كمبعوث (للترويكا)، حيث يتوجب علي العمل جنبا الي جنب مع  رئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوي ثامبو امبيكي. ربما وصفت ذلك بشكل صحيح، فى الواقع اشعر بأنى اعمل لصالحه بطريقة ما فهو فلديه رؤية محددة في جمع الأطراف مع بعضهما البعض.

و دوري هنا يكمن في محاولة حث الأطراف علي الإيفاء بالإلتزامات التي قطعتها علي نفسها  وإيجاد سُبل للتغلب علي العقبات التي تعترض عملية السلام في كل مرة، كما أن هنالك إلتزام من قبل الحكومة البريطانية، وهذا هو جزء اساسي من حوارنا الإستراتيجي.

ما هي التحديات او الصعوبات التي واجهتكم؟

يبدو أن التحديات تتغير، ولكني أعتقد أن إحدى الصعوبات الحقيقية التي نواجهها في الوقت الراهن هي أن الأحزاب السياسية وبعض الجماعات المعارضة في نزاع فيما بينها مما يصعب النقاش على طاولة المفاوضات، كما اشعرُ بقلق بالغ إزاء التحديات التي تواجه قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال، وقد تمكنت من مقابلة قادة الطرفين محاولا تشجيعهم لوضع خلافاتهم جانبا والمشاركة في عملية السلام.

والشي الوحيد الذي اتفق عليه كل من قابلتهم من السودانين وقالوه بصوت عالٍ “نريد أن يحل  السلام في بلادنا”، و كل ما أسمع ذلك أجدد التزامي بالمحاولة لجعلهم يشاركون بجدية في عملية السلام.

هل ترى أن السلام سيحل المستقبل القريب؟

انا مازلت متفائل الي حد ما، فخطة ثامبو مبيكي  جيدة جدا، اعتقد انه بمساعدتنا قد يتمكن من دفع معظم الاحزاب السياسية والمجموعات المعارضة للتوقيع علي عملية السلام.

وأعتقد انه وضع عملية واضحة يمكننا من خلالها تحقيق السلام بوقف العدائيات، كما يمكننا تقديم الدعم للناس في جميع أنحاء البلاد من خلال بعض اتفاقيات الوصول الانساني.

وفي النهاية قد تجلس الاحزاب للتحدث عن السلام، لكن و كما يقولون انهم لا يريدون التحدث عن السلام عندما يكون الناس جوعى أو معرّضين لخطر القتل أثناء الصراع، لذلك نحن بحاجة الي ان نجتاز هذه العملية، فهذا هو الحل المنطقي وأشعر بأننا علي وشك ذلك إذا تمكنا من  إيجاد طريقة للتغلب على الانقسام داخل الحركة الشعبية،  ونحن قريبون جدا من إحراز بعض التقدم في ذلك، وأعتقد أن المجتمع الدولي وجميع أصدقاء السودان بحاجة للعمل علي دعم هذه العملية.

عندما ذهبتُ الي الصين و اليابان لم يكن للتحدث الي السفراء السودانين هنالك، بل ذهبت للحديث مع الحكومات الاخري التي تعد شريكة للسودان حول جهود (الترويكا) لدعم ثامبو امبيكي وللتشجيع  على نقل رسائل عملية السلام.

هلا تحدثنا قليلا عن الحوار الوطني الذى جرى فى السودان مؤخرا؟

الحوار الوطني يعد جزء مهم في النقاش، فأول مرة اتيت الي السودان كانت قبل نهاية الحوار الوطني، ولقد سرني ذلك كثيراً لاننا كنا قلقين جدا من ان ينتهي الحوار الوطني قبل انضمام الاحزاب  المعارضة التي تقطن خارج البلاد و الحركات المسلحة. وكان قلقنا بأنهم سيشعرون انهم مستبعدون، وعندها سيشعرون ان هذه العملية سياسية لا تستحق الخوض فيها، ولكن رئيس الحوار الوطني اكد لي انها بداية النقاش عن مستقبل العملية السياسية في السودان، وهذا هو المهم.

لقد جئت للتو من لقاء مع الأمين العام للحزب المؤتمر الشعبى، حيث تحدث عن نهجهم في مخرجات الحوار الوطني، و أنهم حقيقة يريدون البناء على ذلك من أجل ضمان وجود اتفاق حول تشكيل المستقبل السياسي للسودان.

هذا يعني ان  المملكة المتحدة تدعم جهود السودان في الحوار الوطنى؟

نعم، نحن نؤيد جميع جهود الحوار لأنها يجب أن تكون جزءا من عملية السلام، واتمني ان تجلس قوى نداء السودان والحكومة و الحركات المسلحة والمعارضة، وأستخدام ذلك كأساس للمناقشة، لكنه لا يمكن أن يكون الأساس الوحيد للنقاش.

لقد سافرت إلى دارفور مرارا، ما هو تقييمكم للوضع السياسي والإنساني هنالك؟

حسنا، أعتقد أن هذا شيء نُوقش بشكل مطول في نيويورك مؤخرا مع تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة. ما يجب علينا أن نعترف به هو أن الوضع الإنساني والأمني ​​في دارفور آخذ في التغير، ولكن هذا لا يعني أن الصراع قد تم حله.. وطالما أن هناك توتر، وطالما أن الناس يشعرون بعدم القدرة على العودة من معسكرات النزوح إلى مناطقهم، أعتقد أنه سيكون هناك دور لليوناميد في دارفور، ولكن ليس ضروريا في الأماكن التي كانت فيها على مدى السنوات العشر الماضية، وهذا هو السبب في أن (اليوناميد) اغلقت عدد من قواعدها، ولكن في الواقع طلبت فتح قاعدة واحدة في جبل مرة، وأنني آمل فعلا أن أذهب إلى جبل مرة هذا الأسبوع وإلى قولو، حيث أوصت البعثة بفتح قاعدة لتوفير الأمن للناس هناك.

وفى آخر مرة كنت فيها في دارفور، ذهبتُ إلى شرق دارفور، وشاهدتُ مقدار الدعم الكبير الذي يقدمه السودان لجيرانه، حيث ذهبت لزيارة مخيم للاجئين الذي تم إنشاؤه مؤخرا بالقرب من مدينة “الضعين” للاجئين من جنوب السودان، وأحد الأمور التي أقدرها دائما هو الدفء والترحيب الذي أعطته حكومة السودان والشعب السوداني مرة أخرى إلى للجنوبيين الذين اجبروا الي الخروج من ديارهم بسبب الصراع.

 

ماذا عن التعاون بين المملكة المتحدة والسودان في مكافحة التهريب والهجرة غير المشروعة؟

أعتقد أن المملكة المتحدة تدرك أن الهجرة بجميع أشكالها تضغط على السودان كما تضغط علينا ايضا، هناك عدد من السودانيين الذين هاجروا إلى المملكة المتحدة، فالسودان مُصدِّر للهجرة، ولكنه أيضا نقطة عبور للهجرة ووِجهة للمهاجرين القادمين من الدول المجاورة، ومن البديهي أن تكون الأولوية لمعالجة أسباب الهجرة، في المقام الأول وقف الناس من التحرك، لأنه في النهاية لا أحد يريد أن يترك موطن أجداده.

ولكن إذا كان بوسعنا العمل في شراكة مع السودان لإدارة الطريقة التي يتحرك بها الناس عبر هذا البلد او خارجه، أعتقد أنه امر جيد لكل من السودان وأوروبا. فالشراكة مهمة جدا، ولا سيما علينا أن نحاول وقف العناصر الإجرامية التي تستخدم الهجرة كوسيلة لكسب المال، واستغلال الناس الذين هم في امس الحاجة.

هل يمكن أن تكون أكثر تحديدا؟

تشمل الشراكة العمل بالتعاون مع وكالات إنفاذ حكم القانون، وهي تنطوي على تبادل المعلومات عن الطريقة التي يتحرك بها الناس، وهو في الواقع طريقة هامة في بناء جدول أعمال للتعاون المتعدد الجنسيات.

هذا لا يقتصر فقط علي المملكة المتحدة والسودان ولكن الاتحاد الأوروبي والسودان كذلك، هنالك عملية تسمي (عملية الخرطوم) ، هذه العملية لا تقتصر فقط عن الهجرة في السودان ولكن خلال شرق افريقيا بشكل عام، بالاضافة الي قضايا اخري مثل مكافحة الارهاب والتغير المناخى فمثل هذه القضايا لا تحدها الحدود الوطنية.

وهذا يرجعنا الي السؤال الاول حول الحوار الاستراتيجي، و هذا يفسر لم علاقتنا قوية ومهمة، و لم علينا الاهتمام ببعضنا البعض؟،  فنحن بحاجة الي معالجة هذه القضايا ومعالجتها معاً.

إلى أي مدى تدعم المملكة المتحدة رفع العقوبات عن السودان؟

تدعمها كثيرا جدا، وقد قلنا ذلك علنا، وقد قلنا ذلك للحكومة السودانية وللحكومة الأمريكية، وكانت رسالتنا في يوليو لكلا الجانبين هي اننا سنكون حريصين جدا علي مواصلة العمل معا لضمان رفع العقوبات في اكتوبر المقبل.

ونحن ندرك أن هناك عملية وراء ذلك لأن هذه هي الدفعة الأولى من العقوبات، كما نرى أن رفع العقوبات الأمريكية من شأنه أن يوفر دفعة للاقتصاد السوداني و هذا يصب في مصلحة الجميع. ونحن نشجع أصدقائنا الأمريكيين والحكومة السودانية على مواصلة المشاركة في هذه العملية.
أنا مدرك أن هناك خيبة الأمل من عدم رفع العقوبات في يوليو، ولكن علينا أن ندرك أن عملية صنع القرار الأمريكي معقدة للغاية في الوقت الراهن، فهنالك ادارة جديدة بينما قُدم المقترح في ظل الادارة السابقة، فهم أرادوا أن يكونوا واثقين ومرتاحين لهذا المقترح قبل تنفيذه، وامل ان يتعاون الجانبين في سبيل رفع هذه العقوبات في اكتوبر المقبل.

ما هي كيفية التعاون بعد رفع العقوبات، مع القطاع المصرفي في المملكة المتحدة والشركات؟
لا تزال هناك صلة تاريخية بين الشركات في بلدينا، وأعتقد أنه سيكون هناك شركات في كل من المملكة المتحدة والسودان التي تريد أن تتعرف الي بعضها البعض.

مرة اخري فالفجوة التي بينهما استمرت فترة طويلة جداً، وكما هو واضح ان القطاع المصرفي يعدُ اقوي الصناعات في بريطانيا، وسيكون حريص جدا على رؤية القطاع المصرفي الذي سيكون علي شراكة معه لدعم العلاقة التجارية بين البلدين، فبالنسبة لنا لم يتبوأ السودان مكانته بعد من حيث موقفه الدولي ووضعه الاقتصادي.

نحن علي مفترق طرق فى اقليم مهم، وهذا يعطي السودان والمملكة المتحدة فرصة للشراكة مع بعضهما البعض، ونأمل ان ترفع العقوبات عن السودان فذلك يصب فى تجديد إهتمامات البلدين بعلاقاتهما التجارية.

وأنا أعلم أن السفارة هنا، ولا سيما السفير مايكل آرون، يعمل بجد لتوقع رفع العقوبات.

هل يمكننا أن نقول إن هناك ترتيبات معينة يجري وضعها؟

نعم، لقد بدأنا هذا الحوار ببدء ترتيبات للنقاشات، كما بدأنا حوار مع الشركات السودانية، وقد ذهب السفير مايكل أرون إلى لندن وتحدث مع الشركات البريطانية هنالك، كما تحدث كذلك لجمعيات التصدير البريطانية حول تجديد إهتمامها.

في الواقع كان لدينا بعثة تجارية صغيرة واحدة اتت إلى هنا بالفعل للنظر في الفرص، وهذا كان جزءا من تركيزه خلال زيارتيه الأخيرتين إلى لندن.

ماذا عن جهود تخفيف عبء الديون؟ كيف تساعد المملكة المتحدة السودان في ذلك الشأن، مع ان احد العوامل المهمة هي استراتيجية فعالة للحد من الفقر؟

نعم، هناك عنصر سياسي لتخفيف الديون، ولكن هناك أيضا عملية تقنية معقدة جدا لكل بلد يريد أن يعالج ديونه، ونحن بالتأكيد، قدّمنا ​عرض لحكومة السودان بأننا سوف نساعدها في هذه العملية التقنية. ولكن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها. لذلك أول ما يجب أن يوجد هو إستراتيجية الحد من الفقر. ونشجع الحكومة السودانية على العمل بسرعة لوضع استراتيجية موثوقة للحد من الفقر، ونعمل لذلك في شراكة معهم، وسيكون ذلك أساس النقاش بشأن تخفيف عبء الديون.

أخشى أن هذه تكون عملية بطيئة ومعقدة، ولكن “وكالة التنمية الدولية” في السودان انخرطت بالفعل مع الحكومة السودانية في مناقشات حول الجانب التقني للديون.

لقد زرت السودان عدة مرات، ما هي بعض التجارب التي حدثت معك؟

اخذتُ معي دفء الشعب السوداني و عمق التاريخ و حب النيل.

جئتُ إلى أفريقيا لأول مرة منذ أكثر من 30 عاما لتعليم اللغة الإنجليزية وكان مقرها في المنصورة في مصر، هناك اخبرني الناس بأنه اذا شربتُ من النيل، فإنني سأعود الي هنا دائما، كنتُ متردد قليلا في الشرب من النيل في الدلتا، لم أكن مقتنعا بأنني سأبقي على قيد الحياة، أو انني لن اغادر اذا شربت منه، لكني انتهزت فرصة زيارة سد أسوان للشرب من النيل، وقد استغرق الأمر 30 عاما، ولكن في اليوم الذي سافرت فيه عبر نهر النيل للهبوط في مطار الخرطوم، شعرتُ أنني قد أتيت إلى وطني، و قد استقبلتُ بحفاوة،  وآمل أن أتمكن من خلال اهتمامي ومشاركتي من بناء مستقبل أكثر إشراقا لبلدينا.

تصفح أيضا...