قرأتُ نسخة من مشروع قانون مكافحة التلاعب بالمعلومات، المصادق عليه قبل أيام من طرف الجمعية الوطنية، في خضم ما أثاره البعض حوله، مع يقيني بأن من بين من تناولوه من لم يره بعد..
توزع مشروع القانون على 13 مادة، تضمنت الأولى منها تحديد هدفه، وهو "ضمان النفاذ إلى معلومات دقيقة، وموثوقة، من شأنها تعزيز حرية التعبير والإعلام، في إطار احترام قيم الديمقراطية، والحقوق الخاصة بالغير"، وهذا لعمري هدف نبيل، لا أعتقد أن أحدا يعترض عليه..
في مادته الثانية عرف مصطلحات: معلومة كاذبة ـ معلومة مضللة ـ نبأ كاذب ـ مصدر ـ بث أنباءكاذبة..
تناولت المواد الأخرى بالتجريم والعقاب بحسابي 14 فعلا، هي باختصار:
ـ نشر معلومات مضللة أو أنباء زائفة..
ـ قيام شخص اعتباري بذلك..
ـ إنشاء هوية رقمية مزيفة..
ـ انتحال هوية شخص موجود..
ـ ازعاج شخص عن طريق انتحال هويته، أو ازعاج غيره بذلك.
ـ نشر أنباء كاذبة من شأنها إفساد الاقتراع..
ـ نشر أو استنساخ أنباء كاذبة، أو وثائق ملفقة أو مزورة، منسوبة لطرف ثالث تزعزع السكينة العامة، أو من شأنها ذلك..
ـ تقويض انضباط الجيوش، أو عرقلة الجهد الحربي..
ـ التواطؤ على نشر الأنباء الكاذبة..
ـ نشر الأخبار المفبركة، سواء تعلق الأمر بالكلام أو الصور..
ـ نشر أخبار أو معلومات كاذبة أو بلاغ كاذب عن حصول أشياء خطيرة لم تحصل..
ـ نشر أو التسبب في نشر معلومات كاذبة، أو استخدام وسائل احتيالية، تسبب ارتفاع أسعار أو انخفاضها..
ـ سرقة الأصوات الانتخابية بطرق احتيالية..
ـ نشر معلومات كاذبة من شأنها أن تغير نزاهة الانتخابات..
يقرر مشروع القانون عقوبات مختلفة، القاسم بينها أنها كلها جنحية، تتراوح بين ثلاثة أشهر من الحبس، وهو الحد الأدنى، وخمس سنوات من الحبس كحد أقصى، مع غرامات مالية متفاوتة..
التزم النص لازمة: "أنباء كاذبة..معلومات كاذبة..أخبارا مزيفة.. مفبركة.. وثائق مزورة"، في جميع المواد كشرط للتجريم والعقاب..
يعني ذلك أن أقصى ما سيُواجه به الشخص بعد نفاذ القانون، وعند نشر أشياء يراها طرف آخر كذبا وفبركة وتزويرا، أن يُطلب منه إثبات صحة ما قاله أو نَشَره، فإذا أثبت ذلك صح فعله، وارتفع التجريم والعقاب، وإذا عجز تبين كذبه ووقع تحت طائلة القانون، ولا أعتقد أن عاقلا منصفا يرى بأسا في هذا، وهو مقرر في قوانين أخرى مثل قانون الصحافة..
ومشروع القانون بهذا يكرس مبدأ الحق في نشر الأخبار والمعلومات والوثائق الصحيحة، وتكريسُ هذا المبدأ في غاية الأهمية، ويخدم الشفافية في الحياة العمومية، فالمُجَرَّمُ والمعاقَب ليس نشر الأخبار والمعلومات والوثائق الصحيحة، بل الأخبار والمعلومات والوثائق المكذوبة..
نعلم جميعا حجم ما يُنشر من أشياء على شبكات التواصل الاجتماعي، وما ينشأ عن ذلك من أمور خطيرة أو تكاد، ثم يتبين كذبها وزيفها، ويطالب كثير من عقلاء رواد هذه الشبكات بمحاربة هذا النوع من النشر ..
تعلن الشركات المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي باستمرار عن استحداث آليات وخصائص لمحاربة الكذب والتزوير والتزييف والفبركة، والهويات غير الصحيحة، ويخضع الرواد لذلك، دون ضجة..
عند سريان هذا القانون ـ وحري به أن يسمى قانون منع الكذب ـ سيحتاج من يكتب وينشر إلى شرط الإمام مسلم: <<..فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها..>>، وإلى توجيهه: <<..واعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات، وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه..>>../ مقدمة صحيح مسلم..
من وجة نظر شخصية، وكفني ممارس للقانون، اعتبر النص الجديد في غاية الأهمية، ومن شأنه أن يملأ فراغا موجودا الآن، ويحفظ الحقوق والحريات، ولا يخافه إلا "حَدْ أمَّگَّفْ عُرفْ للكذب"..
أ. ع. المصطفى