موريتانيا و السودان ( تباعد وترابط):
تبعد الخرطوم عن نواكشوط آلاف الكيلومترات ويتطلب الوصول إلى إحداهما من الأخرى – في الوقت الحاضر- المرور بعدة مطارات دولية، وقد يستغرق السفر قرابة الأربع وعشرين ساعة، أما في القديم فكان السفر بينهما يستغرق شهورا عديدة إن حصلت الرغبة و تواصل السير وقويت الراحلة.
في سالف الأزمان كان الموريتانيون يغادرون بلادهم إلى أرض الحجاز لأداء فريضة الحج، وكان السودان أحد "الممرات والمقرات والمدرات..." للحاج الموريتاني ، فقد يقضي الشهور والأعوام في السودان وهو في طريقه إلى الحج ، ثم يحج ويعود إليها مرة أخرى للعبور إلى موريتانيا أو للإقامة فيها واتخاذها سكنا وموطنا ، فتجمعت في السودان جالية موريتانية كبيرة من الحجاج وأبناء الحجاج ، فصاروا يعرفون محليا بــالشناقيط وقد ظلت هذه الجالية محل احترام وتقدير وتبجيل من جميع السودانيين ، لكن بعضهم انصهر في المجتمع السوداني انصهارا تاما ، ولا يعرف أحفاده الآن سوى أن أصلهم من شنقيط ، ومنهم من انصهر في المجتمع السوداني وظل متمسكا بعلاقاته الأسرية القديمة في موريتانيا.
في ظل الدولة الحديثة كان من المتوقع أن تَفْتُر العلاقة بين"موريتانيا والسودان " للتباعد الجغرافي ، ولأن الحجاج الشناقطة تخلوا عن السفر على الأرجل ، والحمير والجمال والبغال... والمرور عبر السودان ، وانصرفوا إلى خطوط جوية دولية - لا تمر بالسودان ولا قريبا منه - لكن هذه المعطيات لم تؤثر على علاقة البلدين في شيء"رغم أنف الجغرافيا "([1])
العلاقة بين السودان و موريتانيا علاقة "إلهية " زرعها الأجداد على أساس من التقوى ، وتعلم العلم و تعليمه وإكرام الضيف وخدمة الحاج...فنبتت في قلوب الأبناء وامتدت أغصانها ، فتوارثها الأحفاد عبر الأجيال وتتمثل مظاهر هذه العلاقة في :
- المحبة العميقة والمودة الصادقة اللتين تجمعهما صدور السودانيين والموريتانيين لبعضهم البعض ، فالسوداني إذا قلت له أنا موريتاني تهلل وجهه وهش وبش وسأل عن الأهل والديار ، وذكر طرفا عن أمجاد الشناقيط ...
- الدروس "المحظرية" التي نقلها بعض المشايخ من شنقيط إلى الأراضي السودانية ، فتلقفها طلبة العلم في السودان وتشبثوا بشكلها ومضمونها ، وطرق تدريسها ثم صارت محل فخر واعتزاز إلى اليوم .
- حلق الذكر التي تنتشر في البلدين في الزوايا الصوفية ، وتتشابه في النشاطات والبرامج و مقومات الشخصية الربانية ومهام المريد وواجباته.
- البعثات الدراسية ، حيث تستقبل الجامعات السودانية الطلبة الموريتانيين في كافة التخصصات وفي مختلف المستويات.
- التشابه في السمت والشكل الخارجي والزى " ثوب المرأة وعمامة الرجل " .
- الكرم الأصيل غير المتكلف الذي تميز به الشعبان " إكرام الضيف ومواساة المصاب وإتحاف المحتاج والعناية بعابر السبيل ".
- تقارب قاموس اللهجات العامية في بعض الكلمات والعبارات خاصة في الأوساط البدوية المتعلقة بالإبل.
ولو نطقت موريتانيا لأنشدت في حق السودان قول العباس بن الأحنف:
وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم ... إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَــــلامِ إِلَيكُمُ ... فَإِن هِــيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم ... فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ
أما على مستوى العلاقات الرسمية ، فقد شملت عدة مجالات خلال العقود الماضية ، لكنها شهدت في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا ، وخاصة في المجال الاقتصادي ، حيث اتجه العديد من الشركات السودانية إلى فتح أبواب الاستثمار في نواكشوط وتعتبر شركة شنقتيل للاتصالات أبرز مثال على ذلك.
أما الدبلوماسية الشعبية فتسعى جمعية الأخوة الموريتانية السودانية جاهدة إلى تطويرها بين الشعبين الشقيقين وذلك من خلال برامج عدة تنطلق في قادم الايام .
محمد أحمدُ الحسن
نائب رئيس جمعية الأخوة الموريتانية السودانية
([1]) هاشم سعيد :دبلوماسي وكاتب سوداني