أعلن تيار "الوفاق الوطني" قبل أسابيع قليلة اندماجه في حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، بعد رحلة قادته من تأييد المرشح الرئاسي سيدي محمد ولد بوبكر، الذي كان رئيس التيار د. سيد أعمر ولد شيخنا يتبوأ منصب الناطق الرسمي باسمه إبان الحملة الانتخابية الأخيرة، مرورا بإعلانه دعم المرشح الفائز محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، قبل أن يحط الرحال أخيرا في رحاب الحزب الحاكم.
"مراسلون" قابلت رئيس تيار "الوفاق الوطني" لتسأله عن سبب هذا التحول، وعن خلفيات ذلك الدعم، وعن أهم ما جذبه حتى الآن في نظام الرئيس غزواني..
أجرى الحوار: أحمد سالم ولد باب
دعم تياركم، "تيار الوفاق الوطني"، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، وكنتم شخصيا الناطق الرسمي باسمه، ثم دعمتم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، واندمجتم مؤخرا في الحزب الحاكم، هل يمكن أن تشرح لنا ملابسات هذا التحول السياسي؟
في البدء أشكركم في موقع "مراسلون" الرائد في الساحة الوطنية على إتاحة هذه السانحة.
صحيح.. لم نتشرف بدعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولكننا ندعمه اليوم بقناعة وحماس.
تيار الوفاق الوطني دعم - كما هو معلوم - المرشح سيدي محمد ولد بوبكر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكان ذلك بناء على رؤية سياسية وثمرة لنقاشات مطولة وتفاهمات مع المرشح ولد بوبكر، وكان علينا الالتزام بتلك الرؤية وذلك الموقف، مهما كانت الكلفة.
لكن المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني مَثَّل، ومنذ الوهلة الأولى، وجهة مقبولة لدينا، لاسيما بعد خطاب ترشحه في فاتح مارس، الذي حمل أفكار توافقية قوية وجذابة، وكنا نعتبر ترشحه يمثل حسما مبكرا للمنافسة تقريبا، نظرا لما يحوزه من عناصر القوة السياسية، وما التف حوله من قوى انتخابية مؤثرة.
من جهة أخرى كان الطرح السائد هو أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، يمثل امتدادا لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وحتى أن بعض القوى السياسية كانت تدعم المرشح ولد الشيخ الغزواني عبر المرور بالرئيس ولد عبد العزيز، ولم نكن نريد أن نكون في خندق الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فنحن لم نكن من أنصاره في أول حكمه ولا وسطه، ولا نرغب أن نكون معه في آخر أيامه.
لم نقتنع لحظة بأطروحة الاستخلاف والامتداد، كنا ندرك بداهة أن ذلك غير ممكن، وأنه في اليوم الذي يجلس فيه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على الكرسي معززا بالشرعية الدستورية والشعبية؛ ستتبدد تلك الأوهام. لقد كانت دعاية صاخبة أحسن أصحابها - فعلا - قراءة طبيعة شخصية الرئيس المنصرف ونمط تفكيره، لكنهم أخفقوا - بكل تأكيد - في قراءة شخصية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وما تكتنزه من استقلالية وحزم وعزم، مع رزانة ورباطة جأش.
ماهي الخلفيات العميقة لقراركم دعمَ نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني والاندماج في الحزب الحاكم؟
يمكن تلخيص خلفيات موقفنا السياسي الجديد في الأبعاد التالية:
وعينا بأن موريتانيا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، تتطلب استجابة واعية وعميقة لجملة من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضاغطة، من قبيل تحديث وتقوية مؤسسات الدولة، الحفاظ على تصاعد الخط البياني للتراكم الديمقراطي، تعزيز الوحدة الوطنية، تحقيق مستويات مقبولة من النمو والرفاه الاقتصادي.
وفي نظرنا فإن هذه الرهانات الكبرى يجب كسبها الآن من قبل الدولة الموريتانية، بغض النظر عمن يحكمها، وهذه الأوراش الكبرى يتطلب تحقيقها توفير مناخات من الحوار والتشارك والتوافق، من أجل تحقيق حالة من العافية والمناعة، خدمة للبلد حاضرا ومستقبلا، فالحالة السياسية الموروثة منذ 1992 إلى الآن، والتي يحكمها ثالوث "الإقصاء والحدية والعدمية"، حالة غير صحية، ولم تعد ظروف البلد تتحمل عواقبها الوخيمة.
ثانيا إدراكنا العميق أن معظم المشاكل والتحديات المطروحة لها جذور بنيوية عميقة، وبالتالي تتطلب استراتيجيات عميقة بعيدة المدى. إن مشروع الدولة في هذه البلاد لا يزال في طور التشكل والنمو، بل يواجه تحديات بفعل أكثر من عامل. في أطروحتي حول معوقات التحول الديمقراطي في موريتانيا، عقدت فصلا بعنوان: "من الدولة المستعصية إلى الدولة المستوردة، المواريث المعيقة والتحديث المشوه"، تناولت فيه جذور عاهة ضعف الدولنة التي نعاني منها، وانعكاساتها المتشعبة على مسار التحول الديمقراطي في هذه البلاد، إن عملية التغيير والإصلاح تتطلب جهدا مضاعفا ونفسا طويلا، وإيمانا بالتدرج ومراهنة على التراكم، فليست هناك حلول سحرية، ولا يوجد فريق سياسي يمتلك معجزات. ما يصلح في الوقت الحالي هو المقاربة والتسديد والتعاون والحفاظ على الموجود، وأن يكون يوم البلد أحسن من أمسه، وغده أحسن من يومه.
ما أهم ما لفت انتباهكم في أداء نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني حتى الآن؟
لفت انتباهي جملة مؤشرات منها:
الشروع في بناء نظام سياسي وطني منفتح وحاذق، ينتهج الحوار والتشاور مع شركاء الوطن؛ من قوى سياسية ومجتمع مدني وروابط مهنية وإعلام، وهو سلوك سياسي يمثل تقليدا ديمقراطيا أصيلا، لكنه ظل مفقودا للأسف في الفترات الماضية، رغم أن الحوار والسماحة والاعتدال قيم متجذرة في ثقافة وتاريخ شعبنا.
العناية بالرأي العام، والاستجابة السريعة لنبضه، وهذا اتجاه جديد غير مسبوق - على هذا النحو - لدى دوائر السلطة العليا في موريتانيا، وهناك موضوع ذو صلة بهذا السلوك يتمثل في الاهتمام بالإعلام، سواء من جهة الرغبة في تمهين الإعلام الرسمي، أو من جهة التعاطي الإيجابي مع الإعلام الحر، والاستفادة من جهوده في كشف أوجه القصور والفساد، والتفاعل السريع مع ما يصدر عنه في حالات النشر المتسمة بعدم الدقة والتضخيم والمكايدة.
البعد عن الارتجال، ومحاولة إعطاء الملفات حقها من النظر والتقييم، ومنح الوزراء صلاحياتهم، وتمكينهم من تسيير قطاعاتهم بحرية ومسؤولية، على نحو يفترض فيه أن يسمح - لاحقا - بالتقييم الموضوعي للأداء الحكومي، ومن ثم المحاسبة السياسية .
تنشيط عمل المؤسسات الرقابية، وأبرزها اليوم تفعيل الدور الرقابي للبرلمان، من خلال اللجنة البرلمانية التي تحقق في ملفات نهب خطيرة، وبغض النظر عن السياق وقصة المستفيد والمتضرر، فإن إنشاء اللجنة يمثل في حد ذاته خطوة مهمة وغير مسبوقة، ولها انعكاسات إيجابية ذات أثر باقٍ مؤسسيا وديمقراطيا.
الشروع في تنزيل مشروع برنامج "تعهداتي"، وعنوانه الأبرز اليوم وكالة "تآزر"، التي يُؤَمَّلُ أن تلعب دورا محوريا في الرفع من واقع الفئات الهشة.
الإدارة الحسنة لملف جائحة "كورونا" من جهة الإجراءات الاستباقية وإعادة مستوى من الفاعلية وسرعة الاستجابة للمؤسسات الحكومية نسبيا، وأيضا الطابع التشاركي في إدارة الملف مع القوى السياسية الوطنية، وهي جهود طيبة نرجو أن تتعزز أكثر، وأن تخضع للتقييم المستمر من أجل محاصرة هذا الوباء العالمي، الذي نتضرع إلى الله تعالى في هذه الأيام المباركة أن يرفعه عنا وعن الأمة والبشرية جمعاء.
يفترض أن يكون للمُوَالي القادم لتوه من المعارضة ما يقوله أو ينصح به...
نصيحتي الأولى أتمنى إعطاء مزيد من العناية لملف التشغيل؛ فالبطالة في صفوف الشباب الموريتاني تسجل أرقاما هائلة، وهذا الملف له انعكاسات في غاية الخطورة.
النصيحة الثانية أن تثمن حالة الالتفاف السياسي النادرة حول النظام، والعمل على استثمارها بمهارة في تحقيق إنجازات ملموسة، تنفع الناس وتمكث في الأرض.
النصيحة الثالثة بذل الوسع في انتقاء الكفاءات الوطنية المميزة، وإشراكها في عملية البناء الوطني، فالنهوض بالدول من ركام التخلف يستوجب الاعتماد على النوابغ وكبار المختصين، فهم الأقدر على إنتاج الأفكار الخلاقة وتقديم المشورة النافعة.