كتاب الرّدة..رحلة في آلاء الله

جمعة, 08/05/2020 - 12:58

اختارت جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية رواية “كتاب الردة” للكاتب الموريتاني محمد عبد اللطيف كأفضل رواية عربية 2020، والرواية صادرة 2018 عن دار مدارك للنشر، وجاءت في 267 صفحة من الحجم المتوسط، وتدور أحداثها بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، عبر مجموعة من الأحداث على لسان راويها عبدالله، وهو يستعيد مسار حياته وتقلباته الفكرية والاجتماعية والعاطفية بين الشك واليقين والاعتدال والغلو في رحلة مع النفس وفي آلاء الله.

ضغوط لانتماء
بطل الرواية تتنازعه هويات متعددة في مجتمع حجازي “كوزموبوليتاني” تتشابك فيه الأطياف العرقية من مختلف العالم، حطت الرحال في مراحل تاريخية متعددة في رحلة اليقين إلى الله، تماهت مع المكان، رغم ضغوط الانتماء والهويات والإشكالات القانونية والجدران الاجتماعية، فهو موريتاني شنقيطي ولد وشب هناك، ترعرع وكبر وامتلأ رأسه بمتون التوجيه والتلقين الفقهي والديني، دون تنمية لحس النقد لديه، وفق ظروف تاريخية كان شائعاً جداً ذلك التوجه، نمت فيه التيارات المتشددة.

كتاب الردة
تتوالد التساؤلات في ذهن الراوي، ويفتح كتاب الردة، وهو يختبر حياته من جهات أخرى حين يتعرض لغواية مينا، الفتاة السمراء الجميلة وخلاخل أنوثتها الرنانة، وهي من موطنه، حيث يعيش التناقضات في هذا الحب بين ماضيه وما شابه من توجيه الأب والعم والمجتمع والمناخ العام الذي يكرس التلقين والوعظ، والمحاضرات التي يفيض بها رأسه، وبين اختبار عنفوان هذه التجربة المغايرة في وسطه وملذات الحياة الجميلة.

تقنيات سردية
الكاتب استخدم مجموعة من التقنيات السردية والفنية في حكاية هذه الرواية، عبر تخييل السارد وفتحه لكتاب ردته، وفق السياقات والأحداث، في تنقل بين ماضيه المغلق ونزوعه نحو الانبتات، وقدم استهلالات فصوله بإضاءات من متون شعر التصوف، لا تبارحها حتى تشرع لك على تأويلات جديدة داخل النص، تتحرك فيها الشخصيات، وتتقاطع المصائر، وتتعدد الأصوات في أحياء هامشية ومجتمعات مهاجرة تعيش الفاقة وتخرق القانون، تخطئ وتتوب، تأنس أرواحها المعذبة بالقرب من الأماكن المقدسة وتزدهر أعمالها في موسم الحج، وفيوض الشعائر التي تؤم البيت الحرام من كل حدب وصوب، في رحلة سلام مثابة للناس وأمن، حيث “تأخذ مكة وجها الأممي وتختلط الأعراق على مائدة الصخر وخوان المواسم العابرة”.

أصوات وهويات
الاثنيات وتعددية أصواتها حاضرة في الرواية، وتؤصل لهذا التشابك الثقافي وجذوره منذ الركاب الحجازية، واستقرار الأوائل وهم يحننون إلى الجوار الرباني في رحلة الروح، ونزوع الأجيال الثانية لأنماط مشابهة وبديلة وهي تساير الحياة وتكد من أجل لقمة العيش، يلتقط تلك الصور عبر شخصيات إنسانية وبسيطة مثل العم حماز، صديقه وعزوته وملاذه الذي يجنح إليه في حي الحفاير بمكة المكرمة، وقد أودعت في العم حماز “تلك الروح الحجازية المرحة لغة رائقة وبساطة في العشرة”.

عوالم إنسانية
تسلط هذه الرواية الضوء على الكثير من العوالم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، وما يميزها نظم الكاتب لكل تلك التقاطعات بسرد لافت في فضاءات مقدسة، قدم من خلالها حكاية روائية إنسانية ترصد الإنسان وتخيلاته وهواجسه وهمومه وتطلعاته وتناقضاته وغوايته وآثامه وركونه إلى الله، وهو ملمح يعطي لهذا العمل الإبداعي الكثير من الصدق والكثير من الموثوقية.

 

المصدر : موقع كُتب دبي

تصفح أيضا...