يعرف الكثيرون عن حياة فيكتوريا، ملكة المملكة المتحدة (بريطانيا العظمي وإيرلندا)، وزواجها من الأمير ألبرت، وشغفها بالفنون وإدارتها للحياة السياسة -رغم أن دستور المملكة كان يمنح الملك صلاحيات محدودة- حتى لقبت بأم أوروبا.
لكن جزءا في حياة الملكة فيكتوريا ظل خفيا، وهو علاقتها بخادمها الهندي المسلم عبد الكريم. وفي عام 2017، أدى إصدار فيلم بعنوان "فيكتوريا وعبدول" إلى تسليط الضوء على جانب آخر من حياة الملكة، وهي العلاقة الوثيقة التي أقامتها مع شاب هندي يدعى عبد الكريم في الأعوام الأخيرة من حياتها.
نشأة عبد الكريم
في تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أشارت الكاتبة سابرينا بار إلى أن كريم، واسمه محمد عبد الكريم، ولد في الهند لأسرة مسلمة في عام 1863. وكان ثاني ستة أطفال، إذ كان والده يعمل مساعدا في مستشفى مع فرقة من سلاح الفرسان البريطاني. وعندما كبر كريم، حصل على وظيفة كاتب في سجن في أغرة.
كان السجن الذي عمل فيه كريم يضم برنامجا لإعادة تأهيل السجناء، حيث يقع تدريبهم على نسج السجاد. وفي عام 1886، سافر العديد من السجناء إلى لندن لعرض منسوجاتهم في معرض، وساعد كريم مشرف السجن، جون تايلر، في ترتيب الرحلة إلى العاصمة الإنجليزية.
وأفادت الكاتبة بأن الملكة فيكتوريا، التي كانت حينها في أواخر الستينيات من عمرها، زارت المعرض. ولأنها قد لقبت إمبراطورة للهند في عام 1876، أظهرت الملكة اهتماما بالأراضي الهندية تحت حكمها.
في الوقت نفسه، أخبرت الملكة تايلر بأنها تريد منه اختيار خادمين هنديين سيعملان لمدة عام خلال اليوبيل الذهبي لها، بمناسبة مرور خمسين عاما على توليها العرش. وقد اختار تايلر كريم ورجلا آخر يدعى محمد بوكش. عندها، تعلم كريم اللغة الإنجليزية ولقن آداب المعاملة البريطانية قبل السفر إلى إنجلترا.
لقاء كريم والملكة فيكتوريا
أوردت الكاتبة أن الملكة وكريم التقيا لأول مرة في 23 يونيو/حزيران عام 1887، عندما قدم هو وبوكش الإفطار في "فروغمور هاوس" الواقع في ويندسور. وبعد وقت قصير من اجتماعها الأول مع كريم، كشفت الملكة فيكتوريا في مذكراتها أنها بدأت تتعلم بعض الكلمات من اللغة الهندوستانية بعد التعرف إلى خادميها الجديدين.
وبحلول شهر أغسطس/آب من ذلك العام، بدأ كريم (24 عاما) بتدريس اللغة الأردية للملكة، وهي واحدة من اللغات الرئيسية المستعملة في جنوب آسيا والآن اللغة الوطنية لباكستان. من هنا، تحولت علاقتهما إلى درجة أعلى، حيث طلبت الملكة فيكتوريا أن يأخذ كريم مزيدا من دروس اللغة الإنجليزية.
في عام 1888، أي بعد عام من وصول كريم إلى إنجلترا للمشاركة في اليوبيل الذهبي، قامت الملكة فيكتوريا بترقيته إلى منصب "مونشي" للدلالة على دوره كمدرس لغة شخصي، لكن محادثاتهما لم تقتصر على تعلم اللغة فحسب، إذ قالت كاتبة سيرة كريم، سوشيلا أناند، إنهما تحدثا أيضا عن موضوعات أخرى من بينها الفلسفة والسياسة.
وطوال صداقتهما التي امتدت 14 عاما والتي استمرت حتى وفاة الملكة فيكتوريا عام 1901، أصبحت الملكة مولعة بكريم لدرجة أنها عيّنته مسؤولا عن الخدم الهنود الآخرين وخصصت له غرفة في قلعة بالمورال في أسكتلندا.
مع ذلك، لم يتقرب أفراد العائلة المالكة الآخرون من الشاب مثلما فعلت الملكة، مما أوضح أنهم لا يرغبون في أن تتعدى معاملتهم له رتبة الخادم. وعندما عبروا عن كراهيتهم لكريم، وقفت الملكة إلى جانبه ودافعت عنه.
موقف العائلة المالكة من كريم
ذكرت الكاتبة أن أحد الأسباب التي جعلت علاقة الملكة فيكتوريا مع كريم غير معروفة، يرجع إلى حقيقة أن الكثير من رسائلهما قد أحرقت. فبعد رفضه للعلاقة التي كانت تربط الملكة بكريم، أمر ابنها الأكبر إدوارد بعد وفاتها بإحراق الرسائل المتبادلة بينهما.
من جانبها، ذكرت المؤرخة كارولي إريكسون في كتابها "جلالة الملكة الصغيرة: حياة الملكة فيكتوريا"، أن "العنصرية كانت آفة العصر، وقد تزامنت مع الإيمان بمدى ملاءمة هيمنة بريطانيا العالمية. وكان وضع الخادم الهندي ذي البشرة الداكنة في المنزلة نفسها مع خادمي الملكة البيض أمرا غير مقبول، لذلك كانت مشاركته لهم في تناول الطعام على طاولة واحدة إلى جانب المشاركة في حياتهم اليومية بمثابة إهانة".
وأوضحت الكاتبة أن شراباني باسو، مؤلفة كتاب "فيكتوريا وعبدول"، قد صرحت لصحيفة "التايم" بأنها اطلعت على أوراق خاصة كتبها أفراد عائلة الملكة، بما في ذلك طبيب الملكة الخاص السير جيمس ريد. وقد ذكر في إحدى الأوراق أن ريد أعرب عن رفضه لكريم بوضوح شديد، حيث كتب أن الملكة كانت مهووسة بـ "المونشي".
علاوة على ذلك، ذكرت باسو أن كريم صور في السيرة الذاتية الغربية على أنه "محتال"، حيث "تلاعب بالملكة سعيا للشهرة"، لهذا أرادت التحقيق في ماضيه وعلاقته بالملكة فيكتوريا على نحو أكثر تفصيلا.
توثيق صداقتهما
أفادت الكاتبة بأن باسو أصبحت مهتمة بماضي كريم بعد أن اكتشف وجود لوحة له في قصر أوزبورن هاوس في جزيرة وايت، وهو القصر السابق للملكة فيكتوريا والأمير ألبرت.
وذكرت باسو "كنت أعلم أن عبد الكريم جاء من الهند إلى إنجلترا لخدمة الملكة فيكتوريا في عام 1887، لكنه برز في الصور كرجل نبيل"، حيث رسم "بشكل جميل، باللون الأحمر والذهبي، وهو يحمل كتابا".
بعد البحث في حياة كريم، اعتقدت باسو أن جميع الرسائل المتبادلة بينه وبين الملكة فيكتوريا قد أتلفت بأوامر من الملك إدوارد السابع. ولكنها مع ذلك تمكنت من التواصل مع أقارب كريم، الذين كشفوا أنهم حافظوا على مذكراته. ولم ينجب كريم أي أطفال.
وقالت باسو "كانت أروع لحظة بالنسبة لي عندما تسلمت المذكرات. وقد ذكر في أحد الأسطر ما يلي: أتمنى أن تعجب تلك القصة كل من تقع يداه على هذه المذكرات".
وبعد أن كتبت بالفعل كتابا عن الملكة فيكتوريا وكريم، دفع اكتشاف المذكرات باسو إلى إعادة النظر في إصدار طبعة ثانية، التي استند إليها فيلم "فيكتوريا وعبدول" الصادر عام 2017.
وعلى الرغم من أن الفيلم يصور نسخة خيالية من صداقتهما، فإن باسو شددت على أن أحداث الفيلم واقعية، رغم غرابتها.
الجزيرة نت